أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

نشأة التَّفلسف في الفكر الاسلامي

مدار الساعة,أخبار ثقافية,المملكة العربية السعودية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

هل نسميها فلسفة عربية أو نسميها فلسفة إسلامية ؟ ما حظ العقل الفلسفي الإسلامي في الإبداع الفلسفي وهل أسهم فعليا في تطوير الفكر الأوربي ؟ ماذا بقي من فكر يمكن لنا التواصل معه من تاريخ الفلسفة الإسلامية كي نربطه بإشكالات عصرنا؟

إنها أسئلة سياقية تعكس هاجس المعاندة مع التَّقولات الاستشراقية بعقم الفلسفة الإسلامية، وتلك الأسئلة تعكس هاجس الاعتراض و بيان قيمة الفلسفة الإسلامية و التفكير العقلي الإسلامي، وكيف أن مصفوفة الفلاسفة المسلمين لهم إبداعاتهم المخصوصة وكيف أنَّهم شَقُّوا عصا الطاعة عن القول الفلسفي اليوناني، واستطاعوا أن يعيشوا تجربة التَّفلسف المخصوصة.

وإذا كانت هذه الاعتراضات لها وجاهتها الدّفاعية في سياقها[1] ، فإن القول الفلسفي اليوم، لابد له من تغيير الأسئلة، واجتياز تلك الحدود التّساؤلية السَّابقة، وطرح أسئلة تلوح بما يناسب في الأفق من تحديات جديدة تواجه الإنسان المعاصر، ولذا فإن دراستها للفلسفة الإسلامية اليوم من اللاَّزم كما أشرنا تجاوز الأسئلة السّياقية السَّابقة، لأنها أسئلة لم تنفتح على مضمون القول الفلسفي الإسلامي، ولم تأخذ بأيدينا إلى بنية تشكّله وبنائه، بل بقيت تحوم حول قضايا دفاعية وتسويغية، تصب أخيرا في توافر الفكر الفلسفي في الإسلام؛ وأن فلاسفة المسلمين قد أبدعوا وهم من أثَّر في أوروبا، وشقَّ لها طريق النَّهضة والثورة العلمية.

وإذ عُرف هذا، فإن أقصر الأقوال وأدلّها للإشارة إلى فصل المقال في هذا الجدل من منظور معاصر ” أن الفلسفة العربية هي جزء لا يتجزأ من التاريخ الفكري للإنسانية …فهي مِثْلها مثل الفلسفة الصينية و فلسفات أخرى، هي واحدة من طرق الولوج إلى تاريخ الحقيقة التي تتقاسمها البشرية وأن يكون هناك مداخل مختلفة لا يعني أن بينها عدم اتصال…وإنما نحن نتواصل فيما بيننا ونعيش على القول المشترك “[2]

إن تدارس الفلسفة الإسلامية من منظور مشكلات وحاجات الإنسان المعاصرة : نظريا وعمليا، هو الذي يعطيها نَفَسَا جديدا، ودورا آخرا، لأنها ” عون على استعادة المبادئ المذكورة التي تنطوي وحدها على اكتشاف معنى وجودنا وغاية عملنا، كما تُعين على تحويل اللُّعبة الذهنية التي تسمى اليوم بالفلسفة إلى حب حقيقي للحكمة و الرؤية التأملية للحقيقة “[3]. وإذ تعين هذا الأمر فإنُّه يمكن صرف القول أيضا إلى أنّ دراسة هذه الفلسفة وفق مدخل تاريخي ومنهجي، يبحث في أصول نشأة التَّفكير العقلي في الفلسفة الإسلامية، وما هي العوامل الكبرى التي أيقظت العقل عند المسلمين، وهل حركة التفكير الفلسفي في نشأتها واجهة إلى عامل واحد أم عوامل عديدة مترابطة ومتكاملة فيما بينها. وإلى هذا السؤال نمضي للإجابة، لها ثمرتها في استحسان الخوض في الفلسفة الإسلامية والسبل الكفيلة نستعيد بها قيمتها التوجيهية ونظامها الأخلاقي .

