أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مناسبات جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

التحديات الجمالية والأخلاقية للكتابة الأدبية.. الرواية العالمية نوع أدبي جديد أم صنعة رأسمالية؟

مدار الساعة,أخبار ثقافية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - في ثمانينيات القرن الماضي كان العالم قد دخل بالفعل عصر العولمة، وأصبحت فكرة "الرواية العالمية" رائجة كذلك، وعام 1987 قال الروائي الياباني البريطاني الحائز جائزة نوبل للآداب كازو إيشيغورو إنه يعمل على كتابة أعمال من صنف "الرواية العالمية الملحمية".

ويعدّ كتاب "الرواية العالمية" للناقد والشاعر الأميركي آدم كيرش، الذي صدرت ترجمته حديثا بقلم لطفية الدليمي عن دار المدى، من أبرز المحاولات للتنظير للرواية العالمية بوصفها نوعا وفنا أدبيا نموذجيا للقرن 21، ويحتوي الكتاب على مجموعة مقالات لكيرش وكتّاب آخرين.
ويستكشف الكتاب عبر الاستعانة بنماذج لـ8 من أبرز الكتاب المعاصرين مثل أديب نوبل التركي أورهان باموق، والأديب الباكستاني محسن حميد، والروائية النيجيرية شيماماندا نغوزي أديتشي، والكندية مارغريت أتوود، والكاتب الياباني هاروكي موراكامي وآخرين، معتبرا أنهم يستخدمون طريقة جديدة لتصور العالم أدبيا تكون الأماكن والشعوب فيها مرتبطة بوجه وثيق، ويناقشون قضايا عالمية جديدة في التناول الأدبي مثل التغيّر المناخي والأصولية الدينية وتحولات السلوكات والأخلاق، حسب الناشر.
ويدافع كيرش في الكتاب عن تصنيف "الرواية العالمية"، منتقدا الذين يستخفّون بها باعتبارها "مخففة وذات لغة مبسطة" ولا تعترف بالخصوصية الثقافية وتعاني أوجه القصور الأسلوبية و"التواطؤات" السياسية والاقتصادية التي يلجأ إليها كتاب هذا النوع الأدبي ليتّسموا بسمات العالمية على حساب الصنعة الأدبية.
ويقول النقاد إن الروائي عندما يكتب أعمالا عالمية فإنه يتجاهل "العوائق المحلية" حتى لا تقف أمام الانتشار العابر للحدود، ويعتمد لغة مبسطة وسهلة بنحو مبالغ فيه، وهذا يعني أن الأدب العالمي يتضمن نوعا من نفاق الثقافة النيوليبرالية السائدة في العالم، ومجاملة الناشرين الكبار ذوي التوجهات الرأسمالية الذين يحصلون على التمويل من الشركات الكبيرة، وهكذا تفقد الرواية العالمية كثيرا من إبداعها وتفردها.
كتاب "الرواية العالمية.. التناول الروائي للعالم في القرن الحادي والعشرين" ترجمته لطفية الدليمي وصدر عن دار المدى (الجزيرة)
ويناقش كيرش أفكارا سلبية شائعة عن كون الرواية العالمية سلعة تخضع لمعايير السوق الرأسمالية لا البراعة الأدبية، وذلك يحرمها من مواجهة التحديات الحقيقية، ويخلص إلى أن "الروح الجيوسياسية" لبعض الروايات هي ما تنقل كتّابا معينيين إلى العالمية، ومع ذلك فمن المستحيل القول إن جميع الروايات العالمية لها صفات معينة مشتركة، رغم أن هناك خصائص بعينها تجعلها أنسب للترجمة إلى لغات متعددة.
كلاسيكية عالمية
ويرى كيرش أن الرواية العالمية تعني تأكيد أهلية الأدب لتمثيل العالم، وتنشأ ليس من رغبة الكتاب في المقابل المادي، بل من تأثير الحياة في عصر عالمي ومن إمكانية الخيال للتكيف مع الحياة وتعرية الإنسانية أمام نفسها، ويحاول الكتاب الإجابة عن أسئلة من قبيل: هل الروايات التي تجذب القاسم المشترك الأدنى لديها فرصة أفضل لعبور الحدود من تلك التي تنفرد بالثقافة التي ولدتها؟ وهل يوجد بالأساس وعي عالمي حتى تقدم له أعمال تناسبه؟
وينصح كيرش الأدباء بالتخطيط لكتابة التجربة المحلية بروح كونية، ويرى أن الرواية العالمية هي التي ترى البشر نوعا ولا يمكن التعامل مع مشكلاتهم إلا على مستوى الكوكب بأسره، أو تتناول تحديات الأفراد من خلال تأثرهم بالحراك العالمي. وبتحليل أعمال الروائيين الثمانية يقدم كيرش نموذجا تقريبيا لما يمكن أن تكون عليه الرواية العالمية في محاولة لإضفاء الشرعية عليها.
