مدار الساعة - ربط بعض رواد الشبكات الاجتماعية بين رفض شركة آبل طلب فيسبوك حذف التعليقات السلبية في متجر التطبيقات، وحملة تقييم التطبيق التي أطلقها عدد من رواد الشبكات الاجتماعية، بسبب التقييد على المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية، لكن الرفض لا علاقة له بفلسطين مباشرةً.
نعم، حملة التقييمات انطلقت لأجل فلسطين، والرسالة وصلت إلى فيسبوك
صحيح أن حملة التقييمات السلبية انطلقت بسبب الرقابة والتضييق على المحتوى الفلسطيني (بحذفه وحظره وتقليل وصوله وتقييد حسابات المستخدمين الداعمين لفلسطين)، وقد وصلت رسالة رفض هذه السياسات إلى شركة فيسبوك، إذ وصل تقييم تطبيقها إلى 2.4 عبر متجر App Store، بعد أن كان تقييمه يتجاوز الأربع نجوم من أصل 5، الأسبوع السابق للحملة.
وصحيح أيضاً أن فيسبوك اعترفت بوصول هذه الرسالة الرافضة للتضييق على المحتوى الفلسطيني لها بأكثر من طريقة، إذ أعلنت عن اجتماع مدير قسم الشؤون العالمية في فيسبوك، نيك كليغ، ومسؤولين تنفيذيين آخرين مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، وكذلك خصصت "مركز عمليات خاصة"، وعيَّنت متحدثين متقنين للغة العربية والعبرية على مدار اليوم؛ للتعامل مع المحتوى المنشور على منصتها بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة، و"معالجة أي أخطاء في خضم أعمال العنف بالمنطقة".
أيضاً، انتبه المسؤولون في فيسبوك إلى حملة التقييمات، إذ قال مهندس برمجيات بارز للموظفين الداخليين بـ"فيسبوك"، إن "ثقة المستخدم تتراجع بدرجة كبيرة بعد التصعيد الأخير بين إسرائيل وفلسطين. ومستخدمونا مستاؤون من طريقة تعاملنا مع الموقف، ويشعرون بأنهم خاضعون للرقابة والتقييد، ولا يمكنهم الحديث، ونتيجة لذلك بدأ مستخدمونا في الاحتجاج بترك تقييمات بنجمة واحدة".
كما أظهرت رسالة داخلية راجعتها شبكة NBC News الأمريكية، أن الشركة تشعر بقلق بالغ إزاء الجهود المنسقة لخفض التقييم، وصنفت المشكلة على أنها SEV1، التي تعني "Severity 1" أو "خطورة من الدرجة الأولى".
على أثر ذلك، اتصلت شركة فيسبوك بمتجر تطبيقات App Store ليحذف التعليقات السلبية، لكن آبل رفضت هذا الطلب.
اتصال فيسبوك كانت له علاقة مباشرة بفلسطين وأزمة حذف المحتوى، لكن رفض آبل حذف التعليقات ليست له علاقة مباشرة بفلسطين، فهناك حرب قائمة بالفعل بين المديرين التنفيذيين لـ"فيسبوك" و"آبل".
لكن، رفض حذف التقييمات ليست له علاقة بفلسطين، بل هناك خلاف طويل بين آبل وفيسبوك
هناك خلاف طويل بين آبل وفيسبوك، زاد مؤخراً مع سياسات الخصوصية الدقيقة التي تصدّرها آبل على أنها إحدى مزايا نظام تشغيلها؛ وهي الحفاظ على معلومات المستخدم، في ظل رغبة فيسبوك في تجميع معلومات أكبر عن مستخدميه تساعد الشركة في أغراض دعائية.
وكان إصدار شركة آبل تحديثاً يتطلب الحصول على إذن من مستخدمي أجهزتها قبل أن تتتبَّع التطبيقات المختلفة سلوك المستخدم، بمثابة القشة التي أوصلت الخلاف بين تيم كوك المدير التنفيذي لـ"آبل"، ومارك زوكربيرغ المدير التنفيذي لـ"فيسبوك" لأعلى مراحله اشتعالاً.