ولذا فإن خطاب القرآن من حيث البنية خطابا آخذا بالعقل إلى المشاهدة وإلى التفكّر وإلى إحسان العمل وإلى إعادة بناء العلاقة الصحيحة بين الله والإنسان، بعد أن تشوشت واضطربت في أنساق الأديان الأخرى ( التَّجسيم اليهودي أو التثليث المسيحي ). فضلا عن إعادة بناء مفاهيم أساسية في رؤية الإنسان إلى العالم مثل مفهوم العلم و الحكمة والعمل و الأخلاق و الدنيا ونموذج الحياة الملائم للإنسان وكيفية التعامل مع الآخر وغيرها .

وتأكيدا على الأهمية الحاسمة للفكر و العلم في الإسلام يقول “فرانز روزنتال”في كتابه “العلم في تجلّ” مفهوم العلم في الإسلام، في القرون الوسطى: “فكلمة علم هي أحد تلك المفاهيم التي سادت في الإسلام، ومنحت الحضارة الإسلامية شكلها ولونها المتميّزين، في الواقع، لم يكن لمفهوم آخر أثر في تحديد تكوين الحضارة الإسلامية بشتى جوانبها كما كان للعلم. ويسري هذا القول حتى على الأقوى من بين مصطلحات الحياة الدينية الإسلامية، كالتَّوحيد والتَّسليم بوحدانية الله على سبيل المثال، والدين الحق وغيرهما من المصطلحات التي تستخدم على الدَّوام، وبنبرة حاسمة؛ إذ ليس منها ما يضاهي كلمة العلم في عمق المعنى وسعة الاستخدام. ولم يبق جانب من جوانب حياة المسلم الفكرية والدّينية والسياسية، أو حياة عامة المسلمين اليومية، بمعزل عن النَّظرة السائدة تجاه العلم كشيء بالغ الأهمية في وجود المسلم. فالعلم هو الإسلام، وإن تردَّد علماء العقيدة في قبول الاصطلاح على صحة هذه المعادلة، فجدالهم المحموم حول هذا المفهوم هو برهان بحد ذاته على أهميته في صميم الإسلام.”[5].

وهذا القول يعد شاهدا قويا على أن البنية الدينية الإسلامية لا تقطع مع حركة العلم أو حركة الفكر، و الأقوى أنّها تتأسس عليها، فالفكر و العلم و الاعتبار و التفكّر هي المبادئ التي اجتهد وفقا لمطالبها نظام المعرفة في الإسلام.

ثم يستفاد بها أيضا من اللذّة العقلية التي تصفو باستعمالها ومن الطمأنينة في المعارف ما تصير به النّفس من ذاتها أحد الدعاة إلى اقتباس الحكمة، لا لتجلب بها حمد الإخوان، بل لتغتبط بإصابة الحق من جهتها وروح اليقين “[6] و الثاني، . كان الدافع هو البحث عن الحكمة وأنّا وجدها فهو حقيق بها. ولهذا كان الانفتاح من موقع قوة ومن موقع إيمان بالبحث عن ما ينفع لدى المجتمعات الأخرى. ولأجل هذا يمكن القول أنّه “منذ بداية العصر الإسلامي، كان هناك تنوّع في مسائل الكلام والفلسفة والاعتقاد، وقد ساهم هذا التنوع في إضفاء صيغة التَّعددية في الإسلام، حتى على مستوى المذهب الفقهي الواحد، إننا وعندما نتحدث عن الإسلام لابدّ لنا من معرفة أنَّ الدين الإسلامي وعلى المستوى الفكري والعقلي والكلامي لم يؤسّس لمعرفة واتّجاه فكري واحد، بل إنَّ حالة التنوّع فيه واضحة لذي عينين، والتوحيد هو المحور الرابط بين عناصر التنوع تلك، إنَّ الإسلام وعبر القرون استطاع أن يقدّم أغنى الأطروحات الفلسفية والفكرية، بنحو يمكن معه أن يقال: إنها تعادل في عمقها وتنوعها الأفكار والأطروحات العقلية في الهند والصين والغرب المسيحي”[7].

