بقلم: د.فلاح العُريني
في كل فترة حرجة، ومع كل اخفاق حكومي، نسمع بمصطلح التعديل الوزاري، وكأن هذا التعديل كفارة يمين أو ذنب عظيم، فمفهوم التعديل الوزاري لايعادل صيام ثلاثة أيام ولا اطعام ستين مسكين ولاحتى تعيين ستين جائع..
ليس كل الذنوب لها كفارة، فالقتل العمد لا كفارة له، وسرقة الاوطان وخيانتها لا تعديل ولاتبديل يغسل دناستها..
إن مايجري في وطني بالعرف السائد، وباللغة السياسية، ماهو الا تخبط وجهل..
نحن نتعامل مع حكومة تسرق مصطلحات سياسية واجتماعية دون ان تفهم معناها، ودون ان تملك ادنى قدرة على تطبيقها، فهنالك المصطلحات المسروقة والتي لا سوق لها في وطني مثل:
الديمقراطية، العدالة، التكافل الاجتماعي، سيادة القانون، دولة المؤسسات، وغيرها من هذه المصطلحات التي لا تركب على ديدن الحكومة..
فلو عدنا إلى مفهوم التعديل الحكومي في بلدان العالم الديمقراطية لوجدناه تعبيراً حقيقياً عن حركة اصلاح حقيقية وحركة تصحيحية داخل الجسم الحكومي نفسه، لتستطيع معه الحكومة متابعة مهامها وفقا للبرنامج الحكومي الذي اخذت الثقة بموجبه.
والتعديل الحكومي في الدول الديمقراطية له اسبابه ومبرراته، وله ايضا شروطه..
فموت احد اعضاء الحكومة او فقده لأهليته او رفع الحصانة عنه للمحاكمة او ثبوت تجاوزه لسلطاته او تقاعسه او استغلال الوظيفة العامة، كل ذلك يستوجب اقالته وحرمانه لكافة حقوقه، وتاتي الاقالة بناء على كلمة تقرها السلطة التشريعية ممثلة بنواب الامة واعيانها، وهذا ما لا يحدث في ظل الحكومات الأردنية على امتداد الحقبة السياسية الأردنية..
فإذا ماتعمقنا بآلية التعديل الحكومي والذي اصبح عرفا حكوميا لاتنقضي معه مدة الشهرين والثلاثة الا وقد فاح عبيره الاخَّاذ، وكأننا على ابواب المخابز ننتظر الدور، فنستطيع ان نخرج بالملاحظات الحرجة التالية:
أولاً: التعديل الحكومي ليس له اسباب مقنعة حتى وان تظاهرت الحكومة بخلاف ذلك، فإذا كان الاخفاق والتقاعس هو السبب، فهذا يعني تشكيل حكومي وليس تعديل، فالجميع بشرع الله وشريعة الوطن متقاعسون، كما أن معيار التقاعس والاخفاق يجب ان تحدده السلطة التشريعية والرأي العام في الشارع وليس رئيس الحكومة بموجب جلسة غضب او قصاصة ورق..
ثانياً: التعديل الحكومي فيه تهميش وتحقير للشعب من خلال تجاهل السلطة التشريعية والتي تمثل الشعب، فلا رأي لها ولا اعتبار، ولم نسمع ان السلطة التشريعية قد ابدت ملاحظاتها حول عضو حكومي معين مما استدعى عزله، اضف إلى ذلك ان الرأي العام لايعني للحكومة شيء، ودليل ذلك كلنا نسمع بالصخب والغضب الشعبي على بعض اعضاء الحكومة بسبب اخفاقهم وجهلهم وفسادهم الذي اصبح يمس كيان الوطن والمواطن، ورغم ذلك لايشملهم اي تعديل، وهذا دليل على تجاهل ارادة الشعب منذ اللبنة الأولى في نشأة الحياة الديمقراطية في الأردن.
ثالثاً: اجراء أي تعديل حكومي خلال فترة وجيزة جدا من منح الثقة من قبل مجلس الامة، ليس له الا تفسيرين اثنين لاثالث لهما:
إما أن الحكومة في الاصل ليست مناطا ولا اهلا لهذه الثقة، او ان مجلس الامة ليس اهلا لمنح الثقة ولايملك من أمره شيئا، وعليه فإن التعديل الحكومي فيه تطاول على السلطين التشريعية والتنفيذية، وعدم احترام لرأي الأولى واستنكارا لحق الثانية.
رابعاً: جاءت الحكومة الحالية بموجب قرار منح الثقة من السلطة التشريعية، فهذا اشبه بقرار التعيين والذي تملك ارادته السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الامة والذي يتكون من مجلسي الاعيان والنواب، ومن المتعارف عليه ان من يملك حق التعيين يملك حق الاقالة، وقياسا عليه فمن يملك منح الثقة يملك ايضا حجبها وبشكل مطلق لاقيود عليه، وقياسا ايضا على ذلك فإن اي تعديل حكومي يجب ان يأتي من خلال سبيلين:
الاول يتمثل بقيام السلطة التشريعية بإعادة طرح الثقة بأي عضو من اعضاء الحكومة، والثاني بناء على طلب الحكومة نفسها من السلطة التشريعية النظر بإعادة الثقة بعضو معين مرفقة الاسباب الموجبة لذلك، وفي كلا السبيلين تكون الكلمة الفصل للسلطة التشريعية ونكون جميعا امام ديمقراطية حقيقية وموظفة لخدمة الوطن والمواطن وليست ديمقراطية مشوهة وعابرة للمناصب.
