مدار الساعة - صدرت في العاصمة الأردنية عمّان دراسة للدكتور باسل باوزير بعنوان مستقبل الدستور في اليمن.
تأتي هذه الدراسة ضمن سلسلة من الدراسات الدستورية المتخصصة، التي يعمل عليها المؤلف في إطار تناوله لعملية الاصلاح الدستوري التي يمر بها اليمن منذ سنة ٢٠١١.
تعرض هذه الدراسة (٧٨ صفحة) عددًا من الخيارات لمستقبل وضع الدستور في اليمن في ضوء تداعيات الحرب التي أوقفت مسار الاصلاح الدستوري الذي تبناه مؤتمر الحوار الوطني ونتج عنه ما يُعرف بمسودة دستور اليمن الجديد، التي لا تعني بأن قضية الدستور قد حُسمت، فعلى الرغم من وجود الإجماع عبر الطيف السياسي أن اليمن بحاجة إلى دستور جديد، غير أن الخلاف سيستمر حول الطبيعة الدقيقة ومحتوى المسودة لبعض الوقت في المستقبل.
تستند الخيارات المقترحة في هذه الدراسة لوضع الدستور في المستقبل إلى عدة حقائق: الاعتراف بأنه على الرغم من وجود مسودة الدستور فلا يزال اليمنيون من حقهم التمتع بدستور جديد يلبي تطلعاتهم الحقيقية، ويجب على أي حكومة قادمة أن تكون ملزمة بوضع دستور إما عن طريق انتخاب جمعية تأسيسية هدفها الوحيد هو إنتاج دستور جديد، أو عبر إخضاع مسودة الدستور الحالية للاستفتاء بعد مراجعتها واستكمال مراحل إنفاذها.
أياً من هذه العمليات يجب بالضرورة أن تتعامل مع اشكاليات من قبيل الوقت والتكلفة.
مع مراعاة الحقائق المذكورة أعلاه، فإن الخيارات الرئيسية التي تتناولها الدراسة تركز على أربعة خيارات يعتبرها الباحث باوزير مرجحة، وفقاً للآتي:
الخيار الأول: الجمعية التأسيسية المنتخبة.
تظل الجمعية التأسيسية أحد الخيارات الأكثر شعبية لوضع الدستور.
يتمتع خيار "الجمعية التأسيسية" بالعديد من المزايا، في المقام الأول، سيكون إلى حد ما عزل عملية وضع الدستور عن المشاحنات السياسية السائدة بين المكونات السياسية. ثانياً، قياس شعبية المكونات السياسية بعد الحرب وعكس تمثيلها الحقيقي عبر انتخابات الجمعية التأسيسية.
ثالثاً، من شأن "الجمعية التأسيسية" أن تتجنب الحاجة إلى استفتاء مثير للانقسام، فقد كشفت العملية الدستورية التي تبناها مؤتمر الحوار الوطني عن مخاطر الخضوع للاستفتاء في بلد حيث مستويات الوعي السياسي والمعرفي منخفضة، والناخبين عُرضة للتضليل سواء مع أو ضد.
ومع ذلك، يمكن طرح الأسئلة حول هذا الخيار، ما إذا كان اقتصاد فقير مثل اليمن قادرًا على تحمل تكاليف ممارسة دستورية أخرى من هذا القبيل، فمن أجل ضمان تمثيل عادل يجب إجراء انتخابات الجمعية التأسيسية للمندوبين، فعملية الانتخابات لا تكلف فقط الدولة موارد كبيرة فإنها أيضاً تحول انتباه الدولة إلى عملية سياسية على حساب أولويات عاجلة أخرى مثل توجيه الموارد لبناء ما دمرته الحرب.
من المحتمل أيضاً أن يكون تشكيل جمعية تأسيسية أمرًا مثيرًا للجدل لأنه يجب أن يكون بناءً على الدائرة الانتخابية الحالية، والتي تم ترسيمها وفقاً لقانون الانتخابات الساري الذي بدوره يحتاج إلى تعديل.
الخيار الثاني: الخبراء
إن اقتراح تكليف خبراء دستوريين لكتابة دستور اليمن ليس من خارج سياق عملية الاصلاح الدستوري في اليمن، فأغلب الوثائق الدستورية قبل وبعد توحيد اليمن كتبت من قبل خبراء.