ويرى كيرش أن الروائي العالمي يتجاوز الترجمة الثقافية من خلال السماح للقارئ بأن يفهم ويشعر بالشخصية الأدبية بصورة إنسانية حقيقية، ويستشهد كيرش بالأديب التركي أورهان باموق الذي يصفه بأنه سفير لـ"الوعي الأدبي في العالم"، معتبرا أنه رغم إطاره الغربي فإنه ينجح في تقديم أصوات مكبوتة احتجاجا على هيمنة الروايات الغربية ويسمح لجميع وجهات النظر بالتعبير عن نفسها.
ويتناول في الكتاب التحديات الجمالية والأخلاقية التي يواجهها الكتاب وتعليقات النقاد، ويبني كيرش على فكرة "الكلاسيكية العالمية" التي اقترحها مايكل ليند في كتابه "الكتب العالمية" (الصادر عام 2015)، معتبرا أن الحداثة ليست بالضرورة عدو الكلاسيكية، فهناك أيضا "كلاسيكية مبتكرة جذريا"، ويرى كيرش أن مثل هذه الكلاسيكية العالمية إذا تم التعامل معها بصورة صحيحة، فيمكن أن تكون متجذرة ومتوازنة و"متوافقة مع الديمقراطية العالمية".
كتاب "الرواية العالمية.. التناول الروائي للعالم في القرن الحادي والعشرين" صدر أول مرة عام 2016 (الجزيرة)
أورهان باموق
ويرى كيرش أن التحدي أمام الروائيين العالميين يمكن أن يكون أسلوبيا وتقنيا، فالكاتب المتجذر في ثقافة معينة سيجد صعوبة في نقل حقيقتها إلى قرّاء من ثقافات أخرى بعيدة ومختلفة.
ويعود الكاتب للاستشهاد بأورهان باموق الذي كتب رواية "ثلج" بالتركية التي نجح فيها في نقل بيئة محلية في شرقي تركيا إلى مستوى عالمي كذلك نجح في تمثيل فئات المجتمع كافة في "مسرح الشعب" الذي تجري فيه أحداث الرواية ويجلس المشاهدون من مختلف الأطياف التركية لمشاهدة مسرحية دعائية.
واستطاع باموق تحويل ما يجري في "قارص" إلى موضوعات ذات صدى عالمي عبر الغوص في قارص الغارقة في الفقر والبؤس والانقسامات السياسية، إذ ينتقل بطل الرواية إلى المدينة للتحري عن موجة الانتحار التي قامت بها بعض فتيات المدينة المحجبات، ويطلب منه أيضا تغطية انتخابات البلدة التي يتوقع فوز الإسلاميين فيها.
وتحمل القصة جوانب عاطفية وإنسانية، فهي تجسد قصة حب وجانبا بوليسيا تشويقيا عبر التحقيق الصحفي وجريمة قتل، وتتناول كذلك جوانب فكرية وسياسية لها علاقة بالصراع في قارص بين الإسلاميين والعلمانيين وأقليات الأكراد والأرمن، ويبلغ الصراع ذروته في الرواية عندما تقوم جماعة مسرحية بانقلاب دموي عسكري لمنع الإسلاميين من الفوز في الانتخابات البلدية، ويستمر الانقلاب 3 أيام طويلة في قارص المحاصرة بالثلوج والمقطوعة عن بقية العالم.
لكن ما يحوّل باموق، من وجهة نظر كيرش، إلى كاتب عالمي هو أنه يتناغم مع المخاوف الغربية من تركيا الحديثة، فحسب رؤية كيرش تعدّ تركيا دولة "إسلامية تقليدية" خضعت "للعلمنة القسرية" في عشرينيات القرن الماضي وبدأت برؤية تجدد "الإسلام السياسي" بحلول التسعينيات، وعلى هذه الخلفية يداعب باموق المخاوف الغربية إزاء الصراع بين الإسلام والعلمانية، وبين الحرية الشخصية والمعتقد الجماعي.
ويعترف كيرش بوجود صعوبة أحيانا في قراءة باموق على أنه "سفير" تركيا الأدبي لبقية العالم، بخاصة أن باموق نفسه يتخلى عن هذا الدور باستخدامه أسلوب التلاعب بالألفاظ والعناصر شديدة المحلية في روايته، فعلى سبيل المثال، اسم بطل الرواية "كا" واسم البلدة "قارص" وكلمة تساقط الثلوج هي "كار" (وهو العنوان التركي الأصلي للرواية)، وهذه الكلمات كلها تشبه بعضها صوتيا لكنها تفقد هذه الميزة عند الترجمة من التركية إلى الإنجليزية.
إذن يمثّل "كا" جسرا لغويا بين البطل والمدينة والثلوج، وتشير التورية إلى وحدة عميقة لكن هذه التورية غير قابلة للترجمة، وهذا قد يعني أن باموق قد يكون استسلم لحقيقة أنه من المستحيل معرفة مكان ما عن طريق الأدب فقط.
وبمعنى آخر، هناك تفاصيل ثقافية قد يفقدها القارئ في الغرب، بيد أن استكشاف كيرش للخصوصيات الثقافية لا يمتد إلى أبعد من مجرد النظر في القضايا الأسلوبية، فلا يوجد فحص للطريقة التي يعمل بها باموق في عدد من رواياته، وهذا أحد الانتقادات التي وجهت لكتاب كيرش أخيرا.
المصدر : الجزيرة
مدار الساعة ـ