كتب.. محمد محيسن
لقد أثبتت التجارب المريرة، و لتاريخ الطويل من الصراع مع الكيان الاستعماري الصهيوني، انه لم ينجح إلا من خلال الفتنة ، التي كانت تداعياتها، عشرات الفصائل الفلسطينية، أنفقت وصرف من الشتائم على بعضها أكثر مما أنفقته في على معارك التحرير الكبرى.
وذات الشيئ يمكن ان يقال على المحيط العربي ..
وبما ان الفتنة موروث عربي أصيل فقد انفق الوطن العربي آلاف الأطنان من الورق للردّ على العدوان الصهيوني واستباحته للأرض والإنسان، ومحاولته تدمير أقدس البقاع الإسلامية ، وتدنيس التراث العربي وإبقائه في مستنقع التبعية والتخلف .
كانت هذه مقدمة لابد منها لاستدراك القادم ، فقد حقق الشعب الفلسطيني خلال الأيام الأخيرة ما لم يكن في حسابات اسرائيل، ما جعلها مرتبكة وعاجزة عن الفهم، وكادت الأمور تخرج عن السيطرة، عندما بدأ العالم ينظر الى الشعب الفلسطيني نظرة مغايرة ، تحمل الكثير من الاحترام ، في المقابل، باتت إسرائيل أكثر عريا من اي وقت مضى.
الأهم من كل ذلك، تلك الوحدة التي جسدها شعبنا في القدس والضفة وغزة والجليل، وصولا الى كافة أماكن الشتات الفلسطيني ، الذي توحد حول الحجر والطلقة والصاروخ وحتى الكلمة، في مشهد رائع تجلى بعمق إيماني، بان هذه الشعب مهما تعرض للضغوط والويلات يبقى ثابتا وقويا ومتماسكا، وعندما تحين الفرصة يذهل العالم بصمود يقترب من الإعجاز .
وبما ان الفرصة حانت بعد هذه المواجهة الدموية مع العدو فان، عوامل الخلاف تتراجع، الآن أمام خطر يهدد الأطراف كلها، لأن القرار لا يستثني فصيلاً فلسطينياً ولا دولة عربية بعينها ويحكم بالإعدام السياسي والوجودي والرمزي أيضاً على ما كان وسيبقى قلب القضية الفلسطينية وبوصلتها وهي القدس!
فالخسائر الوطنية التي ترتبت على الانقسام لا يتحملها طرف بعينه، ويصعب في مثل هذه المواقف أن يحتكر أي من الأطراف التي فاقمت الاختلاف إلى مستوى الخلاف الحقيقي.
ثلاثة وسبعون عاماً مضت على عمر القضية اخطأ فيها الرصاص أحيانا ، وأصاب في أحايين كثيرة، ولكنها أيضاً عمر الحلم الذي نصبت له كمائن بعدد الفلسطينيين كلّهم، إنه عمرّ من الأشواق التي كُظمِت حيناً لكنها لم تنطفئ لأن الجمرة في عمق الذاكرة، مدقوق كالوشم على نواصي القلب، محفور بين تجاعيد الوجوه التي حملت ذل الغربة وهموم التنقل.
من حق الفلسطينيين الذين دفعوا من أعمارهم ودمائهم وانتظارهم الطويل ما يكفي لتحرير قارة أن يحلموا بوحدتهم التي جسدتها الرصاصة والصاروخ وقبل ذلك الحجر..
اما العودة فهذا ليس حلما أو خيالا، بل قدر محتوم وسيأتي في أي وقت ... انتظروا.