كتب: الدكتور ذوقـان عبيـدات
تطور الخطاب الجندريّ عبرالتاريخ وفق تطورات الحياة الاجتماعية، والاقتصادية فحين كان الرجل البدائي هو من يجلس في البيت والمرأة تعمل، كان يتزين استعدادا لعودة المرأة، ولذلك كان الرجل "وزيرا للداخلية" والمرأة "وزيرة العمل والشؤون الخارجية"، وبانقلاب الحياة البدائية إلى الحياة الزراعية تغيرت الأدوات تماما وصار الرجل مزارعا والمرأة تدير شؤون البيت، يبدو أن هذا الوضع استقر واستمر وأنجب ثقافة ذكورية امتدت حتى العصر الصناعي، وبقي الرجل منتجا والمرأة منتظرة عودته!
وهكذا انقلب الانتظار، وصارت حياة المرأة سلسلة من الإنتظارات على حد قول أكبر فيلسوفات الجندر . "سيمون دي بوفوار " فالمرأة تنتظر البيت حتى يتسخ لتنظفه، وتنتظر الماء حتى يغلي لتغسل الغسيل، وتنتظر الأطفال حتى يصحوا لتعد الطعام، وكذلك تنتظر الرجل حتى يعود !!.
وفي نهاية العصر الصناعي الذي لا زالت ثقافته مستمرة في المدرسة والبيت والعمل ، وبتأثير من الديمقراطية وحقوق الإنسان ، والمنظمات النسائية ،وبداية الثورة المعرفية، فإننا نشهد بداية تغيرات حاسمة:
- العودة إلى العمل في المنزل
- والدراسة في المنزل
عاد البيت وحدة إنتاجية، لكل فرد دوره الإنتاجي، تغيرت وستتغير قيم وثقافات، ولن يكون للتمييز أي مبرر، فنحن نعيش بداية ثقافة جديدة اسمها ثقافة "بلا" أو "بدون" :
- طائرات دون طيار
- مدارس بلا معلمين
- مستشفيات دون أطباء
- مصانع دون عمال
- زراعة دون فلاحين
لذلك قلّ الدور البشري الذي كان مسيطرا عليه الرجال، وقلت بذلك سلطة أي رجل بل وأي مسؤول:
قلت سلطة الدولة وسيادتها على أرضها، وقلت سلطة الحاكم والوزير والمدير، وقلت سلطة الشرطي والأب والمعلم .
لذلك فإن من الحق الحديث عن خطاب جندري جديد.
حين كان صاحب السلطة مستبدًا كان خطاب الجندر استعلائيا:
كان يتحدث عن جمال المرأة وأناقتها وزينتها باعتبارها متعة وليست إنسانا!
وحين تواضع الخطاب الذكوري اعترف بالمرأة كمكملة للرجل، فهي تكمل ما نقص فقط ! أو كما يقال في لبنان " فواكهة على المائدة" !
ثم تطور الخطاب بكل خبث – وربما .تبنته منظمات نسائية حقوقية لتشيد بالمرأة على أساس أنها :
- أخت الرجل
- بنت الرجل
- زوجة الرجل
......... الخ .
فهي دائما مضافة إلى الرجل وليست كائنا إنسانيا مستقلًا ، وقد تألمت حين سمعت ناشطات يمثلن هذا الخطاب !!
وفي عصرنا هذا فإن خطاب النوع الاجتماعي يجب أن يركز على : الكرامة والمساواة الكاملة والعدالة والاستقلال التام ، ثم الشراكة الكاملة الحرة لمن يريد أو تريد شراكة.
في هذه المقالة استعرضت تطور العلاقات، وفي المقالة التالية سأوضح كيف يتفنن الخطاب الذكوري للالتفاف على المنجزات في المساواة والاستقلال.