مدار الساعة - تتسابق روسيا وإيران لتحصيل أكبر قدر من المكاسب في الاقتصاد السوري، ويظهر ذلك بوضوح في الساحل السوري، حيث الموانئ السورية على الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وفي الشرق الغني بالثروات الباطنية.
واستطاعت روسيا الاستحواذ على عقود كثيرة منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011، ومن أهمها استئجار مرفأ طرطوس، لاستثماره عسكريا واقتصاديا، خصوصا في مجال التنقيب عن النفط والغاز في البحر.
وإلى جانب عقود التنقيب في المتوسط، استحوذت الشركات الروسية على عقود تنقيب أخرى في شرق سوريا، واستثمرت حقول الفوسفات في المنطقة الشرقية، وبدأت العمل على إنشاء مطاحن للحبوب في المنطقة الوسطى.
بموازاة ذلك، استثمرت الشركات الروسية في القطاع السياحي والأثري، والسكني، وسكك الحديد، ومعمل الإطارات، وغيرها من القطاعات الإنتاجية والصناعية والخدمية.
في المقابل، حازت إيران على استثمارات استراتيجية، أبرزها بناء مصفاة للنفط في حمص، والتنقيب عن النفط في منطقة البوكمال، وصيانة المحطات الكهربائية، وسيطرت كذلك على المطارات الرئيسية في دمشق وحلب، وتخطط كذلك للدخول في سوق الاتصالات الخلوية.
فضلا عن ذلك، ضمنت إيران حضورا في المشهد الثقافي والتعليمي والديني السوري، حيث عقدت مؤخرا أكثر من اتفاقية في مجال التعليم العالي، وتقنيات التعليم، وغيرها.
صدام على الملفات الرئيسية
وتحدث المستشار الاقتصادي في مركز "جسور للدراسات"، خالد التركاوي، لـ"عربي21" عن مواطن لقاء وصدام روسي إيراني في الشق الاقتصادي السوري.
وأوضح، أن التواجد في البحر المتوسط يشكل ملف صراع رئيسي بين موسكو وطهران، بحيث يشكل الوصول إلى البحر هدفا مشتركا لكليهما، فالروس يريدون وضع قدمهم في المياه الدافئة؛ للسيطرة على سوق النفط والغاز نحو أوروبا، وإيران تريد كذلك تثبيت وجود لها في البحر؛ خدمة لأغراض اقتصادية، ويؤكد في هذا السياق أن التنافس على البحر والموانئ ما زال مستمرا.
وانتقالا إلى ملف خلافي آخر، يشير التركاوي إلى الصراع على الفوسفات، حيث تخطط إيران لأسباب صناعية وعسكرية للسيطرة على حقول الفوسفات السورية في تدمر ومحيطها، في المقابل تصر روسيا على الاستحواذ على الفوسفات السورية، لضمان التحكم الكامل بسوق الفوسفات العالمي.
ووفق المستشار الاقتصادي، فإن الصراع يبلغ أوجه عند الحديث عن المشروع الإيراني (خط الغاز الإسلامي)، الذي يبدأ من إيران وينتهي عند البحر المتوسط، حيث يتعارض هذا المشروع مع مصلحة روسيا، التي تبيع الغاز لأوروبا، ومن الواضح أن روسيا تضغط لمنع تنفيذ هذا المشروع.
ويتوج كل ذلك الصراع على حقول النفط السورية، والكهرباء، كما يؤكد التركاوي.
نقاط لقاء.. وصولا لتفاهم
وعلى الجانب المقابل، يشكل ملف إعادة الإعمار نقطة لقاء بين موسكو وطهران، وفق التركاوي الذي أوضح أن "إعادة الإعمار تشكل فرصة لروسيا وإيران لاسترداد الديون المتراكمة على النظام السوري".
وتقدر تكلفة إعادة الإعمار بنصف ترليون دولار أمريكي، وتتطلع كل من روسيا وإيران إلى عوائد استثمارية كبيرة.
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم، أن هناك ملامح تفاهم روسي إيراني على المكاسب الاقتصادية في سوريا، بدأ يظهر بشكل واضح في الآونة الأخيرة.
وأوضح لـ"عربي21"، أن حساسية الملف السوري فرضت على الجانبين التفاهمات، لأن خروج الوضع عن السيطرة يعني ضياع المكاسب الروسية والإيرانية.
ويضيف الباحث أن الفترة الأخيرة سجلت غيابا كاملا للاحتكاكات بين المليشيات المدعومة من الجانبين، وشاهدنا كيف أن روسيا بدأت تتحرك عسكريا في مناطق كانت تعد مناطق نفوذ إيراني، كما هو الحال في ريف دير الزور الشرقي.
ويقول الكريم، إن إيران شعرت بالخطر مع تزايد الضغوط الأمريكية والأوروبية، وهو ما دفعها إلى زيادة التنسيق مع روسيا، في حين أن الأخيرة ما زالت بحاجة إلى إيران في عدد الملفات في سوريا وخارج سوريا.
بانتظار الموقف الأمريكي
وعند سؤاله عن الطرف الرابح أكثر، أجاب الكريم أن الحكم على ذلك رهن السلوك والخطوات الأمريكية، مضيفا: "ما زال الموقف الأمريكي من الملف السوري ضبابيا، ولم يصدر عن واشنطن تصريحات حاسمة".
وأنهى الكريم قائلا: "الواضح أن هناك مقايضات تتم بالخفاء؛ لوضع اللمسات الأخيرة على الحل في المنطقة عموما، وسوريا على وجه الخصوص".