مدار الساعة - نورالدين قلالة
توفي، يوم الجمعة الماضي، 19 مارس 2021 الموافق لـ6 شعبان 1442، رئيس رابطة العلماء السوريين العلامة البارز الشيخ محمد الصابوني حيث يقيم مؤخرا، بولاية “يالوفا” التركية عن عمر تجاوز الـ 90 عاما. ويعد الشيخ الصابوني من أبرز علماء أهل السنة والجماعة في العصر الحديث، ومن المتخصصين في علم تفسير القرآن، وأحد أبرز العلماء وأشهر المفسّرين والمصنّفين في علم التفسير والحديث والقرآن. وهو مؤلف كتاب “صفوة التفاسير”.
اختارته جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم ليكون شخصية العام الإسلامية لعام 2007، وذلك لجهوده في خدمة الدين الإسلامي من خلال العديد من الكتب في المؤلفات وخاصة تفسير القرآن.
مولده ونشأته
ولد الشيخ محمد علي الصابوني في1 يناير 1930 بمدينة حلب السورية، في زمن الانتداب و”الجمهورية السورية الأولى”، وتعلم أولا على يد والده الشيخ جميل الصابوني أحد كبار علماء حلب، ودرس علوم اللغة والدين على يد شيوخ المدينة مثل محمد سعيد الإدلبي ومحمد راغب الطباخ.
التحق بثانوية حلب الشرعية (الخسروية)، حيث درس علوم التفسير والحديث والفقه والعلوم الطبيعية ليتخرج منها عام 1949، وابتعثته وزارة الأوقاف السورية ليدرس في الأزهر الشريف على نفقتها، حيث نال شهادة كلية الشريعة عام 1952 وحصل على درجة التخصص “العالمية” في القضاء الشرعي عام 1954.
حياته ونشاطه العلمي
بعد أن أنهى دراسته في الأزهر، عاد الشيخ محمد الصابوني إلى سوريا ليعمل أستاذاً لمادة الثقافة الإسلامية في ثانويات حلب، وبقي في مهنة التدريس حتى عام 1962. بعد ذلك انتدب إلى المملكة العربية السعودية لكي يعمل أستاذاً مُعاراً من قِبل وزارة التربية والتعليم السورية وذلك للتدريس بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وكلية التربية بالجامعة بمكة المكرمة، فقام بالتدريس فيها لمدة اقتربت من الثلاثين عامًا. قامت بعدها جامعة أم القرى بتعيينه باحثاً علمياً في مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي. قام بعد ذلك بالعمل في رابطة العالم الإسلامي كمستشار في هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ومكث فيها عدة سنوات.
للشيخ محمد الصابوني نشاط علمي واسع، فقد كان له درس يومي في المسجد الحرام بمكة المكرمة يقعد فيه للإفتاء في المواسم، كما كان له درس أسبوعي في التفسير في أحد مساجد مدينة جدة امتد لفترة ما يقارب الثماني سنوات فسّر خلالها لطلاب العلم أكثر من ثلثي القرآن الكريم، وهي مسجلة على أشرطة كاسيت، كما قام الشيخ بتصوير أكثر من ستمائة حلقة لبرنامج تفسير القرآن الكريم كاملاً ليعرض في التلفاز، وقد استغرق هذا العمل زهاء السنتين، وقد أتمه نهاية عام 1419 هـ.
57 كتابا و600 حلقة تلفزيونية في التفسير
تولى الراحل الشيخ محمد الصابوني رئاسة رابطة العلماء السوريين، وبلغ عدد مؤلفاته 57 كتابا، أبرزها “صفوة التفاسير” الذي صدر قبل 40 عاما، وضم خلاصة أقوال أئمة التفسير ومعاني الآيات ودلالتها بأسلوب ميسّر، إضافة إلى “مختصر تفسير ابن كثير”، و”مختصر تفسير الطبري”، و”التبيان في علوم القرآن”، و”روائع البيان في تفسير آيات الأحكام”، و”قبس من نور القرآن”.
كما حظيت شاشات التلفاز بفرص وفيرة من علم الشيخ الصابوني، إذ سجل الراحل أكثر من 600 حلقة تلفزيونية في تفسير القرآن الكريم كاملاً، ليعرض في القنوات السعودية، وقد استغرق هذا العمل زهاء سنتين، وفي آخر حياته انتقل للعيش في تركيا متفرغاً للعبادة والتأليف.
