أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

الأكاديمي د.ناصر سنه : الإعجاز العلمي له دور مهم في تجلية حقائق الإسلام

مدار الساعة,أخبار ثقافية,المملكة العربية السعودية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - لا يتوقف عطاء القرآن الكريم، في جميع مجالات المعرفة الإنسانية، إما تفصيلاً أو إجمالاً أو إشارة؛ وتبقى جهود العلماء مطالَبة بالجد في الكشف عن مكنونات هذا الكتاب العزيز، وبالتفاعل مع هدايته، والتي منها ما يتصل بالإعجاز العلمي وتأكيد توافق القرآن الكريم مع حقائق العلم، وذلك دون تعسف في الفهم والتأويل، أو تعجل في تبني النظريات العلمية.

في هذا الحوار نتعرف مع الأكاديمي المصري الدكتور ناصر أحمد محمد سنه، على أهمية “الإعجاز العلمي” في الكشف عن معاني القرآن الكريم وهداياته، للمسلم ولغيره، بجانب التعرف على ضوابط هذه المسيرة المطلوبة، وأبرز من استضاءوا بنورها من غير المسلمين.

عمومًا.. مما يثلج الصدر ويعطي مؤشرًا على إقبال القراء على الاغتراف من مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أن بحثنا: (حواسنا بين العلم والدين) قد اطلع عليه نحو 100 ألف قارئ من متابعي “موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة” على الشبكة العنكبوتية، كما تواصل معي أحد الأساتذة المصريين المبتعثين للتدريس في إحدى دول الخليج ليستأذن بإدراج هذا البحث ضمن كتاب تعليمي مدرسي.

والإعجاز العلمي هو: إخبار القرآن والسنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه. كما يُقصد به سبقه بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهرهِ التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصولِ إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من نزول القرآن.

أما العلم فهو عند “أبي حامد الغزالي”، علمان: “فروض العين” على كل مسلم (اعتقاد، وفعل، وترك)، و”فروض الكفاية” التي لا يستغني عنها لقوام الحياة كالطب والحساب وغيرهما. إذن هناك: علم كوني تجريبي مكتسب يقوم على الملاحظة والمشاهدة والتجريب والتعميم. وعلم ذاتي “لدنى” داخلي موهوب يقوم على الوعي بالذات، والمجاهدة، والاستبصار والإلهام..إلخ.

ولقد فَصَلت نظم التعليم/ التثقيف المعاصر بين العلوم التجريبية التطبيقية كالفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا..إلخ، ونزعت عنها صفة الإنسانية، كما اعتبرت الدراسات الإنسانية كاللغة، والتاريخ، والاقتصاد، والقانون..إلخ لا يسري عليها القواعد التجريبية العلمية.

وآن الأوان لإيجاد مقاربة العلوم التطبيقية والإنسانية من منظور إيماني صحيح للكون، والحياة، والأحياء. يري فيلسوف العلم “كارل بوبر”: ضرورة إدماج علم الفيزياء- كان محط اهتمام فلسفة العلم كثيرًا- بعلوم البيولوجيا، والعلوم الإنسانية والاجتماعية لكي تصبح فلسفة علم حقيقية.

وأرى أن الإعجاز العلمي يشمل كل العلوم وليس حصره فقط- كما يبدو للوهلة الأولى- في الإعجاز الفيزيائي أو الطبي أو الجيولوجي..إلخ. لذا يوجد في القرآن الكريم: إعجاز لغوي بياني بلاغي، وإعجاز عددي، وإعجاز تشريعي، وإعجاز تاريخي، وإعجاز نفسي- سوسيولوجي، جنبًا إلى جنب مع الإعجاز الفيزيائي والجيولوجي والطبي..إلخ. وقد وردت مادة “العلم” ومشتقاتها في القرآن الكريم نحو 865 مرة. وكما يقول بديع الزمان سعيد النورسي فـ”ضياء القلب هو العلوم الدينية، ونور العقل هو العلوم الكونية الحديثة وبامتزاجهما تتجلى الحقيقة، وبافتراقهما تتولد الحيل والشبهات في هذا، والتعصب الذميم في ذاك”.

هذا عن معنى الإعجاز العلمي وأنواعه.. أما دور هذا الإعجاز في تجلية حقائق الإسلام ففي القرآن الكريم، كتاب الله تعالى المقروء والخاتم للبشرية، عشرات المئات من “الآيات الكونية”؛ آيات متعلقة بـ” كتاب الله تعالى المنظور” في الآفاق (المخلوقات، والموجودات، والذرات والمجرات، والظواهر، والسُنن) وفي الأنفس البشرية سواء بسواء، يقول تعالى:”سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” (فصلت: 53). وفي هذه وتلك من المدلولات الإيمانية ما فيها!

