أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

خطرات وتباريح حول واقع القرآن في حياتنا

مدار الساعة,شؤون دينية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - شخنا محمد عمو - -القرآن الكريم كتاب أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم من أجل إخراج الناس من الظلمات إلى النور: {ألر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، لكن الخروج من الظلمات وحصول التقوى والرحمة لا يمكن أن تتم دون أن نسلك طريق القرآن في حياتنا ونتّبع أوامره ونتدبّر أفكاره ومعانيه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

ولأن القرآن هو الكتاب الذي يهدينا إلى الطريق الأقوم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، فقد حرص العلماء والكتَّاب المسلمون قديماً وحديثاً على تحريض المسلم على العيش في ظلاله، ومن الكتب الحديثة التي تحثّنا على العودة إلى القرآن كتاب (الطريق إلى القرآن) الذي يعرّفه مؤلفه إبراهيم السكران بأنه “حصيلة خطرات وتباريح حول واقع القرآن في حياتنا وآثاره المبهرة الحسية والمعنوية”[1]، ويحدثنا فيه عن جوانب قرآنية مهمة، مثل: سطوة القرآن، والقلوب الصخرية، والحاجة إلى التدبّر، والحبل الناظم في القرآن، وسنعرض في هذه المقالة أهم الأفكار الواردة في هذا الكتاب المهم.

ومن الواضح أن سطوة القرآن تعد من أبرز أسرار هذا الكتاب المبارك، فقد حارت العقول في هذه السطوة وعبّر القرآن نفسه عنها في أكثر من آية، حيث نجده يحدثنا عن تأثر الأنبياء: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}، وعن تأثر أهل الكتاب: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.

والحقيقة أن تأثير القرآن لا يقتصر على التأثير في النفوس (التأثير الداخلي)، بل يؤثر تأثيراً خارجياً أيضاً فيؤثر في الجوارح: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}، كما أنه لا يقتصر على التأثير في الإنسان فقط بل يؤثر في الجن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}، كما يؤثر في الجمادات: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}.

وقد استطاع الخطاب القرآني أن يخترق قلوب صناديد قريش الذي كانوا يحاربونه ويرفضونه، فقد جاء جبير بن مطعم إلى النبي صلى الله عليه وسلم يفاوضه في أسرى بدر، فلما وصل وجد النبي يؤمن المسلمين ويقرأ سورة الطور فكاد قلبه أن يطير بسبب قوارع سورة الطور، وقد جاء في البخاري أن أبا بكر الصديق عندما هاجر كان “لا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وبرز فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقصّف (يزدحم) عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون وينظرون إليه”.

ومن الأمور التي تدعو إلى التأمل في خلق الله وقدرته أن تكون هناك قلوب بشرية أشد قساوة من الحجارة، وأن نرى القرآن يصف “حالة القلوب التي غارت ينابيع الإيمان فيها وأمحلت من التعلق بالله، حتى قارنها الله بأكثر الجمادات يبوسة في موازنة لا تخفي الأسى والرثاء”[2]: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}.

والحقيقة التي يحتاج المسلم أن يفهمها جيداً هي أن مرض قسوة القلب لا بد له من علاج، لكن علاجه ليس بشرب الحبوب والعقاقير، وإنما بشيء واحد وهو العودة إلى القرآن وتدبّر معانيه وقراءته آناء الليل وأطراف النهار، ونحن لا نحتاج دليلاً من الأطباء على هذا الأمر فهناك آيات قرآنية عديدة تؤكد هذه الحقيقة الدقيقة، منها قوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}.

وللإجابة على السؤال السابق، أكد إبراهيم السكران أن القرآن الكريم فيه حقائق وإشارات كثيرة تحتاج إلى تدبّر، وهناك مفاتيح كثيرة لفهم القرآن الكريم، ومن أعظم وجوه مفاتيح الانتفاع بالقرآن الكريم أن يتدبّر الإنسان ما عرضه هذا الكتاب المبارك من حقائق العلم بالله، فالذي يعلم كل تفاصيل العلوم ولا يعلم شيئاً عن الله مثل صاحب المركبة الذي يعلم كل الطرق الفرعية ويجهل الطريق الرئيسي – لن يصل.

ثم إن من مفاتيح تدبّر القرآن الكريم أن يتدبر الإنسان أخبار الأنبياء التي ساقها القرآن وكرّرها، فهي ليست للتسلية وإنما تحمل رسائل تضمينية، كما أن من مفاتيح تدبّر القرآن أيضاً أن يضع الإنسان أمامه على طاولة التدبّر كل الخطابات الفكرية حول النهضة والتقدم والرقي والإصلاح، ويطرح القضايا التي يرى رواد النهضة والفكر أنها معيار للتقدم، ثم يقارنها بالمعايير التي قدمها القرآن للتقدم والرقي والازدهار والإصلاح، وسيكتشف عظمة الخطاب القرآني وشموليته لقضايا الناس قديماً وحديثاً[3].

وقدم المؤلف في هذا السياق جملة من النصائح الأخرى المعينة على التدبّر، منها: أن يتضرّع الإنسان إلى الله ويدعوه أن يجعله من أهل القرآن وفهمه، وأن يخصص حزباً يومياً لتدبّر القرآن الكريم، وأن يكون الأصل التدبّر الشخصي والتفسير معيناً لا العكس، وأن يضع الإنسان لأهل بيته برنامجاً للتفسير فيتبارون في استنباط المعاني والأفكار.

ونحن إذا أردنا أن نقف على أمثلة محددة على حديث القرآن عن رمضان ومكانته بين الشهور، فإننا سنجد أن ذكر رمضان في القرآن جاء بصورتين مختلفتين، في الصورة الأولى تم التصريح برمضان مباشرة كاملاً: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وفي الصورة الثانية تمت الإشارة إلية بشكل جزئي: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}. أما إذا نظرنا إلى كتب الحديث النبوي والسيرة والتاريخ، فإننا سنجد أمثلة تؤكد علاقة رمضان والقرآن، ومنها أن جبريل عليه السلام كان يقوم بمراجعة القرآن مع النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة في شهر رمضان، كما جاء في صحيح البخاري.

ثم إن من أعظم مقاصد صلاة التراويح ، التي تعتبر أشهر فعالية اجتماعية في رمضان عند المسلمين قديماً وحديثاً، العودة إلى القرآن وقراءته وتدبّره، يقول ابن تيمية: “إن من أجلّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمع المسلمون كلام الله”، ويروي لنا المؤرخون أن محنة خلق القرآن كانت في شهر رمضان المبارك، قال الذهبي رحمه الله: “وفي رمضان كانت محنة الإمام أحمد في القرآن، وضرب بالسياط حتى زال عقله، ولم يُجِبْ فأطلقوه”.

مدار الساعة ـ