في مستقبل وضع الدستور عند الحاجة إلى هذا الخيار يجب اختيار خبراء ليس لديهم مصلحة حزبية في التكوين السياسي الحالي لصياغة دستور جديد للبلاد.
إن إضفاء الشرعية على لجنة الخبراء سيتطلب إجماعًا واسعًا على تكوينها والرغبة في تضمين مصالح ووجهات نظر متنوعة، مما قد ينتج عنه لجنة كبيرة وغير ضرورية.
علاوة على ذلك، فإن أي دستور من وضع لجنة الخبراء لا يزال يتطلب إجراء استفتاء شعبي مع جميع الانقسام والخلاف الذي تميل إلى توليده مثل هذه الوثائق الدستورية.
الخيار الثالث: مجلس النواب
يبقى اصلاح الدستور من قبل مجلس النواب أقل الخيارات شعبية. على الرغم من أن الدستور الحالي بموجب المادة 158 يحتفظ بالحق لمجلس النواب لتعديل الدستور. غير أن قدرة مجلس النواب على اصلاح الدستور تتعرض للانتقاد أيضًا بسبب عدم الثقة العامة في مجلس النواب من جهة، والانقسام الذي يعصف بالمجلس من جهة أخرى. يضاف لكل ذلك طول مدة ولاية المجلس التي أضعفت شرعيته وشعبيته.
على الرغم مما سبق، ليس هناك شك في أن مجلس النواب يجب أن يلعب على الأقل دور تيسيري في عملية الاصلاح الدستوري، فإصلاح الدستور عبر هذا الخيار سوف يحتاج إلى تشريع جديد الذي لا يمكن أن يُنتجه إلاّ مجلس النواب.
الخيار الرابع: إصلاح دستوري من أسفل إلى أعلى من قبل الشعب.
تم استخدام نهج من أعلى إلى أسفل بشكل عام في وضع جميع دساتير اليمن. المثال الوحيد المقارب لهذا النهج والذي شارك فيه إلى حد ما المواطنون كان من خلال المشاورات التي قامت بها لجنة صياغة الدستور المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني، لسماع الآراء وجمع المعلومات حول الدستور الجديد الذي قامت اللجنة بصياغته. ومع ذلك، تم اختيار لجنة صياغة الدستور من قبل النخبة السياسية، وعلى الرغم من أن مسودة دستور اليمن الجديد تعكس رغبات جزء من الشعب اليمني، إلا أنها إلى حد كبير مُنتجًا نخبويًا لم يكن يمتلكه الشعب.
خلُصت الدراسة، إلى أن عمليات الإصلاح الدستوري في البلدان التي شهدت نزاعات مسلحة حادة كاليمن قد تكون طويلة ومعقدة، وربما تمتد هذه العمليات على مدى عدة سنوات، كنتيجة لتموضع جديد للقوى السياسية بعد انتهاء النزاع وإجراء الانتخابات التي تدفع بقوى ونُخب جديدة ترغب في توطيد الهيكل المؤسسي والدستوري للبلد وإعادة تأسيسه بحسب رغبات ومصالح النُخب.
لذلك، فإن اليمنيين بحاجة إلى إعادة التفكير في مستقبل صنع الدستور وتغيير النهج ليصبح من النخبة إلى الشعب.
* عن المؤلف:
د. باسل عبدالله باوزير، باحث في القانون الدستوري، تخرج من كلية الدراسات القانونية بالأردن وواصل دراسته بها حتى حصل على درجة الدكتوراه في القانون الدستوري، كما حصل على درجة الدبلوم العالي في الدراسات القضائية من المعهد القضائي الأردني. له العديد من المقالات والدراسات العلمية في الصحف والمجلات والدوريات.
صدر له حتى الآن أربعة مؤلفات هي: "دور القضاء الدستوري في تطوير مفهوم الحقوق والحريات الأساسية" و "النظام القانوني للمعاهدات الدولية" و "تفسير النصوص الدستورية دراسة في المبادئ القضائية الحاكمة والمعايير المرجعية الناظمة" و كتاب "التحولات الدستورية في اليمن.. التجارب والمتطلبات والتحديات".