مدار الساعة - إن أي عمل تقوم به يغير دماغك، حتى قراءة هذه المادة الآن، أينما كنت، فإن النظر إلى هذه الكلمات يعمل على تشكيل وتعديل الروابط في ما بين الخلايا العصبية في راسك.
قد تبدو هذه الفكرة مخيفة، ولكن هذه العملية التي تسمى ” المرونة العصبية” هي عملية أساسية في قدرتنا على تعلم مهارات جديدة، والاحتفاظ بمهارات قديمة، وتشكيل الذكريات.
لنتخيل إذا.. ماذا لو كان باستطاعتنا التحكم في هذه العملية، ماذا لو كان بإمكاننا استهداف مهارة محددة أو عمليات معرفية، ومن ثم تعليم الدماغ ليصبح أفضل فيها، أو في أي أمر آخر.
هذه هي الفكرة من وراء ما يسمى بتطبيقات ” التدريب الدماغي” عن طريق عرض العديد من الأحاجي والألغاز التي تتطلب منك إما أن تذكر أو تتذكر تسلسل الأرقام، أو التركيز على معرفة الشكل المختلف من بين مجموعة من الأشكال، ما يؤدي إلى تطور القدرات العامة للذاكرة ويجعل أداءها في التركيز أفضل أثناء تنفيذ المهام اليومية الصعبة. وهذه التطبيقات أصبحت الآن تجارة كبيرة جدا، فعلى سبيل المثال تصل تكلفة تطبيق “ايليفيت” إلى 149 دولار للإستخدام مدى الحياة.
إنه لأمر عظيم إذا كان باستطاعتنا استخدام “التدريب الدماغي” كمعالج سريع لتحفيز قدراتنا المعرفية، تحديدا في الفترة التي تسبق الاختبارات. ولكن ماذا يقول البحث العلمي حول فعالية هذه الألعاب ؟
دراسة من جامعة كينجز أثبتت تطورات في المهارات المنطقية عند الكبار في السن الذين قاموا باستخدام ألعاب تستهدف التدريب الدماغي
التدريب الدماغي تحت المجهر
السؤال المهم هو،اذا ما كان تطور أدائنا في هذه الألعاب يمتد إلى ما هو أبعد منها. من الواضح أنه اذا لعبت لعبة الذاكرة يوما تلو اليوم، لساعات طويلة، سيجعلك هذا افضل في هذه اللعبة.. هذه ” عملية مرونة عصبية بالنسبة لك”، ولكن ان تصبح متمرسا وماهرا في لعبة ذاكرة معينة لا يعني أنها مهارة حياتية مفيدة.
في عام ٢٠١٠، قام فريق برئاسة الباحث أدريان أوين من جامعة كامبريدج بمحاولة الإجابة على هذا التساؤل. شارك في الدراسة ما يقارب ١١.٥٠٠ شخصا عبر الانترنت ولمدة ستة أسابيع. كان عليهم أن يمارسوا مهاما واسعة ومختلفة في التدريب الدماغي لمدة عشر دقائق في آليوم،و لثلاثة أيام في الأسبوع.
كانت المهام تغطي مجموعة كاملة من القدرات المعرفية التي تدعي تطبيقات التدريب الدماغي انها تقوم بتطويرها، مثل التخطيط، القدرة على إيجاد حلول، الذاكرة القصيرة المدى، التركيز، و مهارات حسابية.
الخطوة الأكثر أهمية بالنسبة لفريق أوين كانت في إخضاع المشتركين إلى مجموعة من المهام قبل وبعد الست أسابيع كخط مقارنة.هذه المهام مختلفة عن مهام البرنامج التدريبي، لكنها تقيم نفس المهارات التي تم التدرب عليها في البرنامج التجريبي.
إذا كانت ألعاب التدريب الدماغي تنتج تطورا إجماليا في المهارات المعرفية، فكان يجب أن تكون مهام خط المقارنة التي تمت بعد ست أسابيع من مهام البرنامج التدريبي قد شهدت تحسنا في الأداء، لكن هذا ما لم يتوصل إليه فريق أوين، بل على العكس من ذلك تبين أنه على الرغم من أن المشاركين قد أظهروا بعض التطور خلال الستة أسابيع فانه لم يتم نقل هذا التطور في الأداء إلى مهام خط المقارنة، ما يثبت أن عملية التدريب الدماغي هي عملية غير مجدية.