والقرآن الكريم كتاب صالح لكل زمان ومكان، لكل عصر ومصر. ولقد أودع الله تعالى فيه من الحقائق العلمية الكونية (حول السماوات والأرض ، والشمس، والقمر ، والنجوم، والكواكب ، والجبال، والأحجار ، المعادن، والأنهار، والبحار ، والرياح، والسحاب، والمياه ، والرعد، والبرق ، ومراحل خلق الإنسان ، وبعض صور الحيوان، ومنتجاته، والنبات ، ومحاصيله وثماره، وسنن التاريخ، وقيام الحضارات وانهيارها..إلخ) ما يعجز البشر عن الإتيان بمثلها. والقرآن الكريم يتميز بأسلوبه الرائع، وبمفرداته المعدودات، وجُمله المختصرات الدالات على كثير من تلكم الحقائق الكونية.

كما أقسم الله سبحانه بمخلوقات كثيرة: كالشمس، والقمر، والليل، والضحى، والعصر، والسماء، والنجوم، والتين، والزيتون….الخ. وفي ذلك لفت للانتباه إلى ما فيها من إشارات نيرات، ودلائل باهرات على حسن تقديره وتدبيره، تعالى شأنه. وعلي عظيم صنعه وإتقانه: “وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ” (النمل: 88).

وتحمل العديد من سور القرآن الكريم أسماء مثل: البقرة، الإنعام، الرعد، النحل، النور، النمل، العنكبوت، الطور، النجم، القمر، الحديد، القلم، الإنسان، البروج، الطارق، الفجر، الشمس، الليل، الضحى، التين، العصر.. إلخ. وحين يَرِدُ ذكر الكثير من الكائنات الحية، والأجرام السماوية، والظواهر الفلكية، والمظاهر الطبيعية، والقوانين الكونية؛ فإنما يرتفع بذلك شأنها، وتعلو مكانتها، ويُتنبه لأهميتها، ويُتفكر في وظيفتها، ويُتأمل في قوانينها.

وعلى سبيل المثال.. توجد العديد من الآيات الكونية التي تتحدث عن “بناء السَّماء، وتوسعها”: “وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ” (سورة الذاريات، الآية: 47). ويأتي العلم حديثًا ليؤكد أن الكون كلَّه بناء محكم لا وجود فيه لأي خلل أو فراغ أو اضطراب: “اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” (غافر: 64).وأنه يتوسع ويتمدد باضطراد. ويؤكدون الغنى الذي يظهره الكون في البنية المحكمة، ورؤيتهم للنسيج الكوني وكأنه نسيج حُبِك بمنتهى الإتقان والإبداع: “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ” (الذاريات: 7)، “فلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ” (الواقعة: 75، 76). وأن النجوم تَظهر كالّلآلئ التي تبهج الناظرين: “وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ” (الحجر: 16).

وعند اتباع النهج القرآني وضوابطه في النظر والتأمل في هذه الآيات الكونية فإنها تكون وسيلة من وسائل إظهارِ عظمة القرآن الكريم، وبيانِ أنه كتاب الله تعالى المُنزل على النبي “الأمي” محمد، صلى الله عليه وسلم. كما تكون طريقًا لإقناع غير المسلمين بصدق القرآن العظيم، وتأكيد أن التوافق بين العلم والقرآن هو دليل وبرهان مادي ملموس في عصر العلم على أن القرآن لم يُحرّف، وأن الله تعالى قد تعهد بحفظه كما نزل: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” (الحجر:9).

وإذا ما جئنا إلى الضوابط فنشير إلى أن القرآن الكريم قد نزل باللغة العربية؛ وبالتالي، يجب ألا نتجاوز هذه الحقيقة، وإنما نتقيد بها ونلتزم بمعاني الكلمات في قواميس اللغة. وخير من يفسر القرآن هو القرآن نفسه، ثم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم اجتهادات الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، ثم من تبعهم من العلماء والأئمة الثقات رحمهم الله ورضي عنهم جميعًا. فينبغي الإحاطة بدلالات الآية ومعانيها المتعددة طبقًا للغة العربية، ولا نضع تأويلات غير منطقية بهدف التوفيق بين العلم والقرآن، بل يجب أن نعلم بأن المعجزة القرآنية تتميز بالوضوح والتفصيل التام، ولا تحتاج لالتفافات من أجل كشفها: “الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ” (هود: 1).

كذلك تتسابق مؤسسات في عدة دول (وعلى رأسها الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة/ المملكة العربية السعودية) بعقد مؤتمرات سنوية تتناول أحدث البحوث والدراسات الإسلامية التي تواكب المستجدات والمكتشفات على الساحات العلمية العالمية. كذلك توجد مواقع إلكترونية (كموسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، والتي تشرفت أن أكون ضمن فريقها البحثي)، إضافة إلى جهود فردية عديدة لجمع كل ما توصلت إليه البحوث والدراسات في مجال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة.

