مدار الساعة - يقصد بصيام آخر شعبان يوم الشك الذى هو يوم الثلاثين من شعبان وما قبله، ولأهل العلم في حكم صيامه أقوال متعددة بناء على النصوص المروية في شأنه، وقد عقد الإمام ابن رجب آخر مجالسه في كتابه لطائف المعارف من وظائف شهر شعبان في بيان حقيقة ما ورد في صيام آخر شعبان من فقه وحكم وفوائد والذى من خلاله تتفق النصوص ولا تتناقض، فحصيلة بحثه فيما يلى:
1- والمشهور إنه آخر الشهر، وسمي آخر الشهر سرارا: لاسترار القمر فيه، وممن فسر السرار بآخر الشهر أبو عبيد وغيره من الأئمة، وكذلك بوب عليه البخاري صيام آخر الشهر. وقال الهروي: المعروف أن سر الشهر آخره.
2- وقالت طائفة: سر الشهر: أوله. وخرج أبو داود في باب تقدم رمضان من حديث معاوية أنه قال: إني متقدم الشهر، فمن شاء فليتقدم، فسئل عن ذلك، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “صوموا الشهر وسره” ثم حكى أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: أن سر الشهر: أوله.
3- وقال بعضهم: سره وسطه، وفي رواية لمسلم في حديث عمران بن حصين المذكور: “هل صمت من سرة هذا الشهر” وفسر ذلك: بأيام البيض.
4- وفرق الأزهري بين سرار الشهر وسره فقال: سراره وسرره آخره وسره وسطه وهي أيام البيض وسر كل شيء جوفه.
ولم يرتض الحافظ ابن رجب هذه التفاسير إلا الأول، وقد أظهر إنكاره وعدم رضاه للتفسير الثاني قائلا: لا يصح أن يفسر سرر الشهر وسراره بأوله، لأن أول الشهر يشتهر فيه الهلال ويرى من أول الليل، ولذلك سمى الشهر شهرا لاشتهاره وظهوره، فتسمية ليالي الإشتهار ليالي السرار قلب للغة والعرف، وقد أنكر العلماء ما حكاه أبو داود عن الأوزاعي منهم الخطابي، وروى بإسناده عن الوليد عن الأوزاعي قال: سر الشهر: آخره.
وفسر الخطابي حديث معاوية: “صوموا الشهر وسره” بأن المراد بالشهر الهلال فيكون المعنى صوموا أول الشهر وآخره فلذلك أمر معاوية بصيام آخر الشهر.
وقال الحافظ ابن رجب: والأظهر أن المراد بالشهر شهر رمضان كله، والمراد بسره آخر شعبان كما في رواية البخاري في حديث عمران أظنه يعني رمضان، وأضاف السرر إلى رمضان وإن لم يكن منه كما سمى رمضان شهر عيد، وإن كان العيد ليس منه لكنه يعقبه فدل حديث عمران وحديث معاوية على استحباب صيام آخر شعبان وإنما أمر بقضائه في أول شوال لأن كلا من الوقتين صيام يلي شهر رمضان فهو ملتحق برمضان في الفضل فمن فاته ما قبله صامه فيما بعده كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان وندب إلى صيام شوال.
وخلاصة محل الإشكال: أن حديث عمران يحث على صيام آخر شعبان بينما ينهى حديث أبي هريرة عن الصيام.
الأول: أن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره فلذلك أمره بقضائه، وعلى هذا فيرجح حديث أبي هريرة على حديث عمران، فإن حديث أبي هريرة فيه نهي عام للأمة عموما فهو تشريع عام للأمة فيعمل به، وأما حديث عمران فهي قضية عين في حق رجل معين فيتعين حمله على صورة صيام لا ينهى عن التقدم به جمعا بين الحدثين.
وهذا القول هو الذى عليه كثير من العلماء وأكثر شراح الحديث، وهو اختيار ابن رجب.
الجواب الثانى: أن حديث عمران يدل على أنه يجوز صيام يوم الشك وآخر شعبان مطلقا، سواء وافق عادة أو لم يوافق، وإنما ينهى عنه إذا صامه بنية رمضان احتياطا.
وحكى ابن عبد البر هذا القول عن أكثر علماء الأمصار.
وقال الحافظ ابن رجب مرجحا للقول الأول:” أحسن ما حمل عليه -حديث عمران-: أن هذا الرجل الذي سأله النبي صلى الله عليه وسلم كان قد علم منه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم شعبان أو أكثره موافقة لصيام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد أفطر فيه بعضه فسأله عن صيام آخره، فلما أخبره أنه لم يصم آخره أمره بأن يصوم بدله بعد يوم الفطر، لأن صيام أول شوال كصيام آخر شعبان، وكلاهما حريم لرمضان.
وفي الجملة، فحديث أبي هريرة هو المعمول به في هذا الباب عند كثير من العلماء، وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به عادة ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلا بآخره.
الثانية: أن يصام بنية الندب أو قضاء عن رمضان أو عن كفارة ونحو ذلك فجوزه الجمهور.
الحالة الثالثة: أن يصام بنية التطوع المطلق فكرهه من أمر بالفصل بين شعبان ورمضان بالفطر
المعنى الثاني- صحيح-: الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع، ولهذا حرم صيام يوم العيد، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن توصل صلاة مفروضة بصلاة حتى يفصل بينهما بسلام أو كلام، وخصوصا سنة الفجر قبلها فإنه يشرع الفصل بينها وبين الفريضة، ولهذا يشرع صلاتها في البيت والإضطجاع بعدها.
المعنى الثالث- فيه نظر-: إنه أمر بذلك للتقوي على صيام رمضان، فإن مواصلة الصيام قد تضعف عن صيام الفرض، فإذا حصل الفطر قبله بيوم أو يومين كان أقرب إلى التقوي على صيام رمضان.
وفي هذا التعليل نظر، فإنه لا يكره التقدم بأكثر من ذلك ولا لمن صام الشهر كله، وهو أبلغ في معنى الضعف، لكن الفطر بنية التقوي لصيام رمضان حسن لمن أضعفه مواصلة الصيام.
ولربما ظن بعض الجهال أن الفطر قبل رمضان يراد به اغتنام الأكل لتأخذ النفوس حظها من الشهوات قبل أن تمنع من ذلك بالصيام، ولهذا يقولون هي أيام توديع للأكل، وذكر أن أصل ذلك متلقى من النصارى، فإنهم يفعلونه عند قرب صيامهم، وهذا كله خطأ وجهل ممن ظنه، وربما لم يقتصر كثير منهم على اغتنام الشهوات المباحة بل يتعدى إلى المحرمات وهذا هو الخسران المبين.