وفضلا عن هذا، فقد تصدى فلاسفة الإسلام إلى من عاند الحكمة الآتية من بلاد اليونان، واعترض عليها بحجة اختلاف آراء الفلاسفة في مسائل العلم الإلهي و العلم الطبيعي و الرياضي و الأجزاء الأخرى من العلوم العملية، ومستلزم هذا، أن البيئة الإسلامية كان مبناها الاختلاف و ليس المطابقة، الانفتاح و ليس السياجات المغلقة، واعترضوا على المتقوّلين من دوائر علم الفقه و الحديث، أن العلوم الحكمية مضادة للعلوم الدينية، وأن من مقال إليها فقد خسر الدنيا و الآخرة ” و ليس الأمر كذلك، بل توجد أصولها (أي العلوم الحكمية) وفروعها عقائد موافقة للعقل الصّريح، ومؤيّدة بالبرهان الصّحيح؛ حسب ما توجد العلوم الملية. وعلوم أن الذي حقّقه البرهان وأوجبه العقل، لن يكون بينه و بين ما يوجبه الدين الحق مدافعة و لا عناد”[8].

هكذا، إذن ، كان الانفتاح و الإقبال على علوم الأوائل؛ عامل من عوامل اتساع الحضارة الإسلامية انطلاقا من الفلسفة، فالفلسفة ضمن هذا السياق هي التي جعلت مقالات الفلاسفة اليهود و المسيحين في تواصل دائم مع مقالات فلاسفة الإسلام كما كان الشأن في الأندلس، وهنا لابد من صرف القول إلى أن الفلسفة كما قامت بدور الانفتاح و التعدد واستطاعت أن تلون نسق الحضارة الإسلامية بالطابع النّسقي التَّعددي، فهي الآن أيضا قادرة على استعادة هذا الدور في التواصل الانفتاحي مع الفلسفة الغربية وإمكانية التحاور بمنطق العقل السليم وآداب الحوار و المناظرة.

وعندما نقلت الفلسفة وحدث خلاف حول قيمتها بحجة أن الفلاسفة بينهم الاختلاف و التَّعارض، جرى تبني طريقة أخرى هي : استبدال كلمة الفلسفة بكلمة الحكمة، و الحكمة مشتقة من أسماء الله الحسنى ” الحكيم “، وأيضا البحث في نصوص الفلاسفة خاصة بين أفلاطون وأرسطو على المشتركات العقلانية، كما أنجز ذلك الفارابي في مصنفه : كتاب الجمع بين رأي الحكيمين . وعلى الجملة استطاع المسلمون من خلال الترجمة أن يترجموا نصوص الفلاسفة اليونان، وأن يشتبكوا معها نقديا وأيضا استيعابيا، وأن يفصلوا بين القضايا الإلهية الجارية على عادات اليونان في الاعتقاد، وبين القضايا العلمية التي تتجلى في مباحث الطبيعيات و الرياضيات و المنطقيات.[10]

وبناء على هذا المعنى الشمولي للأخلاق فإنَّ العلوم والمعارف يكون قصدها الأمتن هو المجاهدة لأجل بلوغ هذه الفضائل، لأنها تُكَمّلُ الجزء المقسوم من علاقة الأخلاق بالعلوم، الذي دخل إلى كياننا المعرفي من الموروث الفلسفي اليوناني المعروف في فلسفة الأخلاق بنظرية الفضائل؛ باعتبارها أربعة فضائل هُنَّ كالأمهات، وعنهما تتفرع الفضائل الأخرى :الحكمة والعدالة والشَّجاعة والعفة، والغاية التي تتسلسل إليها هذه الفضائل عند أرسطو هي التلذُّذُ بالسَّعادة القصوى، التي تعرف أسمى تجلّ لها في حياة التأمُّل العقلي.

