مدار الساعة - حتى مؤسس تطبيق واتساب لا يعجبه ما يفعله مالك فيسبوك مارك زوكربيرغ مع التطبيق الذي اشتراه منه في العام 2017، والأكثر من ذلك أن مؤسس واتساب بريان أكتون هو أحد مؤسسي تطبيق سيغنال، الذي ينافس واتساب حالياً، ويصدر نفسه على أنه يحافظ على خصوصية مستخدميه عكس واتساب!
لحظة، لم تنته المفاجآت، أكتون أراد يوماً أن يكون ضمن فريق عمل فيسبوك، لكن الشركة لم تره كفئاً كفاية، ومن سخرية القدر أن صاحب الشركة التي رفضت تعيينه أجرى بعدها بسنوات صفقة جعلت منه مليونيراً، وأدخلته عالم الثراء الفاحش من أوسع أبوابه.
الموظف رقم 44 الذي رفضت فيسبوك تعيينه.. من هو بريان أكتون؟
أكتون (49 عاماً)، المبرمج ورائد الأعمال الأمريكي تلقى منحة دراسية كاملة لدراسة الهندسة في جامعة بنسلفانيا لكنه غادر بعد عام للدراسة في جامعة ستانفورد، حيث تخرج عام 1994 بدرجة في علوم الكمبيوتر.
الشاب المبرمج كان مجتهداً وعمل بجانب دراسته، حتى إنه في عام 1992، أصبح مسؤول الأنظمة في شركة صناعة الأنظمة الدفاعية والطائرات والسيارات Rockwell International، قبل أن يصبح أحد مختبري المنتجات في شركة Apple Inc.، كما عمل مع شركة Adobe Systems.
وبعد عامين من التخرج، وتحديداً في عام 1996، عمل في شركة Yahoo Inc، أصبح الموظف رقم 44 الذي عينته شركة ياهو، واستقر في وظيفته هذه لسنوات، حتى عين زميله- الذي سيصبح شريكه في تأسيس واتساب بعد ذلك- جان كوم (في العام 1998)، تعرف أكتون على مهندس البنية التحتية، وعملا معاً لـ9 سنوات، حتى قررا في عام 2007 ترك ياهو.
أكتون وصديقه كوم أرادا أخذ استراحة طويلة قبل العودة إلى المجال مرة أخرى، سافرا معاً عدة مدن في أمريكا الجنوبية، ولعبا التنس، واستمرت الاستراحة من العمل لسنة كاملة، وبعدها قررا أن يتقدما للعمل مع شركة فيسبوك، لكن لسوء حظهما أو لحسنه رفضت فيسبوك تعيينهما!
رفضته تويتر أيضاً لكنه أصبح مؤسساً لواتساب ودخل عالم المليونيرات ببيعه!
لحسن حظه أنه رُفض في وظيفة أحلامه التالية. نعم، لأن هذا كان دافعاً لأن يفكر أكتون وصديقه كوم في مشروع آخر. في مطلع العام 2009، اشترى كوم هاتف آيفون، وعندما بحث في متجر آبل أدرك شيئاً ما، المتجر الذي كان عمره 7 أشهر فقط، يوفر فرصة لعرض تطبيقات جديدة!
كوم تحدث في الفكرة مع أصدقائه، اختار صديقه أليكس فيشمان اسم WhatsApp، وبعد أسبوعين على الفكرة، وتحديداً في 24 فبراير/شباط 2009، أنشئت شركة WhatsApp Inc. في كاليفورنيا.
واتساب كان تطبيقاً مجانياً في البداية، ثم أصبح باشتراكٍ مدفوع، ثم أخيراً مجانياً. تعالَ نعرف بالضبط ما حدث.
واتساب كان مجانياً، وكذلك عرض التطبيقات على متجر آبل، لكن آبل بدأت تفرض اشتراكات على من يستخدم متجرها (منذ يونيو/حزيران 2009) بعدما بدأ يجذب بعض التطبيقات، وكيف يدفع أكتون وكوم قيمة هذه الاشتراكات؟ جعلا تطبيقهما باشتراكات أيضاً.