من أين بدأ خلاف تيم كوك ومارك زوكربيرغ؟
يُعتقد أن خلاف الرجلين بدأ في أواخر 2014، وبسبب الخصوصية أيضاً.
في سبتمبر/أيلول عام 2014، انتقد المدير التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، سياسات الخصوصية في فيسبوك خلال مقابلة مع الصحفي الأمريكي تشارلي روز، فقد جاءت هذه المقابلة بعدما سُربت صور عارية تخص العديد من النساء المشاهير من حساباتهن على iCloud، وعلق كوك وقتها بأن آبل تلتزم بالخصوصية، لكن شركات أخرى مثل جوجل وفيسبوك لا تفعل ذلك.
"أعتقد أنّه على الجميع سؤال أنفسهم، كيف تجني الشركات المال؟ عليكم أن تتبعوا الأموال، وإذا كانوا يجنون المال في الأساس عن طريق جمع كميات هائلة من البيانات الشخصية، فأعتقد أنّه يحق لكم الشعور بالقلق، ويجب أن تفهموا حقيقة ما يحدث لتلك البيانات".
كوك يعتبر أن خدمات الإنترنت المجانية تعني أن المستخدمين ليسوا العملاء، بل المنتجات، وهو ما بدأ المستخدمون في إدراكه، وقد قال هذا صراحةً للموظفين في شركة آبل، وفقاً لموقع Business Insider الأمريكي.
كلام كوك لم يعجب زوكربيرغ كثيراً، فبعد أسابيع أبدى انزعاجه خلال مقابلة مع مجلة Time الأمريكية، وقال إنه يشعر بالإحباط من المساواة بين نموذج الأعمال القائم على الإعلانات ونموذجٍ غير متوافق مع عملائه، وهاجم آبل ذات المنتجات غالية الثمن، وقال:
"هل تعتقد أنّ كونك تدفع لشركة آبل سيجعلك متوافقاً معها؟ لو كنت متوافقاً معها لجعلت منتجاتها أرخص بكثير من أجلك!".
أزمة كامبريدج أناليتيكا كانت حاضرة!
تطورت المشاحنات بين الرئيسين التنفيذيين للشركتين، ودخلت نقاط اشتباك أخرى بدلاً من خصوصية فيسبوك واستغلال مستخدميها، أو غلاء أسعار منتجات آبل.
هذه المرة، انتقلت المناوشات إلى درجة أخرى بعد أزمة Cambridge Analytica، التي سربت فيها البيانات الخاصة لأكثر من 50 مليون مستخدم على فيسبوك إلى شركة لتصنيف الناخبين مرتبطة بحملة دونالد ترامب الرئاسية.
ففي مارس/آذار 2018، سئل كوك في لقاء عبر قناة MSNBC الأمريكية، عما كان سيفعله لو كان في موقف زوكربيرغ، فأجاب: "ماذا كنت سأفعل؟ ما كنت لأضع نفسي في هذا الموقف من الأساس"، ونصح شركة فيسبوك بتنظيم نفسها فيما يتعلّق ببيانات المستخدمين، وأكد نظريته السابقة وهي أن فيسبوك تعامل مستخدميها كـ"منتجات".
بعد شهر ردَّ زوكربيرغ خلال مقابلةٍ في بودكاست The Ezra Klein Show: "أتعلمون؟ الحجة القائلة بأنك إن لم تدفع فلن نستطيع العناية بك، حجةٌ ساذجةٌ للغاية وأبعد ما يكون عن الحقيقة"، وقصد بهذا آبل ذات المنتجات الغالية، مؤكداً أن شركته تحرص على خدمة مستخدميها.
لكن مع تطور أزمة كامبريدج أناليتيكا ووصولها إلى ساحات القضاء، طلب مارك من كوك المشورة بشأن كيفية التعامل مع الأزمة في اجتماع جمعهما بعد أشهر (في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018)، لكن كوك لم يساعد مارك، وردَّ بحماسةٍ بأن فيسبوك يجب أن يحذف أي معلومات قد جمعها عن أشخاص خارج تطبيقاته الأساسية، وفق صحيفة New York Times.