وهذه الفضائل الأربعة تنحصر في الإنسان و لا تتعداه إلى الموجودات الأخرى ، بمعنى أن مفهوم الفضيلة الأرسطي غير تكاملي أو اتساعي، بينما تترسَّم دلالة المعنى الانفتاحي في السياق الثقافي الإسلامي.

هذا الاختصاص بانفتاحية الأخلاق عكس حصرها في الفضائل الأربعة كان قد تَلحّظه الأخلاقي الكبير؛ محيي الدين ابن العربي عندما طرح سؤال الكم في عدد الأخلاق قائلا: “لما كان السؤال “كم خزائن الأخلاق؟

الجواب على عدد أصناف الموجودات وأعيان أشخاصها، فهي غير متناهية من حيث ما هي أشخاص، ومتناهية من حيث ما هي خزائن، وسميت خزائن لكون الأخلاق مخزونة فيها اختزانا وجوديا وإنما جعلت خزائن لما تتضمنه في حُكْمِ من اتصف بها من الصفات التي لا نهاية لوجودها. “[12]

إن المنحى الأخلاقي للشَّريعة كان له أثر بالغ في نشأة التصوف، الذي هو جزء أساسي من أجزاء الفلسفة الإسلامية، فالحاجة إلى إلباس الشَّريعة اللّباس الأخلاقي والاتصال الروحي بالأسماء الإلهية كان عاملا قويا من عوامل نشأة التصوف، ولذا لا عجب أن نجد الجرجاني يعرّف الفلسفة بأنّها ” التشبّه بالإله بحسب الطَّاقة البشرية لتحصيل السَّعادة الأبدية كما أمر الصادق صلى الله عليه وسلّم في قوله ” تخلّقوا بأخلاق الله “، أي تشبّهوا به في الإحاطة بالمعلومات و التجرّد عن الجسمانيات”[13].

وإذ عرف هذا، فإن من أقوى العوامل التي أسهمت في نشأة التفكير العقلي عند المسلمين كما قلنا هي :

العامل القرآني الذي أعاد بناء العقل بأن حفَّز للتفكير واعتبر أن السمع و البصر و الفؤاد ( أي أدوات المعرفة ) هي مناط المسؤولية، فالإسلام يمكن أن يكون تبعا لهذا، ضمن بنيته النّظرية والاعتيادية المنهجية، قابلا للإقرار بالعناصر الثلاثة التالية :

أ‌. التعددية “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة” ففي داخل الإسلام نفسه، كما بينه و بين الأديان الأخرى تبرز هذه التعددية.

ب‌. الحرية : فالنّاس أحرار حيال ما يلبي مصالحهم (مشروطية المصلحة)

ت‌. الثالثة : هو إنّه يحتمل التأويل، ويطالب به”[14]

الانفتاح الواعي على الثقافات الأخرى مثل الثقافة اليونانية و الثقافة الهندية واستجلاب العلوم منها قصد الانتفاع بها فيما يمكن أن نسميه بـــ ــ :التكامل المعرفي و المعرفي .

عامل الترجمة، لأنها بوابة المعرفة الفلسفية مع الثقافة اليونانية و العامل المهم في تنمية التفلسف.

الطابع الأخلاقي للشريعة، وليس الطابع القانوني ، فالشريعة تعلم الإنسان الفضائل و القيم الروحية التي يغرسها الإنسان في نفسه حتى تصبح بالنسبة له عادة وطبعا راسخا. [15]

وهكذا، فإنّه لازال في الفلسفة الإسلامية من إمكانات تحتاج إلى استخراجها وجمعها ونشرها، كي نجد الفلسفة في ذواتنا وفي مكنونا الرُّوحي المفقود اليوم.

مدار الساعة ـ