تم إصدار WhatsApp 2.0 ليكون تطبيقاً مدفوعاً، لكن اشتراكه كان بسيطاً جداً فقط 1 دولار في السنة. ورغم فرض الاشتراك زاد عدد المستخدمين النشطين فجأة إلى 250 ألف مستخدم، خصوصاً أنه بحلول ديسمبر/كانون الأول كان التطبيق يدعم إرسال الصور عبر إصدار iOS.
في هذه الفترة تحديداً، كان أكتون يعمل على مشروع آخر، لكنه دعم صديقه القديم وشمر عن ساعديه لمساعدته، وبحلول أكتوبر/تشرين الأول 2009، كان أكتون قد أقنع خمسة أصدقاء سابقين في ياهو لاستثمار 250 ألف دولار في التمويل الأولي، وأصبح أكتون شريكاً مؤسساً وحصل على حصة من شركة واتساب بدايةً من الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2009، وكان عمره وقتها 38 عاماً.
بالمناسبة، في هذا العام (2009) قدم للحصول على وظيفة في تويتر لكنه أيضاً رفض تعيينه! حسب تغريدة نشرت في ربيع هذا العام عبر حسابه على تويتر ونقلتها الصحف والمواقع بعد ذلك بينها مجلة Forbes الأمريكية وموقع صحيفة The Guardian البريطانية.
بحلول عام 2011 أصبح واتساب واحداً من أفضل 20 تطبيقاً في متجر تطبيقات Apple بالولايات المتحدة. وهناك من يراقب هذا النجاح في صمت، مدير الشركة التي رفضت تعيين أكتون وكوم.
مارك زوكربيرغ أدرك أن هذا التطبيق سيكون له شأن كبير في خدمة المراسلات الفورية، لذلك قرر الاستحواذ عليه، وفي العام 2014، أجرى صفقة بـ 22 مليار دولار أمريكي مع أكتون وكوم لبيعه التطبيق، وفق معلومات مجلة الأعمال الأمريكية Forbes. وقتها كان التطبيق يستخدم من قبل مليار شخص في 180 دولة حول العالم. (الآن يملك حوالي ملياري مستخدم حسب صحيفة Wall Street Journal الأمريكية).
هنا أصبح صديقنا أكتون مليارديراً، إذ كان يمتلك 20% من أسهم شركة واتساب، وفي هذه الصفقة حصل على 3.8 مليار دولار.
خسر 850 مليون دولار سريعاً، لأنه لم يرِد أن يشارك معلومات مستخدمي واتساب مع فيسبوك!
نعم اشترى مارك زوكربيرغ واتساب، لكنه ترك لمؤسسيه فرصة المشاركة في رسم مستقبل التطبيق، لكنهم اختلفوا، إذ غادر أكتون واتساب في سبتمبر/أيلول 2017، بعد نزاع مع المالك الجديد لواتساب، العملاق الأزرق فيسبوك. حتى إن هذا النزاع جعل أكتون يخسر 850 مليون دولار، فقد كان الاتفاق ينص على تاريخ معين لمغادرة أكتون فريق العمل على واتساب، لكنه غادر قبل هذه المدة.
نقطة النزاع الأساسية، كانت بسبب الإعلانات، إذ يريد الثنائي المؤسس لواتساب أن يبقى تطبيقهما خالياً من الإعلانات، ولا تستخدم بيانات مستخدميه لأغراض دعائية، وحسب المجلة الاقتصادية Forbes رأى أكتون أن المسؤولين التنفيذيين في فيسبوك ينوون خدعة المستخدمين، ومشاركة بيانات مستخدمي واتساب مع فيسبوك بغرض استهداف المستخدمين بالدعاية المستهدفة. نعم! هذا ما حذر أكتون منه قبل نحو 4 سنوات من الضجة الأخيرة على سياسات الخصوصية هذه.
الانتقال إلى سيغنال، حيث يجد المستخدمون الخصوصية!