ألّفَ الشيخ الصابوني عدداً من الكتب في عددٍ من العلوم الشرعية والعربية، وقد ترجمت مؤلفاته إلى عدد من اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية والتركية، من بين هذه الكتب ما يلي:
- صفوة التفاسير، وهو أشهر كُتُبه.
- مختصر تفسير ابن كثير
- التفسير الواضح الميسر
- فقه العبادات في ضوء الكتاب والسنة
- فقه المعاملات في ضوء الكتاب والسنة
- المواريث في الشريعة الإسلامية.
- من كنوز السّنّة.
- روائع البيان في تفسير آيات الأحكام.
- قبس من نور القرآن الكريم.
- السنة النبوية قسم من الوحي الإلهي المنزّل.
- موسوعة الفقه الشرعي الميسر (سلسلة التفقه في الدين).
- الزواج الإسلامي المبكر سعادة وحصانة.
- الهدي النبوي الصحيح في صلاة التراويح.
- إيجاز البيان في سور القرآن.
- موقف الشريعة الغرّاء من نكاح المتعة.
- حركة الأرض ودورانها حقيقة علمية أثبتها القرآن.
- التبيان في علوم القرآن.
- عقيدة أهل السنة في ميزان الشرع.
- النبوة والأنبياء.
- رسالة الصلاة.
- المقتطف من عيون الشعر.
- كشف الافتراءات في رسالة التنبيهات حول صفوة التفاسير.
- درة التفاسير (على هامش المصحف).
- جريمة الربا أخطر الجرائم الدينية والاجتماعية.
- شبهات وأباطيل حول تعدد زوجات الرسول.
- رسالة في حكم التصوير.
صفوة التفاسير
يعتبر كتاب “صفوة التفاسير” أشهر كتب العلامة الشيخ محمد الصابوني، وهو كتاب تفسير للآيات القرآنية، وبيان معانيها ودلالاتها، وما يؤخذ منها، اعتمد مؤلفه على أهم المصادر لتفسير القرآن الكريم المأخوذ بها من أوثق كتب التفسير للأئمة المتقدمين، ويذكر أيضا أقوال المتأخرين.
ويتضمن كتاب صفوة التفاسير خلاصة أقوال أئمة التفسير، بأسلوب ميسر يسهل فهمه على المتعلم والقارئ، وعبارات واضحة ومفيدة، يهتم بتفسير المعاني اللغوية، والأساليب البلاغية، وما تضمنته الآيات من الدلالات والأحكام.
وقد تم الاعتماد في أساليب التفسير على بيان المعنى الإجمالي، بين يدي السورة، وتوضيح المقاصد التي تستفاد منها. أوجه المناسبة بين الآيات السابقة والآيات التي تليها. التحليل اللفظي لمفردات اللغة وبيان الاشتقاقات اللغوية والشواهد من اللغة العربية. ذكر سبب النزول للآيات. تفسير الآيات القرآنية. بيان الأساليب البلاغية في الآيات القرآنية وما تضمنته من الكنايات المجاز والاستعارات، وتوضيحها بطريقة يسهل فهمها، ويذكر ما يوجد من الأوجه البلاغية.
وقد تحدث الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله- عن كتاب “صفوة التفاسير” فقال: “الثقافة القرآنية تحتاج إلى قلم سهل العبارة، فياض الأداء، بعيد عن المصطلحات الفنية، والمناقشات الفلسفية، همه الأكبر إبراز السياق السماوي، والوصول به إلى نفوس الجماهير دون تكلف أو التواء”.
واعتبر الغزالي أن فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني “نجح في تحقيق هذه الغاية؛ إذ يسر تفسير الكتاب العزيز، وجمع في تفسيره جُملاً من أقوال الأئمة تتضمن خلاصات علمية وأدبية جعلته غنيًا بالحقائق، والحكم النافعة”.
وأضاف “قد لاحظنا أن الشيخ محمد علي الصابوني قرن في تفسيره بين كثير من مأثورات السلف واجتهادات الخلف؛ أي أنه جمع بين المنقول والمعقول- كما يقولون- فيستطيع القارئ أن يرى أمامه اللونين معًا، وأن ينتفع بخير ما في الطريقتين .