انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات شهادة جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

أبو دوش

مدار الساعة ـ نشر في 2021/01/27 الساعة 01:55
مدار الساعة,مقالات مختارة

لا يوجد في الأردن أحد من مسرحيين وفنانين.. لا يعرف (أبو دوش).. هكذا كنا نلقبه, واسمه محمد خليل أبو دوش البستنجي..

عملنا مع بعضنا (7) سنوات, حين كنت مديرا لمركز الحسين الثقافي, ووظيفته كانت, أن يعرف كل شيء في المسرح، أمضى ما يقارب نصف عمره هناك.. بين الأسلاك والإضاءة, بيت ترتيب الديكورات.. وإعداد المشاهد, والتنسيق مع عربة البث.. هو يحفظ المسرح مثل كف يده.

(ابو دوش).. كان يلغي كل شيء حين يأتي موعد الصلاة, وتبحث عنه.. يوم الجمعة وتكتشف أنه غادر مشيا إلى المسجد الحسيني, وعلينا أن ننتظره.. حتى ينتهي من صلاته, ومن ثم يأتي ليكمل العمل.. وحين يكون العرض لفرقة أوروبية أو أجنبية, يكفي أن يستعمل أبو (دوش) يده, كونه لا يجيد الإنجليزية.. ويفهم عليه الكل.

لم أكن أعرف المسرح جيدا, لكن حين تسلمت إدارة هذه المؤسسة, اكتشفت أن من يعمل في المسرح, يرفض أن يتركه.. يتعلق به إلى أبعد حد, ويعشق تفاصيله.. والأهم أن المسرح يشكل له عالمه الخاص, وهذا الرجل هو من أقنعني بأن نقوم بإلغاء بعض العروض الراقصة أو المسرحية للأطفال.. وحين كنت أسأله, كان يعلل الأسباب.. بأن الروافع الهيدروليكية خطرة جدا, وثقيلة.. وهي معلقة فوق (الستيج).. وحياة الطفل أهم من كل العروض, كان يعرف كل (الزواريب) وأسلاك الإضاءة, وتوزيع الصوت.. وتشغيل ماكنة السينما..

حين كانت تأتينا, فرقة مسرحية أوروبية, ويرافقها بعض المهندسين.. وتأتي أجهزتهم معهم في الطائرة, كنا نجلس ونضحك قليلا.. لأنهم في لحظة سيعجزون عن تجاوز بعض المشاكل في الإضاءة.. أو توزيع الصوت, ونترك (لأبي دوش) أن يتدخل في اللحظة الحاسمة, ويبتكر من رأسه مكانا (للمكسر).. ثم يدلهم على شكل الإنارة, وقد تبين لي أن المسرح لا يحتاج هذا الكم الهائل من التكنولوجيا بقدر ما يحتاج لم يعرف تفاصيله.. من يعرف تمديدات الخطوط الكهربائية, لمن يعرف.. كيف يتم التوزيع, وفيما بعد أيقنت أن المسارح وفية للناس الذين عاشوا فيها أكثر مم? عاشوا في بيوتهم..

كان لدينا مطبخ صغير نعد فيه الوجبات, حين تتأخر العروض لما بعد العاشرة ليلا.. وكنت أنا من يقوم بإعداد (قلاية البندورة).. وأبو دوش, هو الوحيد الذي كان يؤكد سلامة (الطبخة) وعذوبتها.. وأحيانا نكتشف أننا أوغلنا في الطبخ لدرجة أن العرض تم بمرافقة رائحة (قلاية البندورة) في المسرح, وكان (ابو دوش) يبرر الأمر للحضور حين يسألون عن تلك الرائحة, بأن المخرج بث هذه الروائح على (الستيج) عبر ماكنة خاصة.. مرافقة للعرض.

مات محمد خليل أبو دوش البستنجي, توفي ولم يصل الستين بعد.. وترك المسرح, الذي أحبه وعاش فيه أكثر من نصف عمره.. رحمه الله ووسع عليه قبره.. وقد ترك لي الذكريات والخلافات الصغيرة, وصورته وهو بالقميص الأسود يصعد (الكونترول).. والهاتف الذي يأتيه من الأولاد..

(ابو دوش).. كان من أوفى الناس لمهنة أحبها وأحبته.

Abdelhadi18@yahoo.com

الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2021/01/27 الساعة 01:55