مدار الساعة - نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتها في بيروت إريكا سولومون، حول الآثار بعيدة المدى التي ستتركها مناطق تجميد النزاع، القائمة على الخطة الروسية، في ست مناطق من سوريا.
وتقول الكاتبة إن "هذه الخطة هي مقدمة للتقسيم، وقد تفتح الباب أمام التنافس الدولي الشديد على سوريا، فرغم استمرار وقف إطلاق النار في هذه المناطق، إلا أن معارضين سوريين ودبلوماسيين يخافون من التنافس على المناطق في الشرق والجنوب من سوريا".
ويشير التقرير، وفق "عربي21"، إلى أن التنافس يدور حول المناطق التي تخضع لسيطرة تنظيم داعش، بشكل يدفع لمواجهة بين الجماعات التي تدعمها الحكومة الأمريكية، وتلك الشيعية الوكيلة عن نظام بشار الأسد، مثل حزب الله والمليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
وتنقل الصحيفة عن المعارضة والدبلوماسيين، قولهم إن التوتر بدأ بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في أستانة، عاصمة كازاخستان، الذي أدى إلى تحديد أربع مناطق يتم فيها تجميد النزاع، حيث ينظر الكثير من الذين يشاركون في الحرب إلى هذه المناطق على أنها مناطق نفوذ للدول الغربية، التي تدعم جماعات لها على الأرض، وتقول المعارضة ودبلوماسيون في المنطقة إن الاتفاق الأخير يقرب سوريا خطوة أخرى تجاه التقسيم.
وتورد سولومون نقلا عن دبلوماسي يعمل في المنطقة، قوله إن "الوضع في سوريا بعد أستانة ليس كما كان قبلها"، وأضاف: "سواء تحول اتفاق أستانة إلى خريطة تقسيم أو مناطق مشاركة في السلطة، فإن التسابق الآن هو من أجل الحصول على الحصة الأكبر".
ويلفت التقرير إلى أن روسيا وتركيا وإيران توصلت في عاصمة كازاخستان لاتفاق يقوم على تجميد القتال في أجزاء من المناطق الوسطى في حمص وحماة وفي الجنوب والشمال، فيما تم ترك مناطق الجنوب والشرق دون علامات.
وتذكر الصحيفة أن منطقة الشرق تعد من أهم مناطق سوريا من ناحية المصادر النفطية والزراعية، بالإضافة إلى أنها تعد منطقة استراتيجية مهمة للقوى الدولية، مشيرة إلى أن الفائز بها سيكون قادرا على منع طهران أو ربطها بوكيلها حزب الله اللبناني، مرورا بالعراق وسوريا.
وتنوه الكاتبة إلى أن النزاع السوري بدأ باحتجاجات ضد نظام الأسد، تطالب بالإصلاح، ثم تطور إلى نزاع دولي، لافتة إلى أنه في الوقت الذي قاتلت فيه المعارضة السورية للإطاحة بالنظام، فإن الأكراد وتنظيم داعش قاموا بتحديد مناطق نفوذ لهم.
ويفيد التقرير بأن القوى تدخلت إلى جانب الأطراف كلها، حيث دعمت تركيا ودول الخليج المعارضة، أما روسيا وإيران فدعمتا النظام.
وتنقل الصحيفة عن دبلوماسيين، قولهم إن الولايات المتحدة وبريطانيا تحاولان التفاوض على منطقة عازلة في جنوب سوريا، تحميها على الأرجح قوات أردنية على الأرض، حيث أن السيطرة على الجنوب قد تؤدي إما إلى "منطقة عازلة"، أو وجود قوات مدعومة من إيران على أبواب أكبر حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إسرائيل.
وتقول سولومون إنه يعتقد أن الروس مستعدون لعقد صفقة مع الولايات المتحدة، التي أصبحت هامشية في سوريا أثناء إدارة باراك أوباما، مشيرة إلى أن آخرين يقولون إن روسيا تعمل على إضعاف تقدم القوات المدعومة من الولايات المتحدة في شرق سوريا، وترك النظام وحلفائه الإقليميين، مثل إيران، للسيطرة على بقية المناطق.
وينقل التقرير عن دبلوماسي غربي، قوله: "إن استراتيجية الروس، ولأكثر من عام، كانت تأكيد هذا الأمر"، وأضاف أن "استراتيجية دمشق وموسكو واضحة: استغلال الهدوء في أستانة، والدفع لربط دير الزور" في شرق سوريا، ويقول حسن حمادة من فصيل تدعمه الولايات المتحدة في الشمال: "هذا توجه نحو التقسيم، وآخر شيء تستمع إليه (القوى الأجنبية) هو ما يريده السوريون".
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤولين في المنطقة تجري حكوماتهم محادثات مع روسيا، قولهم إن موسكو عالقة بين تنافسها على النفوذ مع إيران في سوريا، وبين دورها بصفتها قوة محورية في الحرب.
ويعلق مسؤول خليجي قائلا: "الروس ينتقدون إيران؛ لأنها لا تدعم اتفاقيات وقف إطلاق النار، ولأنها لا تزال تؤمن بالحل العسكري في سوريا، ويفهم الروس أنهم بحاجة لها؛ لأنها قوة على الأرض"، ويضيف: "من الصعب رؤية أن مرحلة ما بعد النزاع ستكون مثل مرحلة ما قبل النزاع"، ويتابع قائلا: "قد تجد نفسك أمام سيناريو مثل كردستان العراق، حيث توجد دولة، لكنها لا تسيطر على مناطق بعينها".
وتكشف الكاتبة عن قول دبلوماسيين غربيين إن الهدف الرئيسي لإقامة منطقة عازلة في الجنوب، بوجود قوات أردنية، هو منع مقاتلي تنظيم داعش من التسلل من شرق البلاد باتجاه الجنوب ومن ثم إلى الأردن، مستدركة بأن المعارضة تقول إن الهدف الحقيقي هو محاولة واشنطن السيطرة على شرق سوريا؛ لمنع الممر البري الذي تسعى إيران لإقامته، لربطها مع حزب الله في لبنان.
ويذهب التقرير إلى أن المناوشات الصغيرة التي حدثت تظهر المخاطر التي قد تؤدي إلى مواجهة أمريكية إيرانية في سوريا، لافتا إلى أن قوات النظام في شرق سوريا تتقدم باتجاه الحدود مع العراق، ولا تبعد سوى كيلومتر عن معبر التنف الحدودي، الذي تعمل منه قوات أمريكية وبريطانية، خاصة مع المعارضة.
وتشير الصحيفة إلى أن الإعلام المؤيد للنظام يتهم الولايات المتحدة بالتوغل في المنطقة، وفي الوقت ذاته قال الإعلام السوري إن القوات (الإسرائيلية) قامت بمناورة عسكرية على الحدود المشتركة في الجنوب، في وقت كانت فيه القوات المدعومة من إيران تتقدم باتجاه الجنوب، وتقدمت على الجانب الآخر من الحدود العراقية المليشيات المعروفة بالحشد الشعبي إلى المناطق الحدودية مع سوريا.
وبحسب سولومون، فإن الطيران السوري قام الأسبوع الماضي بضرب فصيل مدعوم من أمريكا يقاتل تنظيم داعش في المنطقة، وقال قائد المجموعة طلاس سلامة: "يحاول النظام قطعنا عن الخط الأمامي مع تنظيم داعش؛ لأنه يريد التوغل في الصحراء الجنوبية، ومن ثم شرقا باتجاه دير الزور".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول سلامة: "تخيلوا أن: تنظيم داعش خلفهم، لكنهم يقومون بقصفنا نحن الذين نقاتله هنا".