ترك أكتون واتساب لبدء العمل على مؤسسة جديدة، وهي Signal Foundation، التي تكرس جهودها لمساعدة مستخدمي تطبيقها للوصول إلى الاتصالات الخاصة من خلال تطبيق مراسلة مشفر.
وبحلول مارس/آذار 2018، أعلن أكتون عن استثمار 50 مليون دولار في تطبيق Signal، وأصبح عضو مجلس إدارة شركة Signal Foundation، وأطلق التطبيق الذي يعد بخصوصية معلومات مستخدميه وتشفير الرسائل (من طرف إلى طرف) والذي بدأ يستخدمه حينها الصحفيون والعاملون بمجال حقوق الإنسان كخيار أكثر أماناً من تطبيقات المراسلة الأخرى.
والآن يحارب فيسبوك وواتساب بكل ما أوتي من قوة!
أكتون غرد علناً لدعم حذف فيسبوك #DeleteFacebook، وكتب عبر حسابه بتويتر "إنه وقت حذف تويتر" (حسابه غير موثق، لكن مؤسسات إعلامية أجنبية عديدة بينهم Forbes وشبكة CNET الأمريكية تؤكد أنه حسابه الشخصي، ويغرد عليه منذ إنشائه في مطلع 2009)، وكانت هذه تغريدته الأخيرة على تطبيق تويتر – حتى تاريخ كتابة التقرير -، وجاءت ضمن حركة نظمها مستخدمو فيسبوك في مارس/آذار 2018، وشارك فيها عدد من قادة الشركات الكبيرة، كان بينهم رجل الأعمال الكندي-الأمريكي إيلون ماسك الذي حذف صفحتي شركتيه Tesla للسيارات الكهربائية، Space X لصناعة صواريخ ومركبات الفضاء.
بالمناسبة ستجد أن ماسك علق- بحسابه الموثق- ساخراً على تغريدة أكتون بسؤال: "ما هو فيسبوك؟"، وذلك بعد أن حذف لتوه حساباته من العالم الأزرق. بما أننا نتحدث عن علاقة ماسك بأكتون، ماسك من أكبر داعمي تطبيق سيغنال، وقد ارتفعت أسهم البورصة لشركة تحمل نفس اسم التطبيق Signal إلى أكثر من 6 ملايين دولار بعد تغريدة له يقول فيها "استخدموا سيغنال"، رداً على سياسات واتساب الأخيرة. (اقرأ القصة كاملة من هنا).
عودة إلى أكتون الذي يعادي أسلوب واتساب في استخدام معلومات مستخدميه، فقد عاد للأضواء مع تسليطها على تطبيقه الأحدث Signal، الذي شهد طفرة في عدد مستخدميه مع سياسات واتساب الأخيرة، ولم يعد استخدامه مقتصراً على الحقوقيين والصحفيين، بل صار يستخدمه كثير من المستخدمين العاديين للحفاظ على خصوصية معلوماتهم. أكتون ظهر أكثر من مرة يتحدث عن رفضه القاطع لما يفعله فيسبوك بتطبيقه الأخضر، ويعد بأن يقدم تطبيقه المشفر ما لم يقدمه تطبيقه الذي باعه في صفقة العمر.
أكتون لا يؤمن بالخصوصية وحسب، فهذا الرجل البعيد عن الأضواء هو وعائلته يحب الأعمال الخيرية، إذ يحب أكتون الذي حصل على المركز 38 في قائمة أغنى رجال التكنولوجيا بالعام 2017، ويشغل المركز 339 في قائمة Forbes لأغنى رجال العالم في 2020 – المشاركة في الأعمال الخيرية هو وزوجته تيغان أكتون، فقد أسس هو وزوجته 4 كيانات خيرية، بدأها في 2014 بتأسيس Sunlight Giving لدعم أطفال الأسر الفقيرة، مع ثلاث مؤسسات شقيقة: Sunlight Giving، وActon Family Giving، وSolidarity Giving، مستثمرين أكثر من مليار دولار في الأعمال الخيرية، واعتبرا بهذا الرقم، من أكبر المانحين للأعمال الخيرية في 2019. رصد