مدار الساعة - انس الغازي - وحدها "النار" كانت "الخبر" بأن شهر رمضان قد حل، وأن على الناس في المناطق البعيدة عن وسط محافظة الطفيلة، البدء بصيام أيام هذا الشهر الفضيل.
و"النار" التي كان لها قيمة وتأثير وفوائد في علم الاتصال، آنذاك، كانت الخبر الوحيد والرسالة غير "المدمجة" التي كانت لغتها الاوضح في الاخبار عن الاحداث، وعن القتل، وعن الوفاة، وعن السرعة في وجود الطارئ.
معمرون في الطفيلة، أوضحوا لـ"مدار الساعة" ان حلول شهر رمضان المبارك في المحافظة ما كان لخبره أن ينتشر في سائر المناطق، قبل ثمانية عقود، لولا الرسائل العاجلة التي كانت تنتقل من شخص لآخر، لكن اقواها تلك التي تعبر عنها "النار".
وبحسب الحاج علي احمد الفقراء (95) عاما، فقد كان الامر في الثلاثينيات متعذرا على الناس ايصال الاخبار عن حلول شهر رمضان وخاصة لدى مربي الماشية الخارجين الى حيث الماء والكلأ، إلا بواسطة اشعال النيران من منطقة قريبة من القرية، ليقوم من رآها باشعال نار اخرى، وهكذا، حتى تصل الرسالة "الطارئة" الى كل البعيدين الذين يشرعون في السؤال عن الخبر بالمنادة على بعضهم عبر المسافات القريبة ليتأكد الجميع أن رمضان قد حل وأن الصيام هو في اليوم التالي.
ويعتقد ان النار التي كانت ذات صلة قريبة بحياة الناس، لا زال لها دورها في التدفئة، والطهي، لكنها كانت بالفعل فاكهة الشتاء لاعتبارات كبيرة ابرزها الغياب الواضح لمشتقات الوقود في تلك السنوات البعيدة عن الحضارة والقريبة من البركات، والتراحم، وصلات القربى كما شاء ان يسميها الحاج الفقراء.
والنار التي دخلت الآن في مصطلحات المعاصرة، فهي مهمة لوقف اطلاق النار وقت الحروب، وهي مخافة المسلمين الذين يرجون الجنة ويخشون عذاب النار، لكنها لكبار السن فاكهة مجالسهم اذ يطرب الرجل والمرأة لرؤيتها، وهي الأنيس لدى سكان الخلاء، يصنعون الى جابنها الشاي والقهوة، لتحاكي سمرهم في الليالي الطويلة عندما يشرعون في تجاذب اطراف الحديث.
ويرى المعمر الفقراء، ان "النار" جزء لا يتجزأ من حياة الاسرة، ويرى أن الحياة بدونها ليس لها لون أو ضياء، فهي مصدر حياة الاسرة اذ لا يمكن الحياة بدونها لضرورتها في طهي الطعام والتدفئة قبل أن يعرف الناس المدافئ التي لم تجلب معها إلا كثيرا من الشر والضرر، بينما كانت النار آمنة في صورتها الطبيعية، لا تجلب معها الا الخير والأمان.