تقصير محلي ودولي بوفاة «نسرين»

مدار الساعة - كتب: د . زايد حماد غيث - ابتداءً لا ريب بأن الأعمار بيد الله عز وجل والموت حق والإنسان لا بد أن يرضى بقضاء الله وقدره في جميع الأمور والأحوال ولكن هناك فارق كبير بين نفاذ قضاء الله عز وجل بعد الأخذ بجميع الأسباب وبين نفاذ القضاء بتقصير واضح من الآخرين في الحالة الأولى : تكون النفس مرتاحة مطمئنة محتسبة بكل الرضى لله عز وجل أما في الثانية : فيكون في القلب غصة تبقى حاضرة في القلب والعقل والوجدان طوال العمر .

القانون الدولي الإنساني والمعاهدات والمواثيق والملاحق كلها تحمي الإنسان في أوقات النزاعات دون النظر إلى الجنس والعرق واللون والطائفة والدين حتى المبادئ الإنسانية للجنة الدولية للصليب الأحمر تقوم على الإنسانية وعدم التحيز والحياد والاستقلال والتطوع والوحدة والعالمية أما في الشريعة الإسلامية فقد بينت الشريعة السمحة ضرورة الحفاظ على النفس بل وجعلتها من مقاصدها الرئيسية وأسست الشريعة الإسلامية ولأول مرة في تاريخ الإنسانية قوانين وضوابط للصراع بين البشر وكذلك أسهمت المبادئ الإسلامية بتكوين واصدار المبادئ والمعاهدات الدولية بشأن الحقوق الفردية والجماعية الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة .

قبل قرابة شهر تواصل معي والد الطفلة نسرين يخبرني بأن طفلته تم تحويلها من مخيم الزعتري إلى مستشفى في محافظة المفرق لوجود مشاكل في القلب وحسب التقارير فهي بحاجة إلى عملية قلب سريعة وخلافه فإنها ستفارق الحياة خلال وقت قصير وخلال حديثه تكلم عن سوء العناية والمتابعة للطفلة في المستشفى وطلب منى أن أساعده في تكاليف إجراء العملية وبالفعل قمت بوضع إعلان على الفيس أطالب فيها الأفراد والمؤسسات مساعدة هذه الطفلة ولقد كان التجاوب إيجابي والتضامن والتكافل العاطفي مع الطفلة كان في أوج عطائه حيث تواصل معي العديد من الأشخاص لتأمين مبلغ مالي لها ولكن هذه المساعدات لم تصل إلى تكلفة إجراء العملية .

وقدر الله عز وجل أن تم التواصل مع أحد الأطباء وتبرع بمتابعة الحالة وتكاليف العلاج عن طريق أحد المنظمات الإنسانية وبالفعل تم التواصل مع أهل الطفلة لنقلها إلى مستشفى في العاصمة عمان وكانت التقارير الطبية تفيد بأنه يمكن إجراء العملية للطفلة والتقارير موجودة وموثقة ولكن للأسف الطبيب الجراح المتطوع طلب تأجيل العملية لمدة أسبوع لوجود مساعده الطبي الجراح المتطوع أيضا خارج البلد وفي هذه الأثناء طلب الدكتور المتابع للحالة من المستشفى في المفرق بعدد من الأمور لضمان صحة الطفلة وبعد 10 أيام تم نقل الطفلة من المفرق إلى عمان وعندما وصلت تم الكشف عليها وكان الإجابة من الأطباء بأنه الآن لا يمكن إجراء العملية لها لوجود عدة مضاعفات منها عند وصولها كان نسبة السكر"١١" مما ادى الى تلف في الأعصاب وفعلاً تم الاعتذار عن إجراء العملية ونقلت إلى مستشفى آخر تمهيداً لإعلان وفاتها بشكل رسمي وللأسف توفيت الطفلة اليوم ودفنت وهي ستقابل ربها وتشتكي كل المقصرين .

التقصير كان من عدة جهات : من المستشفى في المفرق الذي لم يقم بالعناية اللازمة وتحويلها لجهات لاجراء العملية لها والتقصير كذلك من الأطباء الذين أجلوا العملية لوجود مساعد الطبيب خارج الأردن ولم يقدروا عواقب ذلك وثم التقصير منا نحن جميعاً لأننا لم نتعامل مع الطفلة وكأنها ابنة لواحد منا ولم نستطع أن نجمع لها المال الكافي لإجراء العملية فوراً .

لا شك أن قضاء الله قد نفذ ولا اعتراض على حكم الله تعالى ولكن كم من نسرين ماتت وستموت بسبب إهمال طبي أو ربما لتحول مهنة الطب إلى تجارة لا يهمها إلا الربح المادي فقط أو لعدم متابعة طبية أو لتقصير المقتدرين ... وكم من مريض سرطان فارق الحياة لعدم المقدرة على دفع تكاليفه وكم وكم ...

قال تعالى : ( وإذا الموءودة سئلت ، بأي ذنب قتلت ) .. وستسألنا غداً أمام الله نسرين بأي ذنب قتلت .