مدار الساعة - محمود كريشان - نستنشق عطر البطولات ونحن نطالع فجر 21 آذار 1968 وابطال الجيش العظيم تعاهدوا على الشهادة حتى تظل جذوع السنديان راسخة في اعالي السلط، وحتى لا ينشر الغزاة القتلة سوادهم على رمالنا، واحقادهم على ابواب مدارس اطفالنا، واوقدوا قناديل الغضب والنار في البواريد الاردنية، وثأرهم المخبوء من حزيران وقد اقسموا ان دم فراس العجلوني ومنصور كريشان وموفق السلطي وصالح شويعر ومحمود الحكوم عبيدات وعلي الشبول وكل شهداء الجيش الابرار.. لن يذهب هدرا.. وكان الثأر العنيف في يوم الكرامة.. دبابات بوسط البلد وهنا.. يستذكر ابناء عمان القديمة تلك الحرب الخالدة وكيف عمت الاحتفالات في ارجاء المدينة فرحا بنصر الجيش العربي في معركة الكرامة، وكان احد ابناء عمان القديمة المرحوم الحاج راتب الشربجي ابوشفيق قد قال: ما اعرفه هو ان جنود العدو الاسرائيلي فروا هربا تاركين معدات عسكرية مختلفة من دبابات ونصف مجنزرات احضرها نشامى الجيش العربي الباسل لتعرض على الناس أمام المدرج الروماني بوسط البلد، وبداخل البعض منها جنود صهاينة مكبلين بالجنازير، بعد ان قتلوا خلال المعركة.
ساحة المدرج الروماني: اما التربوي الدكتور محمد ابوعمارة مدير عام مدارس الرأي فيقول: ما أعرفه ورأيته كما رآه غيري آليات العدو التي تركت في أرض المعركة وتم سحبها وقد شاهدها المواطنون من كل انحاء المملكة في ساحة المدرج الروماني في عمان وسط مظاهر احتفالية وحضور فرق موسيقات الجيش وقام تجار وسط البلد بإقامة اقواس النصر في شوارع الهاشمي وفيصل وطلال بوسط المدينة وقد تزينت برايات الاردن وصور جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه.
شهداء في الحسيني ايضا: إن ابناء عمان القديمة يتذكرون تشييع كوكبة من الشهداء الابرار في منتصف شهر شباط 1968 قبل معركة الكرامة بشهر من المسجد الحسيني الكبير اثر اشتباكات مع جيش العدو حيث تصدى رجال كتيبة الحسين الثانية الباسلة «كتيبة أم الشهداء» لقطعان العدو الصهيوني بمواجهة عُرفت بمعركة الثماني ساعات او معارك الاستنزاف بمنطقة ام قيس في شمال الاردن يوم 15 شباط عام 1968 وقد تمت الصلاة على الشهداء في المسجد الحسيني بوسط البلد في مراسم شعبية حاشدة حيث اكتظت الجموع فوق الابنية المحيطة وضاقت شوارع عمان القديمة بالالاف من الذين شاركوا في تشييع جثمان الشهداء الابطال الذين تصدوا لقطعان العدو الغاشم، والشهداء هم قائد الكتيبة الرائد الركن منصور كريشان، والعريف محمود عيد قاسم النسور، والجندي اول عوض محمد ابراهيم الجراح، والجندي منير احمد ابراهيم المصري، والجندي احمد حسن عبدالرحمن، والجندي محمد عقلة مصطفى عبدالرحمن، والجندي احمد عبدالله حسين، وعلي حسين العمري.
شاهد عيان من الذين شاهدوا بأعينهم جانبا من بطولات الجيش الاردني في معركة الكرامة موجه مبحث اللغة الانجليزية في مدارس وكالة الغوث سابقا التربوي بكر خليل ابوبكر خص «الدستور»، بحديث عن هذه المعركة الخالدة؛ إذ قال: قبل ان نتحدث عن ذكرى معركة الكرامة يجب ان نتوقف عند جلالة المغفور له الملك الحسين الذي علمنا ان نقتدي به كونه وفي معظم جولاته وحياته يتجول بالفوتيك والزي العسكري ليرمز الى الجيش العربي المصطفوي، وكان «رحمه الله» يُصر على ان يقوم بتخريج طلاب التوجيهي في آواخر الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في كل مدن الاردن وفلسطين ويكون التخريج في معسكر للجيش الاردني، فمثلا طلبة كلية الحسين بن علي في الخليل تخرجوا على يد جلالته في معسكر كفار عصيون وكان خريجو القدس الرشيدية والابراهيمية في معسكر النبي يعقوب، وطلاب الهاشمية في رام الله وثانوية البيرة في مقر لواء الامام علي بن ابي طالب، وكان هذا الجيش العظيم مفضلا ومحببا لكل المتفوقين في العلم ان ينخرطوا في القوات المسلحة الاردنية ويفتخروا بارتداء البزة العسكرية. ختاما.. انه الأردن هذا الحمى الذي يتعرّف وجهه في مرايا الكرامة.. ويتلألأ اسمه في كواكب الشهادة.. ومزامير النصر.. يقرؤونه في فرح المغامرة، وأبجدية الاقتحام.. وعلى معاطف الجنود المسافرين إلى الكبرياء.. يقرؤونه في جراحهم المشرقة تحت الشمس كأحجار الياقوت.. وحقول شقائق النعمان والدحنون..ويكتشف الأردن صوته في رصاص مقاتليه... لا في حناجر مغنّيه !