مدار الساعة - إدريس أبيدمي أحمد - حقيقة الدعاء هي الرغبة إلى الله عز وجل وطلب الحاجة منه، وذلك من خلال “إظهار الافتقار إليه والتبرُّؤ من الحول والقوَّة؛ وهو سمة العبوديَّة واستشعار الذِّلَّة البشريَّة، وفيه من الثَّناء على الله- عزَّ وجلَّ- وإضافة الجود والكرم إليه سبحانه وتعالى”، وهو يشمل طلب جلب المنفعة أو طلب كشف ما فيه مضرة للإنسان، والأصل في ذلك قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]، فالدعاء مأمور بهذه الآية كما هو موعود عليه بالإجابة، وهذا يشمل دعاء السؤال، ودعاء الثناء على الله تعالى، ويشمل الدعاء في الصلاة وخارجها.
يقول ابن عاشور: الدعاء يطلق بمعنى النداء المستلزم للاعتراف بالمنادى، ويطلق على الطلب وقد جاء من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما فيه صلاحية معنى الدعاء الذي في هذه الآية لما يلائم المعنيين في حديث النعمان بن بشير قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الدعاء هو العبادة» ثم قرأ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ رواه الترمذي.
ويظهر ابن عاشور المعنى الذي يربط بين الدعاء والعبادة في حديث «الدعاء هو العبادة»، فيقول: «إذا كان الدعاء هو العبادة كانت العبادة هي الدعاء لا محالة.
– فالدعاء يطلق على سؤال العبد من الله حاجته وهو ظاهر معناه في اللغة
– ويطلق على عبادة الله على طريق الكناية لأن العبادة لا تخلو من دعاء المعبود بنداء تعظيمه والتضرع إليه، وهذا إطلاق أقل شيوعا من الأول، ويراد بالعبادة في اصطلاح القرآن إفراد الله بالعبادة، أي الاعتراف بوحدانيته.
– والاستجابة تطلق على إعطاء المسئول لمن سأله وهو أشهر إطلاقها
– وتطلق [الاستجابة] على أثر قبول العبادة بمغفرة الشرك السابق وبحصول الثواب على أعمال الإيمان
فإفادة الآية على معنى طلب الحاجة من الله يناسب ترتب الاستجابة على ذلك الطلب معلقا على مشيئة الله أو على استيفاء شروط قبول الطلب، وإعطاء خير منه في الدنيا، أو إعطاء عوض منه في الآخرة. وإفادتها على معنى إفراد الله بالعبادة، أي بأن يتوبوا عن الشرك، فترتب الاستجابة هو قبول ذلك، فإن قبول التوبة من الشرك مقطوع به.»
وما ذكره ابن عاشور يكاد أن يكون أرفق وأوفق للخلاف الذي قد يثار حول أصل الدعاء هل هو عبادة أو سؤال، وحاول التوفيق بين الأقوال المختلفة من خلال الآية المذكورة.
أحدها: بعد تكبيرة الإحرام في محلِّ الاستفتاح.
الثاني: قبل الركوع وبعد الفراغ من القراءة في الوتر، والقنوت العارض في الصبح، إشارة إلى حديث أبي بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت في الوتر قبل الركوع”، وهو حديث ضعيف[1].
الثالث: بعد الاعتدال من الركوع، كما ثبت ذلك في «صحيح مسلم» من حديث عبد الله بن أبي أوفى: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا رفع رأسه من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربَّنا لك الحمد، ملءُ السماوات وملءُ الأرض، وملءُ ما شئت من شيء بعد. اللهمَّ طهِّرني بالثلج والبرد والماء البارد. اللهمَّ طهِّرني من الذنوب والخطايا كما ينقَّى الثوب الأبيض من الوسخ». رواه مسلم.
الرابع: في ركوعه كان يقول: «سبحانك اللهمَّ ربَّنا وبحمدك. اللهمَّ اغفر لي».
الخامس: في سجوده، وفيه كان غالب دعائه.
