مدار الساعة - تعامل نوح عليه السلام بسنة الأخذ بالأسباب؛ لنشر دعوته والتمكين لدينه، ويظهر ذلك في أمور عديدة:
إنَّ من سنن الله في كونه وشرعه تحتم علينا الأخذ بالأسباب كما فعل ذلك أقوى الناس إيماناً بالله وقضائه وقدره وهو رسول الله ﷺ، لقد قاوم الفقر بالعمل، وقاوم الجهل بالعلم، وقاوم المرض بالعلاج، وقاوم الكفر والمعاصي بالجهاد، وكان يستعيذ بالله من الهمِّ والحزن والعجز والكسل، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوت سنة، ولم ينتظر أن ينزل عليه الرزق من السماء، وقال للذي سأله: أيعقل ناقته أم يتركها ويتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل، وقال ﷺ: “وفرّ من المجذوم فرارك من الأسد”.
وما غزوات الرسول – ﷺ- المظفرة إلا مظهراً من مظاهر إرادته العليا التي تجري حسب مشيئة الله وقدره، فقد أخذ الحذر وأعد الجيوش وبعث الطلائع والعيون، وظاهر بين درعين، ولبس المغفر على رأسه، وأقعد الرماة على جبل الرماة، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، وهاجر بنفسه، واتخذ أسباب الحيطة في هجرته، وأعد الرواحل التي يمتطيها والدليل الذي يصحبه، وغير الطريق واختبأ في الغار، وكان إذا سافر في جهاد أو عمرة حمل الزاد وهو سيد المتوكلين.
إنَّ قدر الله حق وقدر الله نافذ، ولكنه ينفذ من خلال السنن التي قام عليها نظام الكون من خلال الأسباب التي خلقها سبحانه وسرعها، وليستقيم عليها أمر الوجود ونظام التكليف، فهذه السنن والأسباب جزء لا يتجزأ من قدر الله الشامل المحيط.
إنَّ قصة نوح عليه السلام تعلمنا الأخذ بالأسباب والعمل على استقصاء تلك الأسباب للوصول إلى المراد خاصة بالمواقع الصعبة التي تواجه الأفراد والشعوب والأمم، وقد جعل الله نجاة نوح ومن آمن معه بصناعة السفينة وبإتقان علم صناعة السفن وقوانينها في البحار، وكان لنوح عليه السلام والذين معه همة وعزيمة في استيعاب العلوم الربانية التي ساعدتهم على إنتاج هذا الصرح الحضاري الكبير.
لقد أخذ نوح – عليه السلام – بتوجيه الله تعالى له وحمل من كل زوجين اثنين معه، وكان ذلك سبباً في انطلاق الحضارة الإنسانية الثانية وازدهارها.
ويظهر لنا تعامل نوح – عليه السلام – بسنة الأخذ بالأسباب في أمور كثيرة من أهمها: