أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مستثمرون مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

نظام الأشياء: التفكير في ما بعد الحداثة

مدار الساعة,أخبار ثقافية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - صدر عن سلسلة “ترجمان” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” كتاب نظام الأشياء: التفكير في ما بعد الحداثة، وهو ترجمة سعود المولى ورنا دياب العربية لكتاب ميشيل مافيزولي بالفرنسيةL’ordre des choses: Penser la postmodernité الذي يتناول فيه الفكر الاجتماعي، مدققًا في تداعيات العيش المشترك ومصرًّا على التناقض بين سلطتين: أفقية تفرزها الحكمة الشعبية، وعمودية مستمدة من الله أو من العقائد التوحيدية. كذلك يحلل الظاهرة التي سماها إعادة السحر إلى العالم، وفكرة أن ما بعد الحداثة تتسم بتراجع الفردية في المجتمعات الغربية، وبما عرّفه بالقبلية.

ويعتبر ميشيل مافيزولي عالم اجتماع وأستاذ في جامعة باريس الخامسة. تناولت مؤلفاته مسألة الرابط المجتمعي، وسيادة المتخيّل في الحياة اليومية في المجتمعات المعاصرة، ما ساهم في بلورة مقاربة لأنموذج ما بعد الحداثة. يفوق عدد مؤلفاته ثلاثين كتابًا، أهمها: “مزايا العقل الحساس”، و”المعرفة العادية”، و”دنيا المظاهر وحياة الأقنعة المعاصرة”، و”في الحل والترحال: عن أشكال التيه المعاصرة”، و”تأمل العالم: الصورة والأسلوب في الحياة الاجتماعية”.

أما بالنسبة للمترجمين، فسعود المولى باحث ومترجم وأستاذ جامعي. من مؤلفاته: في الحوار والمواطنة والدولة المدنية”، و”الحوثيون واليمن الجديد: صراع الدين والقبيلة والجوار”، و”السلفية والسلفيون الجدد: من أفغانستان إلى لبنان”، و”من فتح إلى حماس: البدايات الإخوانية والنهايات الوطنية”. ومن ترجماته: “البحث عن التاريخ والمعنى في الدين” لميرتشيا إلياده، و”الإسلام الحنبلي” لجورج مقدسي، و”السياسة الشيعية العابرة للأوطان: الشبكات الدينية والسياسية في الخليج” للورنس لويير، و”مدخل إلى علم اجتماع العلوم” لميشال دوبوا.

أما رنا دياب فهي حاصلة على شهادة الماجستير في اللسانيات من قسم اللغة الفرنسية بجامعة دمشق، ترجمان محلف في محكمة استئناف بواتييه الفرنسية، مدققة لغة صحفية وطالبة دكتوراه في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.

الفكر صدى

يخصص مافيزولي الفصل الأول، “من العلم إلى المعرفة”، لضيق الفكر اليهودي المسيحي. واعتمادًا على التوحيد، فإن الأيديولوجيات السياسية تفسح المجال لشكل من أشكال توجيه العالمة ولبناء جوفي للتضامن المجتمعي الذي يسترشد بمراعاة الروايات الأنموذجية. من الناحية الدينية، الجذور العميقة للعيش المشترك تظهر استمرار العاطفة في المجتمع، من خلال قلب الأفكار المتعلقة بالخيبة من العالم. وتتميز حقبة ما بعد الحداثة بعودة أنماط التفكير الشمولي واستمرارية تعدد القيم بالمعنى الفيبيري، والتي يمكن فهمها من طريق التفكير متعدد الأوجه، تماشيًا مع العصر.

ويرى مافيزولي في الفصل الثاني، “الفكر باعتباره صدى”، أن العالم سيشهد ولادة النسبية العامة التي تتظاهر بأنها نقيض العالمية المفهومة أنه تصورٌ خاص للعالم الوحدوي غير قابل للتجزئة، ويحمل في طياته حقيقة مطلقة. ومن ثمّ، سيكون ضروريًا التكيف – من الناحية المعرفية والطبية على حد سواء – مع اختفاء الحضارة الغربية المتأثرة حتى العصر الحديث بصرامة التقاليد السامية وحصريتها. إلى ذلك، إذا اتسمت الحداثة بتفاقم الأيديولوجيات الموجهة نحو المستقبل بحجة الهدف الأخلاقي، فإن ما بعد الحداثة يُظهر ميلًا إلى التجذر والبحث عن الأصالة المتأصلة في الماضي. وتترجم جذور المجتمعات البشرية المختلفة في جزء كبير منها إلى العودة بقوة إلى الأساطير التأسيسية النموذجية التي تركز على الزمانية الدورية، على حساب أنظمة الفكر من أصل يهودي مسيحي تركز بصفة عامة على الوقت الخطي.

