مدار الساعة - ليث الجنيدي - تلوح في أفق الأردن دلائل وإشارات على اقتراب أزمة مائية، وسط مخاوف رسمية من تفاقم مشكلة ليست بجديدة تعاني منها المملكة؛ باعتبارها ثاني أفقر دولة عالميا في مصادر المياه.
تلك الأزمة الطبيعية النابعة من شح المصادر المائية والاعتماد بشكل كبير على المياه الجوفية المكونة من مياه الأمطار، باتت تميل نحو استغلال سياسي؛ جراء مواقف عمّان تجاه القضية الفلسطينية.
ففي الثلث الأول من أبريل/ نيسان المنصرم، كشف إعلام إسرائيلي عن موافقة حكومة تل أبيب على طلب أردني بالحصول على إمدادات إضافية من المياه، بموجب اتفاقية موقعة بين البلدين بهذا الشأن عام 2010، انبثقت عن اتفاقية "وادي عربة" للسلام الموقعة بين البلدين عام 1994.
وآنذاك قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الإمدادات الإضافية المطلوبة تتجاوز ما تم الاتفاق عليه في اتفاقية "وادي عربة"، دون توضيح قدر هذه الزيادة.
إلا أن وزير المياه والري الأردني محمد النجار، كشف في مقابلة أجراها مؤخرا مع تلفزيون "المملكة" (رسمي) أنه "بحسب المنصوص عليه في اتفاقية السلام فإن مجموع ما نشتريه (من إسرائيل) يصل حده الأقصى 10 ملايين متر مكعب في السنوات السابقة، والعام الحالي طلبنا 8 ملايين متر مكعب إضافية، وسيعطوننا 3 ملايين، وينظروا في إمكانية تزويدنا بالكمية الثانية".
تلك التصريحات والتسريبات اعتبرها مراقبون محاولة ضغط إسرائيلية على الأردن؛ لمواقفه من انتهاكات تل أبيب في الأراضي المقدسة، وجفاء العلاقات بين الجانبين.
وبموجب اتفاقية السلام، تزود إسرائيل الأردن بما يصل إلى 55 مليون متر مكعب سنويا من مياه بحيرة طبريا، يتم نقلها عبر قناة الملك عبد الله إلى عمان، مقابل سنت واحد (الدولار = 100 سنت) لكل متر مكعب.
وفي عام 2010، اتفق البلدان على إضافة 10 ملايين متر مكعب مقابل 40 سنتا لكل متر، وهو السعر المقرر أيضا للإمدادات الإضافية التي وافقت إسرائيل عليها مؤخرا، وفق إعلام إسرائيلي.
وفي مارس/آذار الماضي، برزت أزمة بين الأردن والإسرائيل، بعد محاولة الأخيرة فرض ترتيبات أمنية على زيارة لولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، إلى المسجد الأقصى في القدس الشرقية، لإحياء ذكرى الإسراء والمعراج، وهو ما دفع بالأخير إلى إلغاء زيارته.
وعلى إثر ذلك، لم يوافق الأردن في اليوم التالي على منح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو إذنا لاستخدام المجال الجوي الأردني، في رحلة كان يخطط لها، إلى الإمارات.
** بديل واضح
الخبير الأردني في مجال المياه سفيان التل، قال في حديثه للأناضول إن "البديل عن الماء الإسرائيلي واضح إذا كان النظام (الأردني) يرغب في التنفيذ أو لديه الصلاحيات في ذلك".
وأوضح أن "الحل بسيط، نقول دائما وحسب أرقام وزارة المياه أن معدل سقوط الأمطار على الأراضي الأردنية بعيد المدى، والذي يعود لأكثر من 50 عاماً، هو 8 مليارات متر مكعب سنويا، وهو معدل وسطي".
وأشار "كل سدودنا (عددها 14 سدا رئيسيا) لا تجمع سوى ملايين محدودة من تلك المياه، ولو استفدنا من مليار مكعب فقط من مياه الأمطار، فإننا سنكفي حاجتنا كاملة من مياه الشرب والزراعة".
ولفت التل إلى أن "عدم استغلالنا لتلك المياه يحولها إلى سيول مدمرة، وهو ما شهدناه منذ ستينيات القرن الماضي عبر أكبر سبعة فيضانات، ابتداء من معان والعقبة والبتراء، وصولا إلى آخرها في منطقة زرقاء ماعين (قرب البحر الميت) عام 2018، عندما فقدنا عشرات الأطفال الأبرياء".
وبين: "يفترض بنا إنشاء مئات السدود الصغيرة والحواجز المائية في مجاري هذه السيول؛ لتجميع مياه الأمطار، حيث يتم تخزينها بعد ذلك في المياه الجوفية، وتشكل أيضا واحات خضراء يمكننا تربية المواشي عليها، ليتوقف استيراد اللحوم بالطائرات".
وفي توضيحه لعدم تطبيق السلطات في بلاده لتلك الحلول رغم طرحها عليهم، قال التل: "الوضع السياسي لا يسمح لتطبيق ذلك، لأن الأردن التزم في اتفاقية وادي عربة بتخزين فائض المياه لإسرائيل".
واستشهد التل بحصة إسرائيل من سد الوحدة (يقع على الحدود بين الأردن وسوريا قبل أن تحتل إسرائيل نقطة التقائه بنهر الأردن)، والبالغة 25 مليون متر مكعب، بموجب اتفاقية السلام، مشيرا بأنه لا يجمع سوى 10 ملايين فقط.