خامساً: إن مايحدث الان وعلى الساحة السياسية الداخلية وفيما يتعلق بالتعديل الحكومي يجعلنا نصدر قناعاتنا بعد تمحيص وروية، تلك القناعات التي قطفتها من الرأي العام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي اصبحت التعبير الحقيقي عما يدور في خلد المواطن الأردني، هذه القناعات التي لاتتأثر بالغزل الحكومي والمبررات التي اصبحت اوهن من بيت العنكبوت، لانها مبررات جاءت بناء على مخرجات نعيشها ونتألم منها وقد طالتنا في امننا وقوت يومنا وكرامتنا وحريتنا.
انها قناعات جاءت على اثر سلوكيات متداولة ومتناوبة حكومة بعد حكومة ولارادع لها لغياب الحسيب الحقيقي..
وهذه القناعات هي الآتي:
١. التعديل الحكومي لايخدم الا الحكومة نفسها ولاعلاقة له بخير الوطن وثوابته الوطنية ولا خدمة الامة ولا مراعاة لاحتياجاتها، فمع كل اخفاق حكومي واسقاط في وحل الفساد الذي يتولد عنه سخط شعبي واحتقان مقيت، تخرج علينا الحكومة بتعديل جديد محاولة بذلك اطالة عمرهاأي الحكومة لاطول فترة ممكنة، واخماد الشارع بجرعة مسكنات من نوع (تعديل حكومي)، والضحية في ذلك وزراء عابرون لاثقل لهم ولا سندا، الا ان الظروف والمحسوبيات خدمتهم مناطقيا وعشائريا وربما اسباب اخرى نجهلها، وفي الغالب ليس لهم لاناقة ولاجمل في اي اخفاق حكومي.
٢. التعديل الحكومي وبهذه السرعة دليل على سوء الاختيار، فكيف لوزير ان يسقط في ايام؟
وهذا دليل دامخ كآيات كتاب الله أن التشكيلة الحكومية لاتنتمي لأي كفاءة او جدارة او خبرات وانما الصداقة والمعرفة والواسطة والضغوطات هي الاساس، وفي جميع الحالات يكون الوطن هو الضحية، فأعظم حالات الخيانة أن تضحي بوطن من اجل شخص، فحسبي الله على من خانك ياوطني.
٣. التعديل الحكومي بهذه الطريقة دليل على عدم احترام السلطة التشريعية، وهذا يصيبها بالحرج خصوصا مجلس النواب الذي يعتبر نفسه ممثلا للشعب..
فكيف للحكومة صاحبة الشأن ان تقيل من هو محل ثقة للشعب؟
هذا هو التخبط والاستهتار وشرود الذهن بعيدا عن تقديس المصلحة الوطنية والجنوح نحو الاسقاطات الدستورية والتصرفات الفردية وكأننا خارج غطاء القانون.
٤. التعديل الحكومي وبعيدا عن اعين الشعب وتجاهلا لمجلس النواب تحديدا، والتخبط الذي يحصل كل وقت وحين وتداخل الاختصاصات والصلاحيات، كل هذا ما كان ولن يكون لو كان مجلس النواب على وعي وعلم واطلاع بالقواعد الدستورية والقانونية، ومفهوم مبدأ الفصل بين السلطات وتنازع الاختصاص.
نعم..
نحن امام مجلس نواب نحترم اعضاءه ولكن هذا لايمنعنا من القول ان جلهم وجد في غير مكانه ولايصلح لقيادة المرحلة ولا يملك ادنى مقومات القوة التي تجعله يقف في وجه التمرد الحكومي وطغيانها على الوطن والمواطن، وهذا النقد موجه لاعضاء مجلس النواب تحديدا بصفاتهم الوظيفية وليست الشخصية حتى لا اكون انا ايضا احمقا وضحية للمرة الثانية لقانون الجرائم الالكترونية.
٥. التعديل الحكومي المتعدد والسريع وعرَّابه الرزاز في سابق عهد اصبح سنة متبعة، فالهدف منه تصفية الحسابات مع اي عضو في الحكومة يتجاوز ما كتب له وما دُرِّس عليه، وكأننا امام عريف للصف وتلاميذ صامتون وكل منهم قد وضع سبابته على فمه.
اضف إلى ذلك ان التعديل يأتي مذموما مدحورا حيث تتم اقالة وزير من منصب والتوجه به إلى منصب وزاري او حكومي آخر، فاذا كان قد اخفق في مكانه فليس من المنطق ان يبدع في مكان آخر.
هذا عدا عن طابور المستوزرين والموعودين والذي يجعل الحكومة في حالة تعديل مستمر لاستقطاب المخالطين ومخالطي المخالطين..
وكاننا نقف امام سيارات التبريد التي تحمل الاضاحي بعد موسم الحج، فاصبح الوطن مقطعا الى لقيمات في عيون هؤلاء المخالطين ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم عما يجري في هذا الوطن النازف جرحه.
٦. التعديل الحكومي لاتصح معه الصلاة، فالصلاة في محراب الحكومة لها اركان عدة واهم هذه الاركان تغيير النهج الحكومي، وخلاف ذلك يعد هدرا للمال العام ومضيعة للوقت على حساب الوطن وجره للهاوية لاسمح الله.
ختاماً:
التعديل مع بقاء النهج الفاسد على ماهو عليه، اشبه بالوضوء لصلاة الجمعة وانت على جنابة.