فكر تقليدي

في الفصل الثالث، “الفكر التقليدي”، يقول مافيزولي إن الميثولوجيا المتجددة دائمًا، وكيفما كانت، تعبِّر عن ديمومة العادات والتقاليد في الزمن، أو أيضًا عن واقعة أن تكون التجربة الفردية، سواء كانت واعيةً أم لا، خاضعة بعمقها للتجربة الجمعية. وفي رأيه، تشهد على ذلك أشكال المحاكاة المختلفة التي سمّاها دوركهايم الامتثالية المنطقية، وهذا أيضًا ما أشار إليه غابرييل تارد حين تحدث عن قوانين المحاكاة. ومن المفيد رؤية أن ردات الفعل المتزامنة هذه لا توجد فحسب عند شباب الضواحي، وإنما، وبدرجات مختلفة، في جميع القبائل ما بعد الحداثة: السياسية، والفكرية، والدينية، والثقافية. كما يرى المؤلف أن الاختبار الحر ما عاد صالحًا، وما عادت روح النقد هي السمة المميزة الجوهرية للحظة الراهنة.

ويقول مافيزولي، في الفصل الرابع، “أن تعلم الشيء يعني أن ترى الـ هذا”، إن على عكس الرؤى الكونية ذات الانتماء الأيديولوجي، أي المحض نظرية، “فإن تجربة الفكر الظاهراتي هي صنيعة أولئك الرؤيويين الذين تعتمد المساءلة الحقيقية، بالنسبة إليهم، على واقعية إمبيريقية لا محالة”. واقعية بمعنى عودة إلى أس المسألة، إلى الشيء ذاته باعتباره عنصرًا لا يمكن دحضه، وهو عنصر لا يمكننا اقتصاده، وانطلاقًا منه يبدأ تحديد المسار، أي النهج الاستقرائي. فما عاد الأمر يعني الاستنتاج على قاعدة أنا أفكر: أو انطلاقًا من أفكار قبْلية، لكنه العودة إلى الأسس التي تذكّر بكل ما يدين به الإنسان لطبيعته الأولى: ما هو غريزي وفطري وحتى حيواني. وفي هذا السياق، يقول: “كنت قد سمّيت ذلك فكر البطن، الأمر الذي أثار استياء بعضهم، بمعنى أنه إدراك مفتوح يعرف قيمة مساهمة الشهوات، والعواطف، والتأثيرات الأخرى الجمعية، وباختصار التمكن من معرفة رؤية الوقائع كما هي، وعرضها بالطرائق المثلى”.

حقيقة وواقع

في الفصل الخامس، “الحقيقة والواقع”، يجد مافيزولي أن “الواقعي الحقيقي” متعدد ومعقد ومكتمل، وأكثر من أن يكون مجرد مفهوم يطمح إلى إنهاك ما يدل عليه وإلى شرحه برمته؛ إذ يقول “فإن الصورة والهيئة والمجاز (نستطيع أن نجد مفاهيم أخرى أيضًا) تكتفي بالإحاطة بجانب اللغز، وتكشف جانبًا من الستر. هذه هي الحقيقة ككشف (Alétheia) يترك السر الإنساني على حاله الكلي، وانطلاقًا من هذا السر، يبدأ الفكر والشعر واهتزازات مشتركة أخرى، والتي هي سبب العيش الجمعي ونتيجته”. بحسبه، يتحدث علماء السوسيولوجيا في هذا المجال عن مزاج توليفي للتدليل على هذا الحيوان الذي يُقايض الذي هو الإنسان. ويضيف هذا “الواقعي الحقيقي” يتجاوز الزمن، بعيدًا من حقيقة قصيرة ومختزلة ببعد واحد تاريخي أو حقيقة اجتماعية أحادية الجانب، وأنه متعدد أساسًا ويبقى في عود أبدي، ويسمح بتأوين – أي بجعله حاضرًا الآن – هذا النظام الأنثروبولوجي أو ذاك، والذي بدوره يُعتبر أنموذجًا أصليًّا.

