لا ينبغي الحديث عن الفوز الكبير لروحاني بحوالي 60 في المئة من أصوات الناخبين، من دون التذكير بأن ذلك لم يأت في ظل أجواء عادية، بل بوجود منافس قوي (رئيسي) تم تمهيد الطريق له بإخراج منافسيه من ذات اللون، والأهم، بتوظيف أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والدينية لصالحه. بل إن خامنئي نفسه لم يتردد في الحديث مباشرة إلى الشعب داعيا إياه إلى انتخاب رئيسي، وإن بشكل غير مباشر، ومعه سائر رموز المحافظين.
والخلاصة أن روحاني حقق فوزا في أجواء محمومة، ما يعني أنه فوز مستحق لا يمكن تجاهل رسائله الكبيرة بأي حال، لا سيما أن نسبة التصويت كانت كبيرة أيضا، تجاوزت السبعين في المئة.
نفتح فاصلة في هذا السياق، لنشير إلى أن إعلام التابعية الإيرانية الناطق بالعربية كان أقرب إلى الجزم بسقوط روحاني، بل إن بعضه لم يخجل من القول إن فوز رئيسي من الجولة الأولى وارد أيضا، ما يعكس حجم الهواجس التي يحملها هؤلاء حيال روحاني.
الأصوات التي حصل عليها رئيسي تؤكد بدورها أن هناك انقساما في المجتمع الإيراني، وهو انقسام فيه بعض الأيديولوجيا، لكن الجانب الأبرز فيه هو أن أكثرية أصواته جاءت من الأرياف والمناطق الفقيرة التي يمكن التلاعب بها دينيا، ومن خلال بعض المصالح، في دولة يسيطر المحافظون على مفاصلها.
الدلالة الأبرز التي يمكن الحديث عنها هنا هو أن صراع الإصلاحيين والمحافظين سيدخل طورا جديدا بعد فوز روحاني، إذ سيسعى الإصلاحيون إلى تحصيل المزيد من أدوات القوة، لكن الآخرين لن يسكتوا بطبيعة الحال، وسيتضح الصراع أكثر في الملف الخارجي، بخاصة التعاطي مع الضغوطات الأمريكية.
والحال أن الأصوات التي حصل عليها روحاني لم تكن بسبب النجاحات الكبيرة التي حققها، وإن حضر نجاحه في إنجاز الاتفاق النووي بقوة، بل هي ردة فعل شعبية على سياسات المحافظين الخارجية التي بددت ثروات البلاد في مغامرات مجنونة. وإذا كان الإصلاحيون قد رفعوا في 2009، شعار “لا غزة ولا لبنان.. كلنا فداء إيران”، فإن النزيف الأكبر منذ سنوات يأتي من سوريا، ثم دخل اليمن على الخط بعد ذلك.
رسالة الشعب الإيراني هي أنه يريد أن يعيش، ويستمتع بثرواته، ولا يريد مطاردة أوهام التمدد الخارجي، لا سيما بعد أن تأكد أنها أوهام بالفعل، إذ ترتطم بالجدار المسدود بشكل واضح.
سيقول البعض: وما الذي يعنينا من هذا كله، ما دامت السياسة الخارجية ستبقى كما كانت بيد المرشد، وهو سؤال منطقي بكل تأكيد، لكن الجانب الآخر الذي لا يمكن تجاهله هو أن خامنئي، أو من سيخلفه لن يكون بوسعه تجاهل رسائل الشارع الواضحة، بخاصة في ضوء استمرار الفشل، وسيضطر إلى الاستجابة لها بهذا القدر أو ذاك بمرور الوقت. ألم يستجب الخميني من قبل لنبض الشارع بوقف الحرب العراقية الإيرانية بعد اليأس من الحسم؟!