انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الشريف يكتب لـ مدار الساعة: الراقصون على الجراح

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/31 الساعة 10:55
حجم الخط

د. نبيل الشريف

لعبت وسائل الإعلام العربية في فترة الستينات من القرن الماضي دورا سلبيا بالغ الأذى في تفريق الكلمة وبث الفتنة وتعميق الخلافات بين الدولة العربية. فما أن يندلع خلاف بسيط بين دولة عربية وأخرى حتى يتمترس دعاة الفتن خلف ميكروفونات الإذاعات (التي كانت أكثر الوسائل شيوعا في ذلك الوقت) لصب الكثير من الزيوت على نيران الخلافات الملتهبة فيتسع الخلاف وتتعمق الفجوات بين المواقف ويصبح الخلاف البسيط أمرا جللا غير قابل للاحتواء.

وكان لهذه المرحلة معلموها ومنظروها من سدنة الإعلام الذين تسيدوا الإذاعات في تلك الفترة مثل أحمد سعيد الذي كان يفتح بمفرده جبهة كاملة عبر إذاعة (صوت العرب) لشن الحرب على معارضي الرئيس الراحل عبد الناصر فيسخف أفكارهم ويهزأ بقادتهم ويلفق أخبار "الدولة الخصم" كما يشاء فلا يوجد رقيب أو حسيب على مايقول.

وإذا كان أحمد سعيد هو رمز تلك المرحلة ، فإن الأمانة تقتضي التأكيد أنه لم يكن الوحيد الذي لعب ذلك الدور بل كانت الكثير من الإذاعات العربية والصحف غارقة حتى أذنيها في ذلك الإثم. فقد نظرت الحكومات لوسئل الإعلام في تلك المرحلة على أنها كتائب مقاتلة لايقل دورها عن دور الجيوش في مقارعة "الخصوم".

وبعد أن تطورت وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة وازداد وعي الناس وتعددت المنابر الإعلامية، ترسخت لدى الكثيرين القناعة بأن مرحلة "الإعلام المؤدلج" او إعلام القذائف الكلامية انتهت إلى غير رجعة وأصبحت ملكا للتاريخ ولدارسي الإعلام.

ولكننا سرعان ما إستيقظنا خلال الأيام الماضية على عودة الروح لإعلام القذائف الكلامية وإنبعاث مدرسة أحمد سعيد مرة أخرى في واقعنا العربي.

فقد أصبحت المنابر الإعلامية ساحات للوغى من جديد. وعاد إليها الكر والفر مرة أخرى. واصبح الغمز واللمز سيدا الموقف. وغدا القدح في الرموز القيادية أمرا مقبولا ومستحبا.ولم تعد الكثير من وسائل الإعلام تتورع عن توجيه السهام للآخرين في الفضاء العربي بشكل يجعل أحمد سعيد تلميذا صغيرا في مدرسة القذائف الكلامية الراهنة.

بإختصار، لقد تم في الآونة إعادة إحياء أسوا صفحات الإعلام العربي وأكثرها سوادا وقتامة وبشكل أكثر فحشا عما سبق.

والمصيبة هو أن الإمكانات الإعلامية الراهنة أصبحت أكثر تطورا وتنوعا وتأثيرا مما سبق. فإذا كان متابعو أحمد سعيد وأمثاله أعضاء في نادي النخبة المسيسة في المقام الأول، فإن متلقي الرسائل الإعلامية الأن هم عموم الناس، وخصوصا فئة الشباب. وكأننا نؤسس لخصومات ستبقى معنا للفترات القادمة لأن أغلب من يستقبل هذه الرسائل الإعلامية الملغومة هم ممن سيصوغون الواقع العربي في مراحله القادمة.

والمصيبة الأكبر هو أن الامة تواجه تحديات تستهدف وجودها وبقاءها بشكل لم نشهد له مثيلا، وأن عددا من أقطارها سقطت تحت تأثير الإرهاب أو القوى الطامعة في مقدرات الأمة.

فإذا كانت مدرسة أحمد سعيد قد إنتعشت في مرحلة كان الوطن العربي فيها متماسكا إلى حد كبير ، فإن وسائل الإعلام العربية التي إتفلتت من عقالها في الأونة الأخيرة واخذت توجه سهامها إلى بعضها البعض تفعل ذلك في أشد الأوقات حراجة، فهذا هو الوقت الذي نحتاج فيه إلى رص الصفوف وتوحيد الكلمة لا الرقص على الجراح وفتح جبهة أخرى لايمكن أن يفيد منها أحد سوى أعداء الأمة.

لقد آن الأوان لكي يتوافق الإعلاميون العرب على كلمة سواء فيما بينهم تصبح الحكومات بموجبها غير مخولة باستعمال وسائل الإعلام العربية (حتى لو كانت مملوكة للحكومات) في أي موضوع من شأنه أن يلحق الضرر برسالة المصير الواحد (حتى لا نقول الوحدة) بين الأقطار العربية. فاستمرار الساسة في العبث بوسائل الإعلام العربية والنظر إلى هذه الوسائل على أنها أدوات وظيفية في "حروب الأشقاء" إنما يضعف مصداقية هذه الوسائل ويصرف المواطن عنها.

إننا نريد لساستنا العرب أن يسموا فوق الخلافات وأن يدركوا أن أي معارك جانبية في جسد الأمة الأن إنما تصب في مصلحة الأعداء وقوى الإرهاب المتربصة بنا جميعا.. ولكن إذا أصروا على خوض معاركهم الدونكشوتية فليخوضوها وحدهم ، ولن يقبل الإعلاميون أن يكونوا وقودا في هذه الحروب العبثية التي يطلق فيها المرء النار على نفسه في المحصلة النهائية.

مدار الساعة ـ نشر في 2017/05/31 الساعة 10:55