ويقول مافيزولي، في الفصل السادس، “عن المعرفة الجماعاتية”، إن الكينونة تعني منذ الآن أن يكون الواحد مع الآخر، “فمخلوق الـ Mitmensch في الظاهراتية الوجودية، [هو] الفرد المستقل ذاتيًّا الذي يترك مكانه للشخص الخاضع (لا يتمتع باستقلال ذاتي/ غير متجانس/ متأثر بعامل خارجي)، لتجسِّد الـ ’الكينونة-مع‘ واقعًا حقيقيًّا أنطولوجيًّا. ويصبح التواصل المزدوج هو الأخلاق الأساسية للاندماج التناغمي المجتمعي، لقول ذلك بكلمات أكثر فظاظة، ’هذا‘ يرتجّ بجميع المعاني وفي المجالات كلها. كل شيء جيد: الموسيقى، الرياضة، الدين والمواقع الجمعية، من أجل ’الانطلاق في التلذذ‘، أي عدم الوجود إلا من خلال، وأمام نظر، الآخر”. ويصف المؤلف القوة المجتمعية بأنها إرادة مشتركة، تحشد جميع الطاقات البشرية للتثبت من قيام العيش المشترك وصلابته.

مجتمعية وتفكير شغوف

في الفصل السابع، “مجتمعية حاضرية”، ليس الشخص والقبيلة، بحسب مافيزولي، سوى شاهدين على خلود الزمن، ودورهما “تحديثٌ يومي لما يأتي من ذاكرة سحيقة، يستحضران ما هو جوهري على المدى الطويل. منذ الآن، ومن وجهة نظر ظاهراتية أو تفهمية، فإن اليومي هو حضور الأمد. نستطيع أن نقول كينونة ما هو كائن؟ وفي جميع الأحوال، ما يجعل غير المرئي، من رواسب القرون الماضية، مرئيًّا، أو أيضًا ما يُظهر، بمعناه القوي، جوهر ما هو موجود: هو ’واقع حقيقي‘ أعمق كثيرًا من الواقع الهزيل، وهذا ما يجعل كل لحظة، حتى بتفردها، خالدة!”.

وعلى عكس ما تعود علماء السوسيولوجيا تسميته “اجتماعية” والتي هي الطريقة المتحضرة والمروَضة والبلاطيّة لعيش الرابطة مع الآخر، فإن “المجتمعية” أشدّ تعقيدًا، وتضع كلية الكائن على المحك، وكذلك جانبه المظلم وقسوته المجاورة لإحسانه المضيء. إن الاجتماعية هي التعبير عن العقد الاجتماعي ذي الجوهر العقلاني، “أما المجتمعية فتعاش شيئًا فشيئًا في العقد المجتمعي العاطفي أساسًا. تُسقط الاجتماعية نفسها في المستقبل، بينما تعاش المجتمعية في الحاضر”.

أما الفصل الثامن، “التفكير الشغوف”، ففيه يصف مافيزولي هذا النوع من التفكير بالتحدّي الكبير، “لكنه يعبّر عن التفاعل المستمر الموجود بين الجوانب المتعددة لحياة حية. هناك لحظات يكون فيها التوافق دارجًا، حيث يسبق العضوي الميكانيكي، حيث يوجد انتظام من دون سلطان مهيمن، وللإفصاح عن الفكرة بكلمات متخيلة، هذا هو الموزاييك ما بعد الحديث. في المجالات كلها، يحافظ كل عنصر على خصوصيته، ويندرج في مجموعة، في توازن هو من الأخصب. التفكير الشغوف هو التناغم النزاعي لجميع الإمكانات والمقدرات البشرية، ولقول هذا بكلمة واحدة: هو المجتمعي”. ويضيف أن التفكير بوصفه “حسًا سليمًا” يمثّل طريقة لتصور الواقعي الحقيقي الكامن خلف الواقع، أو بصورة أفضل، لفهم حقيقة الواقعي الحقيقي، وهو دفع ما شكَل اكتشافات بعض المفكرين الرائدين، حتى نتيجته القصوى.

مدار الساعة ـ