السادس: بين السجدتين.
السابع: بعد التشهُّد وقبل السلام. «زاد المعاد في هدي خير العباد – ط عطاءات العلم» (1/ 297).
اختلفت آراء الفقهاء في حكم الدعاء في الصلاة بغير اللغة العربية إلى أقوال:
3. التفصيل وهو مذهب الشافعية، فقالوا: الدعاء في الصلاة إما أن يكون مأثورا أو غير مأثور.
أما الدعاء المأثور فأصحها، ويوافقه ما ذهب إليه الحنابلة: أنه يجوز بغير العربية للعاجز عنها، ولا يجوز للقادر، فإن فعل بطلت صلاته.
وأما الدعاء غير المأثور في الصلاة، فلا يجوز اختراعه والإتيان به بالعجمية قولا واحدا.
وأما سائر الأذكار كالتشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والقنوت، والتسبيح في الركوع والسجود، وتكبيرات الانتقالات، فعلى القول بجواز الدعاء بالأعجمية : تجوز بالأولى.
وذكر صاحب الحاوي: أنه إذا لم يحسن العربية أتى بكل الأذكار بالعجمية، وإن كان يحسنها أتى بالعربية، فإن خالف وقالها بالفارسية: فما كان واجبا كالتشهد والسلام لم يجزه، وما كان سنة كالتسبيح والافتتاح أجزأه وقد أساء[4].
ويظهر من هذه الأقوال أن الدعاء بالعجمية أي باللغة غير العربية في الصلاة جائز للعاجز عن العربية، في المواضع المذكورة من الصلاة، وأن صلاته صحيحة، وإنما اختلفوا في القادر بالعربية ، والصحيح في حقه أن صلاته صحيحة مع الكراهة.
حكم الأدعية غير المأثورة في الصلاة
ويجوز للإنسان أن يدعو بأدعية غير المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو يدعو باللهجات العربية أو العامية في الدعاء، وذلك بكل كلام مباح لا اعتداء فيه ولا إثم ولا قطيعة رحم. والدعاء المأثور فيه الخير العظيم، لكن قد يحتاج الإنسان أن يدعو لنفسه أو لمن يحب بشيء من خيري الدنيا والآخرة، أو يسأل الله دفع شيء من الضر والشر عنه، فهذا باب واسع، ولا يلزم التقيد بالمأثور .
ومدار الدعاء على حضور القلب، وصدق الالتجاء إلى الله تعالى، بأي لغة كان، والله تعالى يسمع الأصوات، ويعلم اللغات، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السموات[5].
ويدل على جواز الدعاء بغير المأثور في الصلاة ولو باللهجات: قوله صلى الله عليه وسلم : (ثم يتخيّر من المسألة ما شاء) وفي لفظ : (ثم يتخيّر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ) [رواه البخاري (835) ومسلم (402)] وهذا في الدعاء قبل التسليم من الصلاة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ” وأمَّا مَن دعا الله مخلصاً له الدين بدعاءٍ جائزٍ: سمعه الله وأجاب دعاه ، سواء كان معرباً أو ملحوناً … بل ينبغي للداعي ، إذا لم يكن عادته الإعراب: ألا يتكلف الإعراب. قال بعض السلف : إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع .
وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء ، فإذا وقع بغير تكلفٍ: فلا بأس به . فإنَّ أصل الدعاء مِن القلب، واللسان تابعٌ للقلب، ومَن جعل همَّته في الدعاء تقويم لسانه ، أضعف توجه قلبه .
ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يفتح عليه، لا يحضره قبل ذلك ، وهذا أمرٌ يجده كلُّ مؤمنٍ في قلبه .
والدعاء يجوز بالعربيَّة ، وبغير العربيَّة .
والله سبحانه يعلم قصد الداعي ومراده ، وإن لم يقوِّم لسانه؛ فإنه يعلم ضجيج الأصوات ، باختلاف اللغات ، على تنوع الحاجات”. [الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 424)].