مثل ما يرد في الروايات والقصص التي تصور تاريخ الاباطرة والقادة العسكريين وهم يتجولون في المدن والامصار بعد انتصاراتهم في الحروب الكبرى، وعلى نهج الحل والترحال للاسكندر المقدوني وهرقل ونابليون وافراد اسرهم الحاكمة، جاءت جولة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وزوجته وابنته وزوجها لتحمل عشرات الرسائل والدلالات السياسية والاقتصادية والامنية والروحية والاخلاقية.
الاستقبال والحفاوة التي حظي بها الرئيس ترامب وعائلته في الرياض كانت وستظل اكثر خبرة شخصية تلامس احساسه بالعظمة وتشبع غروره ونرجسيته التي بدت سعيدة ومرتاحة ومستمتعة بكل تفاصيل وفقرات البرنامج الحافل الذي اعده السعوديون ليعرّفوا ضيفهم على طرق تفكيرهم وعيشهم وصداقتهم وادارتهم وفنهم وثقافتهم واسلوب ادارة اعمالهم ومستوى نفوذهم السياسي والمالي.
فيما بدا انه تأكيد على وحدة العالم الاسلامي في الوقوف بوجه الارهاب ونبذ التطرف، توجهت خطابات القمة الى ادانة ايران واعتبارها المسؤول الاول عن نشر الارهاب ودعمه وتغذيته. كما طرحت على مسامع الرؤساء والملوك والامراء تعريفات وتصنيفات واتهامات شملت اعتبار حزب الله وحماس من الجماعات الارهابية.
في الكلمة الافتتاحية للملك سلمان اعتبرت الثورة الايرانية 1979 بداية لتاريخ ظهور الارهاب ومحاولات التدخل في شؤون الدول والمجتمعات الاخرى، وتمت الاشارة والدعوة الى التزام الدول الاسلامية المجتمعة الى محاربة الارهاب ونبذ التطرف والعمل على ملاحقة القوى والجماعات التي تتبنى الارهاب او تحتضن جماعاته او قياداته او تدعمه بالمال والحماية والتسليح.
الخوف من الارهاب والتخويف به والتنسيق من اجل مكافحته ستبقى الاولويات التي ستشغل المنطقة وزعاماتها وشعوبها وجيوشها. وستظل العوامل والمبررات الرئيسية لهيمنة هاجس الامن والحاجة الى السلاح وتأخير التنمية ووقف العمل باتجاه الاصلاح السياسي والتحديث في انظمة الحكم، أهم العوامل التي تعزز الحاجة الى الاستعانة بالقوى العظمى وطلب مساعدتها ورضاها.
في العالم العربي وعلى امتداد العالم الاسلامي ما يزال الكثير من المتابعين غير مستوعبين تماما لما حدث. غالبية المتابعين اندهشوا لتوالي الاحداث بما فيها حجم الصفقة التجارية التنموية وسرعة استجابة الزعماء للدعوة وحضور الرئيس الاميركي وتأثيره السحري والقدرات التنظيمية للدولة المضيفة وخطاب الرئيس الذي شكل تحولا في اتجاهاته ومواقفه من الاسلام والمسلمين وسقوط القضية الفلسطينية من ادبيات المؤتمر والتي حاول الملك عبدالله الثاني اعادة التذكير بها.
ما قاله الرئيس الاميركي في الرياض وفي فلسطين المحتلة والفاتيكان وبروكسل وصقلية ما يزال ضمن الافكار الاولية لما يمكن ان تكون عليه السياسة الخارجية الاميركية. زيارة الرياض كانت تمرينا حيا لكيفية وضع السياسة في خدمة الاقتصاد والرئيس الاميركي يرى، وربما سيستمر، في النظر الى السياسة من نافذة الاقتصاد. في المنطقة العربية الكثير من السحر والأسرار والفرص التي قد تستمر في اغراء الادارة الاميركية، لكن غير المؤكد هو امكانية استمرار اهتمام الرئيس بالمنطقة بالمستوى الذي تهتم به، فقد يتحول نحو الصين او كوريا وربما يتوجه نحو افريقيا ليسجل سبقا في السجل الرئاسي او ليقطع الطريق على الصين والحزام الذي تأمل بأن تلفه حول العالم القديم.
الغد