وقد تجاهل مارك نصيحة كوك الهجومية لسياسات فيسبوك، ويبدو أنها أغضبته لدرجة طلبه من موظفيه في فريق الإدارة- ممن يستخدمون أجهزة آيفون- باستبدالها بجهاز يعمل بنظام تشغيل أندرويد. وهو ما نفته لاحقاً فيسبوك، لكنها لم تنفِ الخلاف الواضح بين زوكربيرغ وكوك.
الآن، متجر آبل
الخلافات بين المديرين التنفيذيين لم تنتهِ، إذ امتدت لتطال قواعد متجر آبل ونظام تشغيله وفرضه رسوماً تشغيلية للتطبيقات المعروضة عبر متجره، وأخيراً وقد لا يكون آخراً ميزة آبل الجديدة التي تطلب من التطبيقات الحصول على موافقة المستخدمين لتتبعها عبر تطبيقات مختلفة، وهي ميزة ستضر بالبيانات التي يحتاجها فيسبوك لعرض إعلاناته.
فقبل أسابيع من حملة التقييمات السلبية لتطبيق فيسبوك (تقريباً منتصف أبريل/نيسان 2021)، انتقد زوكربيرغ سياسات متجر التطبيقات App Store واتهم الشركة بفرض "رسوم احتكارية"، وقال إن لدى آبل "قبضةً فريدة من نوعها تفرض رقابةً مشددة على ما يدخل إلى أجهزتها"، وإن متجرها يعتبر "عقبة في وجه الإبداع والمنافسة"، وقال مارك لموظفيه إنه يرغب بتوجيه "لكمة مؤلمة إلى شركة آبل ومؤسسها"، لكن بعد الحملة الأخيرة ضد فيسبوك بتقييمه بنجمة واحدة، وجهت هذه اللكمة من آبل التي ترفض حذف التقييمات السلبية.
ورغم أن آبل ليست منصة تواصل اجتماعي، فإن مارك يعتبرها "واحدة من أكبر منافسيه" (تصريح نقله Finance Yahoo)، بينما يرفض كوك أن يسمي منافسيه، لأنه لا يرى أن هناك منافسين كباراً لشركته من الأساس، ورداً على تصريح مارك، قال إنه "لا يركز على فيسبوك"، و"إن شركته تنافس بعض الأشياء بالفعل، لكن ليس هناك منافسون كبار لتتم تسميتهم". (تصريح نقلته مجلة The Times).
كما بدأت آبل وفيسبوك التنافس في مجالات أخرى، من ضمنها المراسلة والألعاب المحمولة وسماعات "الواقع المختلط-Mixed-Reality"، وهي نظارات تخلط الصور الرقمية في رؤية الشخص للعالم الحقيقي.
ثم الترشيح لرئاسة أمريكا!
بالمناسبة، قد يكون الخلاف أبعد من مجرد اختلاف على سياسات خصوصية أو أسعار الأجهزة!
إذ أشار تقرير نشرته صحيفة New York Times في عام 2018، إلى احتفاظ شركة الأبحاث السياسية Definers Public Affairs بنسخة ملف بعنوان "Draft Tim Cook 2020" لتسوق الشركة له كمرشح رئاسي منافس لترامب في انتخابات 2020، وذلك لضرب علاقته بترامب.
شركة Definers التي تقوم بعمل أبحاث عن خصوم عملائها من السياسيين – تلقت تمويلاً من شركة Qualcomm؛ والأخيرة شركة منافسة لـ"آبل"، وتتعاون مباشرةً مع فيسبوك.
الشركة لم تبدأ حملة "الترشيح الماكرة لـ (كوك)"، بعدما كشف تقرير صحفي عن هذا التعاون، إذ قال موظفون بشركة Definers إن فيسبوك كانت قد تعاقدت معهم، ثم فسخت التعاقد بعد تسليط الضوء إعلامياً عليه، لكنها استطاعت أن تنفذ خططاً أخرى، كأن تتبع تعاقدات وصفقات آبل في الصين، ثم تنشر مواقع تابعة لمركز الأبحاث تقرير تنتقد مدير شركة آبل.