مدار الساعة - حكمت الدولة الأموية طيلة 88 عاماً، توسّعت فيها إلى أقطارٍ بعيدة، لكنّ أغلب سنين الأمويين كانت مليئة بالثورات والمعارك. استمرّت الثورات والمعارك منذ بداية تأسيس الدولة على يد الصحابي معاوية بن أبي سفيان، إلى أن انتهت الدولة و آخر خلفائهم مروان بن محمد، الذي هُزم في معركة الزاب، وهي المعركة الفاصلة التي تأسّس بها سلطان العباسيين.
في هذا التقرير نعود بكم عبر الزمن إلى هذه المعركة والظروف التي أدّت لها، وأهم نتائجها.
ضعف الأمويين وصعود العباسيين
بعد وفاة يزيد بن معاوية كادت الخلافة تذهب عن بيت بني أمية، خصوصاً أنّ الكثيرين أيدوا عبدالله بن الزبير، حتّى إنّ بعض المؤرخين يعدّه ضمن الخلفاء، فقد ضاقت ببني أمية الأرض بعدما بايعت أغلب الأقطار عبدالله بن الزبير. لكنّ الكفّة عادة من جديد مع تولي مروان بن الحكم زمام الأمور في البيت الأموي، واستطاع ابنه عبدالملك بن مروان أن يقضي على عبدالله بن الزبير وغيره من الثائرين على الحكم الأموي.
رسّخ عبدالملك بن مروان ملك الأمويين، وظلّت الخلافة تتنقّل بين أبنائه، وكان آخرهم هشام بن عبدالملك، وفترته من أطول فترات الخلافة في الدولة الأموية، وقد ازدهرت الدولة في عهده وكثرت الفتوحات، لكنّ الأمور من بعده لم تعد كما كانت.
كانت بداية الاضطرابات بانتقال الحكم من جيل أبناء عبدالملك بن مروان إلى جيل الأحفاد، فقد تولى بعد هشام بن عبدالملك ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبدالملك.
مقطع من مسلسل صقر قريش يجسد وضع الأمويين بعد وفاة هشام بن عبدالملك
كان الوليد بن يزيد بن عبدالملك – وفق المشهور عنه – لا يتسم بالحنكة السياسية ولا بتدبير شؤون الدولة، وقد كان عمّه هشام يفكر في نقل ولاية العهد لابنه بدلاً عن ابن أخيه. عندما تولى الوليد بن يزيد انتقم من أركان الدولة الذين أيدوا عمه هشام في تحويل ولاية العهد لابنه.
دخل الأمويون في اضطراباتٍ متتالية، فقد انقلب يزيد بن الوليد على ابن عمّه الخليفة الوليد بن يزيد، وقتله في قصره. لكنّ خلافته لم تستمرّ سوى ستة شهور تقريباً، وقد تولّى من بعده أخيه إبراهيم بن الوليد.
تولّى إبراهيم مكان أخيه، لكنّ الدولة لم تكن مستقرةً تحت قدميه، فقد رفض بيعته مروان بن الحكم، والي أرمينيا وأذربيجان، وسار إلى دمشق وأخذ الخلافة لنفسه، لكنّه لم يقتل إبراهيم. وبالمجمل استمرّت خلافة إبراهيم 70 يوماً فقط.
وخلال هذه الاضطرابات والموت المتتالي للخلفاء في العاصمة الأمويّة، كان هناك موتٌ آخر قادمٌ من بعيد، من الشرق.. من خراسان، حيث الدعوة العباسية الكامنة منذ سنوات عديدة تتحيّن الفرصة للانقضاض على الأمويين.
دعوة العباسيين السرية
على الجانب الآخر، وفي آخر عهد آخر الخلفاء الأمويين الأقوياء هشام بن عبدالملك الذي توفي
عام 743 م (الموافق 72 هـ) كانت شرارة "دعوةٍ" عباسية تدور في بلاد فارس، بعيداً عن عيون الخليفة في العاصمة دمشق.
كانت فحوى تلك "الدعوة" أنّ العباسيين والعلويين أولى بالخلافة من الأمويين. كان مؤسس تلك الدعوة هو محمد بن علي بن عبدالله بن عباس. وقد استغلّ العباسيون وقائدهم أنّ الأمويين احتكروا المناصب السياسية القيادية في العرب، فلعب العباسيون على وتر الفُرس وغيرهم من الذين همشّهم الحكم الأموي.
الأمويون
نهر الزاب/ worldhistoryproject
كان الوضع جاهزاً الآن لإعلان الدعوة العباسية، وقد انطلقت جيوش الدعوة من مدينة خراسان، فانتصر القائد العباسي الفذ أبومسلم الخراساني على والي الأمويين فيها، وأخذ خراسان ومن هناك بدأت حروب العباسيين من أجل تأسيس دولتهم.
للقراءة أكثر حول قصّة صعود أبي مسلم الخراساني، من عاملٍ بسيط إلى الرجل رقم 1 في الدولة العباسية، الذي كان يخشاه الخليفة، يمكنك قراءة هذه المادة.
توِّجت هذه الدعوة وحروبها العديدة بمعركة الزاب. كان محمد بن مروان قد أخذ العاصمة دمشق، وقد ثارت في وجهه اضطرابات وثورات داخلية، من داخل البيت الأموي، لكنّه استطاع التغلب عليها، وسار بجيشه من العاصمة دمشق إلى نهر الزاب، وهو أحد روافد نهر دجلة.
كان قائد العباسيين على الجهة الأخرى عبدالله بن علي بن عبدالله بن عباس، أخو مؤسس الدعوة وأحد أبرز قادة الجيوش العباسية. ويقال إنّ جيش العباسيين قد بلغ 40 ألفاً.
التقى الجيشان على نهر الزاب في يناير/كانون الثاني عام 750، كلّ جيشٍ على ضفّة، واستمرّت المعركة 11 يوماً. بنى خلالها مروان بن محمد جسراً ليعبر عليه للجيش العباسي، لكنّ الأمويين استطاعوا قطع الجسر فغرق من الجيش الأموي الكثير.
ويبدو أنّ قيادة مروان بن محمد كانت مهتزة في الجيش الأموي واختلف هو وأحد أمراء بني أمية حول قيادة المعركة، فقد كان مروان يرى ألا يبدأ الجيش الأموي بالقتال، لكنّ على العكس من رأيه هاجمت بعض فرق الجيش الأموي.
انتهت المعركة وانتهى معها الحكم الأموي، فقد فرّ مروان بن محمد إلى مصر، لكنّ العباسيين ظلّوا يطاردونه حتّى قتلوه في قرية أبي صير.
وقد انتهج العباسيون سياسةً صارمة تجاه أمراء الأمويين، فقتلوهم جميعاً، حتّى لا يكون لدى أحدٍ فيهم فرصةً للهجوم المضاد في أي وقتٍ لاحق ليطالب بحقه في الخلافة. ولكن نجا منهم شخصٌ واحد، هو أحد عظماء القادة المسلمين أيضاً: عبدالرحمن الداخل. الملقّب بـ"صقر قريش" الذي هرب من المشرق بعد مطاردات طويلة من العباسيين، فوصل إلى الأندلس وأسس دولةً للأمويين هناك، ولكن هذه قصة أخرى.