مدار الساعة - كانت أسرة بسام، الرجل الثلاثيني، تستقر في مخيم "التواصل"، غرب مأرب، عندما طلب الحوثيون من الأسر النازحة القاطنة في المخيم منتصف مارس/ آذار الماضي، المغادرة خلال مدة أقصاها يومين، بالترافق مع اشتداد المعارك على امتداد الجبهات الواقعة غرب المحافظة.
وكما هو حال العديد من النازحين الموزعين على مخيمات عدة في مناطق متفرقة بالقرب من المواجهات، فإن أسرة بسام لم تكن تملك ما يعينها على التنقل، وعوضاً عن ذلك، فقد عانى الأطفال وأمهم مضاعفات صحية، بعد مشيهم لساعات تحت حرارة الشمس، وصولاً إلى مخيم "السويداء"، الذي استقبل الأسر النازحة من مخيمات عدة.
وعلى الرغم من أن المعارك بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، المعترف بها دوليا، وقوات الحوثيين، وصلت نيرانها إلى أكثر من مخيمٍ، إلا أن الخيارات بالنسبة للغالبية العظمى من الأسر النازحة، تكاد تكون منعدمة، وفقاً لما يقول لـDW عربية عبدالرزاق محمد، وهو نازح غادر مدينة مأرب جنوباً أواخر مارس/ آذار الماضي، بعد سقوط صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون بالقرب من سكنه في المدينة.
أكثر من مليوني نازح
تحولت مأرب وسط اليمن، من مدينة ثانوية، إلى مدينة مركزية بالنسبة للحكومة المعترف بها دولياً إلى الشرق من صنعاء، وجذبت منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية في سبتمبر/ أيلول2014، العدد الأكبر من النازحين محلياً، وصلت أعدادهم، وفقاً للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين، إلى أكثر من مليوني نازح، بما فيهم أسر جنود ومعارضين للحوثيين بالإضافة إلى أولئك الذين فقدوا مصادر دخلهم ونزحوا بحثاً عما يعوضهم.
ومنذ تدشين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، حملة تصعيد عسكري باتجاه مأرب، منذ ما يقرب من عام، بدا النازحون، الذين قاسوا مرارات الحرب والتشرد، بمغادرة منازلهم أمام تهديد متفاقم، في ظل تواصل التصعيد العسكري ووصوله مراحل غير مسبوقة في الشهور الأخيرة.
وفي حديث خاص لـDW عربية، أكدت المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة أوليفيا هيدون أن وتيرة التصعيد مستمرة نسبياً، مع تركزها شمال غرب وجنوب غرب مأرب، خلال الأسابيع القليلة الماضية، في حين أن سكان منطقة صرواح يعتبرون الأكثر تأثراً بهذا التصعيد.
واوضحت هيدون أن فرق المنظمة سجلت نزوحاً لنحو 2912 أسرة مؤلفة من أكثر من 20 ألف شخص، في أنحاء محافظة مأرب، منذ فبراير/ شباط 2021، مشيرة إلى أن الأرقام قد تكون أعلى. إذ تظهر إحصائية الوحدة التنفيذية لإدارة المخيمات (جهة حكومية) أن عدد الأسر النازحة منذ مطلع فبراير/ شباط وحتى الـ19 من أبريل/ نيسان الماضي بلغ 3442 أسرة، مؤلفة من أكثر من 24 ألف شخص.
أكبر أزمة نزوح
وحسب الهجرة الدولية، فإن أكبر نزوح شهدته محافظة مأرب كان خلال العام 2020، إذ منذ يناير/كانون الثاني العام الماضي، بلغ عدد النازحين من منازلهم أو مواقع النزوح، نحو 21545 أسرة، مؤلفة من 150 ألفاً و815 فرداً، وبسبب الازدحام في مواقع النازحين، باتت حوادث الحرائق أكثر شيوعاً، حيث سجلت المنظمة تسع حرائق خلال العام الجاري حتى الآن.
بالإضافة إلى ذلك، أدى التصعيد إلى حالات نزوح للأسر للمرة الثانية والثالثة وحتى الرابعة، حيث تضيف هيدون أن الوضع في مأرب يمثل أكبر أزمة نزوح في اليمن، في حين أن الاحتياجات والمعاناة عند مستويات عالية بشكل ينذر بالخطر. وتشدد المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة على أهمية استمرار الدعوات لوقف تصعيد الأعمال العدائية، إذ أنه بدون وضع نهاية للتقتال "لن تكون هناك نهاية للأزمة ولكن في الوقت الحالي مع القتال شبه اليومي، لا يبدو أن هذه النهاية قريبة".