وأعرب الخبير الأردني عن استغرابه من طبيعة المفاوضين في بلاده كي يقبلوا بمثل هذه البنود، معتبرا بأنه في هذه الحالة "نحن أمام مديونية مائية لإسرائيل".
أما عن منطقة الغمر، والتي كانت مؤجرة لإسرائيل وفق اتفاقية وادي عربة، وأعلنت عمان فرض السيادة عليها عام 2019، أوضح التل أن إسرائيل سحبت مياهها منذ احتلالها لها عام 1968 مع "صمت أردني مطبق عن الموضوع، ولم يتكشف إلا باتفاقية وادي عربه 1994، والتي أعطتهم 25 عاما إضافية (انتهت عام 2019) في استخدام المياه وسحبها".
وشدد التل: "بعد انتهاء العمل باتفاقية الباقورة والغمر، وعودتها للأردن (عادت عام 2019)، من حقنا أن نسأل هل هي عودة ورقية فقط؟ وأين هي المياه التي استمرت إسرائيل بسحبها لنصف قرن؟"، مجيبا بالقول: "نحن لا نعلم عنها شيئا".
وأردف: "هناك بند في اتفاقية وادي عربة ينص على أن يمتنع الأردن عن القيام بأي إجراء من شأنه أن يقلل من أهمية ونوعية مياه الآبار الجوفية، كي لا تؤثر على مخزونها بالنسبة لإسرائيل، ما أدى إلى قيام السلطات الأردنية بمنع حفر الآبار وتدمير القائم منها، بضغوط إسرائيلية وأمريكية".
** إخلال بمعاهدة السلام
من جانبه، اعتبر الخبير في القانون الدولي أنيس قاسم، في حديثه للأناضول أن ما يجري مع إسرائيل "إخلال بمعاهدة السلام بين البلدين".
ومضى: "يستطيع الأردن التوجه نحو الحل القضائي، وتوسيع دائرة مطالبها؛ لأن إسرائيل ملزمة بموجب اتفاقية وادي عربة على مساعدتها للأردن في تطوير مصادر المياه فيه".
وأضاف: "توسيع المطالب يحتاج إلى قرار سياسي إذا ما أراد الأردن ذلك".
أما فيما يتعلق بإمكانية سماح السلطات الأردنية بحفر الآبار في مناطقها الحدودية للدول التي يتوافر فيها المياه بشكل كبير، وخاصة مع سوريا، أكد قاسم بأنه "لا يوجد موانع قانونية لذلك".
واستدرك: "نحن دولة مشاطئة لنهر اليرموك (ينبع من سوريا)، ولنا الحق في مياهه، كما أن لنا الحق في حفر الآبار المجاورة له، لذا فبعلمي لا أعتقد أن هناك موانع قانونية".
عمر سلامة متحدث وزارة المياه الأردنية، بين في حديثه للأناضول أن "مصادر المياه في الأردن تتوزع بين المصادر التقليدية مثل المياه السطحية والجوفية (..) إضافة إلى المصادر غير التقليدية، مثل معالجة مياه الصرف الصحي كمصدر متجدد ومتزايد وتحلية المياه المالحة في عدد من المناطق وتحلية مياه البحر الأحمر؛ لتعويض جزء من احتياجات مدينة العقبة".
وأكد أن "الوزارة تسعى بشكل جاد للشروع بتنفيذ مشروعها الاستراتيجي الهام، وهو مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الاحمر في العقبة بطاقة 300 مليون متر مكعب، ونقلها إلى محافظات المملكة كافة".
وتابع سلامة أن "مشكلة المياه في الأردن ليست بجديدة وتتفاقم عام بعد عام، لكن استخدامها ارتفع بشكل ملحوظ نتيجة الصراعات في الدول المحيطة، وتوافد أعداد كبيرة إلى المملكة خاصة في المناطق التي تشهد تواجدا كبيرا للاجئين السوريين وتحديدا في المناطق الشمالية للمملكة، مما رفع الطلب إلى مستويات قياسية".
وأوضح أن "سوء الاستخدام وغير المشروع في بعض الأحيان، أدى إلى زيادة في هذا العب، والعجز الكلي لكافة الاحتياجات يزيد عن 450 مليون متر مكعب سنويا".
ولفت إلى أن "التغير المناخي خلال الأعوام الماضية أثر بشكل كبير على الأردن، كما تعاني مصادر المياه الجوفية في الأردن من الاستنزاف المستمر".
ونوه سلامة إلى أن "الأردن يسعى إلى مواجهة تلك التحديات عبر تطوير مصادر المياه غير التقليدية، مثل إعادة استعمال مياه الصرف الصحي المعالجة في الري والزراعة والصناعة ضمن أعلى المواصفات وباتت تشكل جزءا مهما من موازنته المائية كمصدر دائم لتعويض جزء من النقص".
وأوضح أنه "يجري العمل على تطوير مصادر بديلة أخرى تتمثل في خفض فاقد المياه الذي سجل 45 بالمئة".
أما فيما يتعلق بطلب المياه من إسرائيل، فقد قال سلامة: "تربطنا نصوص واضحة ضمن اتفاقية السلام بين البلدين، ويتم تطبيق جميع بنودها، وتسعى الوزارة من خلال عدة خطط وسيناريوهات إلى عدم حدوث أي اختلال بعملية توزيع المياه الحالي وضمان وصول المياه للمواطنين أسبوعيا وبعدالة وبكميات تكفي احتياجاتهم المنزلية".
الاناضول