وكثيرة هي قوائم العلماء والأطباء، وعلماء الشرائع الأخرى، والمفكرين والأدباء والساسة والمشاهير وغير المشاهير من الناس الذين أعلنوا إسلامهم وآمنوا بالله الواحد الأحد، لما علموا بحقيقة أو أكثر من الحقائق الكونية التي وردت في القرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام. وكانوا قد أنفقوا في بحثها عقودًا من السنين. وفي دراسة لي منشورة تقصيتُ أثر إعجاز القرآن الكريم في تحول (167) من مشاهير العلماء والأطباء وعلماء الشرائع الأخرى، ومن المفكرين والأدباء ومن الفنانين والرياضيين ومن السياسيين، ومن فئات أخرى متنوعة.

خذ مثلاً على أشهرهم: العالم والطبيب الفرنسي الأشهر “موريس بوكاي” (19 يوليو 1920- 17 فبراير 1998)، مؤلف: “التوراة والإنجيل والقرآن.. والعلم الحديث”، الذي تُرجم لسبع عشرة لغة، منها العربية؛ فبعد دراسته- وهو المسيحي الكاثوليكي- للكتب السماوية السابقة ومقارنة قصة فرعون “الخروج، فرعون موسي الذي مات غرقًا” فيه، قام بفحص جثته، وصرّح على الفور بأنه قد مات غرقًا، وأنه قد حصلت معجزة في نجاة هذا الفرعون بجسده. ولكن أحد المسلمين أخبره بأن القرآن الكريم قد ذكر قصة فرعون وغرقه ونجاته ببدنه! فقال هذا العالم: إن هذا غير معقول لأنني أنا أول من شاهد هذا الفرعون وأول من علم بقصته بعد أن مضى على غرقه آلاف السنين! فأخبره بالآية الكريم: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس:92). فخشع قلب هذا العالم وقرّر دراسة الإسلام وأعلن إسلامه بعد ذلك؛ لأنه أدرك أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون من عند بشر، بل هو كلام ربّ البشر سبحانه وتعالى.

وهناك بروفيسور الرياضيات الأمريكي “جيفري لانج“؛ ولد في (30 يناير 1954) لعائلة كاثوليكية، ودرس أيضًا في مدرسة كاثوليكية، إضافةً لحصوله على الدكتوراه في الرياضيات وأصبح أستاذًا في جامعة “سان فرانسسكو”، وكان في هذه الفترة مُلحدًا (لمدة عقد من الزمن)، وفي بدايات عام 1980، قرأ نسخة مترجمة من القرآن، وأعلن إسلامه، وله عدة مؤلفات، منها: (الصراع من أجل الإيمان)، و(حتى الملائكة تسأل: رحلة الإسلام إلى أمريكا).

أما البروفيسور “كيث مور” (5 أكتوبر 1925- 25 نوفمبر 2019) أستاذ العلم الحجة في علم التشريح والأجنة في جامعة تورنتو/ كندا، الذي ألَّف مرجعًا عالميًا في مراحل تطور الجنين، ودُرِّس في كبرى جامعات العالم؛ فعندما قرأ معنى ما جاء في القرآن: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 12-14] ورأى هذا الوصف الدقيق لمراحل تطور الجنين، وجد أن هذه الآيات تطابق تمامًاخبرته العلمية الحديثة، فكانت هذه الآيات سببًا في إيمانه وإسلامه ورؤيته نور الحق.

بجانب مؤلفات عديدة تعالج موضوع الإعجاز العلمي في كتاب الله تعالى، ومن أشهرها كتاب: “كشف الأسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالأجرام السماوية والأرضية والحيوانات والنباتات والجواهر المعدنية” لمحمد بن أحمد الإسكندراني الطبيب ( من علماء القرن الثالث عشر الهجري ). ورسالة “عبد الله فكري ” ( من وزراء المعارف السابقين في مصر في مطلع القرن العشرين ) يقارن فيها بين بعض مباحث علم الهيئة (الفلك ) وبين الوارد من نصوص القرآن الكريم في ذلك … وصولاً إلى كتاب “خلق الإنسان بين الطب والقرآن” لمحمد على البار، وجهود د. زغلول النجار .

إن هذه الرؤية الجماعية تتطلبها ضرورة صيانة القرآن الكريم عن أية أفهام خاطئة أو متسرعة، ولو بدافع “الحرص على تسجيل السبق لصالح القرآن، والنية الحسنة لخدمة الإسلام”. كما تتطلبها تشعب وتَسارُع النظريات المعرفية والعلوم الحديثة؛ بحيث أصبح من الضروري تكوين محاضن جماعية لتبادل الآراء، والتشاور في كل جديد، بما يواكب العلم ويحفظ للقرآن والسنة مكانتهما بعيدًا عن التلاعب أو الخفة في التناول.

مدار الساعة ـ