فصل قد يكون الأقسى
من جانبه، يرى رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن نجيب السعدي في حديثه لـDW عربية، أن العالم عاش أزمة المهاجرين في سوريا ودول أخرى، شهدت صراعات دامية السنوات الماضية، لكن في اليمن كانت الأزمة بالنسبة للرأي العام الخارجي أقل حضوراً؛ بسبب عدم تسليط الضوء على النزوح الداخلي بما يتناسب مع الأزمة، إذ أن هناك نحو أربعة ملايين نازح داخلياً، غادروا منازلهم مجبرين إلى مخيمات أو مساكن مؤقتة في المدن المختلفة، معاناتهم شبه منسية، ولا تجد الاهتمام والدعم الإنساني الكافيين.
ويضيف أنه "عند الحديث عن مأرب ومحاولة الحوثيين الزحف صوب المدينة، فإن الأمر يتعلق بفصل جديد قد يكون الأقسى من كل سبق خلال السنوات الماضية على صعيد الكارثة الإنسانية". ويؤكد السعدي أن "مأرب استقبلت مليونين و194 ألف نازح من 2014 إلى اليوم، وتعتبر أكبر تجمع للنازحين في الجمهورية اليمنية، حيث يتواجد فيها قرابة 60 بالمائة من إجمالي عدد النازحين".
نجيب السعدي: قضية النازحين في اليمن بالنسبة للرأي العام الخارجي أقل حضوراً؛ بسبب عدم تسليط الضوء على النزوح الداخلي بما يتناسب مع الأزمة.
ويوضح رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن أن "تهديدات جماعة الحوثي لا زالت مستمرة بالقصف المباشر للمخيمات والمناطق السكنية التي يسكن فيها نازحون واستهدافهم إما بقذائف صاروخية وصواريخ بالستية أو بالطائرات المسيرة"، بما يجعل الوضع مقلقاً، ومن شأنه التأثير على مقدرة المنظمات على الوصول الإنساني الأمن.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التصعيد "يشكل قلقاً ورعباً لدى النازحين بشكل عام وتخوفا من المستقبل المجهول"، خصوصاً أن النازحين هناك في مأرب، بعضهم قد نزح للمرة الخامسة، حيث نجد من نزح من ريف صعدة (أقصى شمال البلاد) إلى المدينة ومن ثم إلى محافظة عمران (المجاورة)، ومن ثم إلى صنعاء ثم منها إلى الجوف ومن الجوف إلى مأرب"، بما يجعلهم يعيشون في وضع صعب للغاية.
استجابة المنظمات لا ترقى لحجم الكارثة
وتؤكد المنظمة الدولية للهجرة، وجود احتياجات إنسانية واسعة النطاق، لم تتمكن منظمات العمل الإنساني من الوصول إليها، في محافظة مأرب اليمنية، بالرغم من الاستجابة المخصصة التي تقدمها في مأرب.
وتوضح هيدون أن المنظمة تدير مركزاً إنسانياً مشتركاً لتسهيل استجابة الشركاء في المنظمات الإغاثية، وبالرغم من ذلك، فإنها تتوقع زيادة الفجوة بين الاحتياجات المطلوبة وبين المعونات المقدمة، خلال الأشهر القادمة.
من جانبه، يقول رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين إن دور المنظمات الإغاثي كان شبه معدوم حتى مطلع العام 2020، لكنه اليوم بدأ بالتحرك، من خلال تقديم مساعدات في جانب الغذاء والإيواء والصرف الصحي للنازحين، لكنه يشدد على أن هذا التحرك، لا يرتقي إلى حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها النازحون في مأرب.
ومن الجدير بالذكر، أن التصعيد في مارب، تصدر منذ شهور مختلف المواقف والمبادرات السياسية المتصلة بالوضع في البلاد، بما في ذلك، جهود المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث، بالإضافة إلى مبعوث الولايات المتحدة تيم ليندركينغ. إلَّا أن أغلب الاجتماعات التي عُقدت الشهور الأخيرة، في هذا الصعيد مع الأطراف المعنية، انتهت دون الإعلان عن تقدم.
وسائل اعلام