نتائج مختلفة لاعمار مختلفة
من جهة أخرى توصلت عدة دراسات حديثة الى ان استهداف التدريب الدماغي للبالغين المسنين -على الأقل ٦٠ وما فوق-يعود بنتائج واعدة. في عام ٢٠١٣ أجرى عالم الاعصاب الامريكي آدم غازالي تجربة على مجموعة من البالغين، قاموا فيها بلعب لعبة فيديو مصممة خصيصا لهم”سباق الاعصاب”، لمدة ساعة واحدة، ثلاث مرات في الأسبوع. بعد مرور شهر في اللعبة، على اللاعب أن يبقي السيارة في منتصف الطريق وفي الوقت نفسه يراقب هدفا -على سبيل المثال دائرة خضراء- تظهر فوق الطريق. بشكل أساسي، هي لعبة متعددة المهام لم يتحسن المشاركون فيها فحسب، بل أظهروا أيضا تطورا ملحوظا في اختبارات للتركيز وإعمال الذاكرة، وقدرات معرفية لم يتم التدريب المباشر عليها من خلال اللعبة.
على غرار ذلك، نشرت دراسة العام الماضي في دورية “جامدا” ل آن كوربيت من جامعة كينجز في لندن، أثبتت تطورات في المهارات المنطقية عند الكبار في السن الذين قاموا باستخدام ألعاب تستهدف التدريب الدماغي على فترة تزيد عن ستة أشهر.
في عام 2014 وقع ما يقرب من 70 عالما بيانا جاء فيه أنه لا يوجد أي دليل علمي مقنع على أن ألعاب الدماغ لديها أي نوع من التأثير الإيجابي
ألعاب مختلفة، تاثيرات مختلفة
اذا نلحظ بعض التأثيرات بناء على الفئة العمرية، لكن لابد من الإشارة الى أن الألعاب المستخدمة في هذه الدراسات مختلفة عن بعضها البعض. بالاضافة الى ان لعبة “سباق الاعصاب” هي لعبة مختلفة تماما عن تلك المستخدمة في تطبيقات التدريب الدماغي .
اذا فطبيعة اللعبة في حد ذاتها أمر مهم وهذا يطرح سؤالا مهما: هل ألعاب الفيديو التي تتواجد على أرفف المحال التجارية تقدم اية فوائد لنمط التدريب الدماغي؟
هناك بعض الأدلة تشير إلى أن ذلك ممكن. وفي دراسة نشرها آدم هامشاير وزملائه عام ٢١١٢ تبين أن هناك علاقة إيجابية صغيرة الى متوسطة بين تكرار الألعاب، والنتائج التي تحققها الذاكرة على المدى القصير وتنفيذ المهام المنطقية .
الى جانب ذلك نشر باحثون من جامعة ولاية فلوريدا في شهر يناير العام الماضي دراسة تمت فيها المقارنة بين من يلعبون لعبة اللغز الشهيرة “بورتال 2″مع من يلعبون لعبة التدريب الدماغي “لوموسيتي”ووجدوا من خلالها أن من يلعبون بورتال 2 اظهروا تطورا في حل المشكلات، والمهارات المكانية والاصرار، في حين أن الذين يلعبون بتطبيقات التدريب الدماغي لم يظهروا أي تطور.
على كل الأحوال فان الأبحاث التجريبية ما زالت بعيدة تماما عن أن تكون حاسمة .هناك الكثير من العلماء الذين يرون أن الأساليب المستخدمة في هذه الدراسات والبحوث فيها عيوب جوهرية، لذا إلى أن يتم تطوير الأساليب المتبعة في الاختبارات لا يمكننا ان نتحدث بشمولية عن أن ألعاب الفيديو تمتلك المحفزات لتطوير المهارات المعرفية لدينا.
الحل التقليدي
إذن، هل تطبيقات ألعاب التدريب الدماغي مفيدة؟
بشكل عام لا يوجد أي دليل واضح على أن هذه الألعاب تفيد الأشخاص الأصحاء. إذا قمت بتحميل أي من هذه التطبيقات على هاتفك فالاحتمال الأقرب أنك ستصبح أفضل في اللعبة التي تمارسها ، لكنك لن تلحظ أي تطور على أدائك بعيدا عن هذه اللعبة.
الشركة صاحبة تطبيق “لوميستي” تم تغريمها مؤخرا ملايين الدولارات بسبب ادعائها بان ألعابها تساعد الأشخاص في تحسين أدائهم سواء في المدرسة أوالعمل.
وفي عام 2014، وقع ما يقرب من 70 عالما من علماء الأعصاب بيانا جاء فيه أنه لا يوجد أي دليل علمي مقنع على أن ألعاب الدماغ لديها أي نوع من التأثير الإيجابي.
لذلك ليس لدينا حل سريع لجعل أدمغتنا أكثر ذكاء. بدلا من إضاعة المال على تطبيقات تدريب الدماغ لمساعدتك في امتحان ما ، إلعب لعبة فيديو تقليدية، وأفضل من ذلك أن تقوم بمراجعة جيدة -على الطراز القديم- لدروسك.
المصدر : الغارديان