لا يوجد لدينا عند تشكيل الحكومات معايير او قواعد معتبرة لاختيار الوزراء، وبالتالي فإن عملية «التوزير» تستند الى اعتبارات شخصية، وهذه – في الغالب – تخضع لمبدأ التجربة والخطأ، حيث يكتشف الرئيس بعد فترة مدى اهلية وكفاءة وزرائه، فيضطر إلى تعديل المسار وتبديل بعض أعضاء الكادر.
الآن تواجه حكومة الدكتور بشر الخصاونة سؤال التعديل، تماما كما واجهته الحكومات السابقة، ومن المتوقع أن تجيب عنه بسرعة، فهي تحتاج أولا إلى التخفيف من حمولتها الزائدة ( 31 وزيرا حاليا )، وثانيا إلى التخلص من بعض الوزراء المصنفين "كوزارء دولة"، وثالثا إلى دمج عدد من الوزارات استجابة لما ورد في كتاب التكليف، ورابعا لضخ دماء جديدة و ضبط إيقاع الانسجام داخل الجسد الوزاري.
الرئيس – في تقديري – حسم الموضوع، فهو يمتاز كما اشرت في مقال سابق "هذه شيفرة الرئيس" بسرعة اتخاذ القرارات، ويعتمد على مقاييس خاصة به في التقييم، وليس لديه الرغبة. في "المناورة"، كما انه لا يمتلك "حبلا" طويلا للصبرعلى الأخطاء، وبالتالي فإن فكرة إطالة عمر حكومته بتحسين أدائها تدفعه إلى إعادتها إلى السكة الصحيحة، وهذا ربما يساعده بالتضحية ببعض الوزراء الذين اختارهم في المرة الأولى تحت انطباع المعرفة الشخصية او النصائح العامة ورهاناتها المعروفة.
في المقابل لا يوجد لدى الشارع ما يلزم من اهتمام بتغيير او تبديل الوزراء ما لم يتزامن ذلك مع تغيير حقيقي في السياسات والقرارات، فمن تجارب التعديلات التي أجرتها حكومات سابقة، ترسخت انطباعات عامة بأن التعديل محاولة لتحسين الصورة بدون أي تعديل على الأصل، وبالتالي فإن المطلوب من الرئيس أن يبعث من خلال التعديل المنتظر رسالة "تطمين" للمجتمع بأن ثمة نوايا حقيقية لتعديل المسار واستعادة الثقة، وتقديم نموذج معدل ومقنع لتشكيلة وزارية منسجمة وقادرة على مواصلة المشوار بأداء أفضل.
أعرف ان لدى الرئيس اكثر من «ملف» داخلي وخارجي، وأعرف أيضا أن حمل هذه الملفات ومحاولة تنفيذها «جملة واحدة» سيكون مكلفا وصعبا، وربما سيترتب عليه تداعيات غير مطلوبة في هذه المرحلة، وبالتالي فإن التفكير بجدولة تنفيذها على مراحل سيكون أفضل واجدى، كما أن محاولة تبريد الأزمات بمنطق الحلول الجذرية وإزالة حالة الاحتقان هو الطريق الاصح لضمان تهيئة الجبهة الداخلية لأي ظروف صعبة قادمة، سواء اكانت اقتصادية أو سياسية، داخلية أو خارجية.
باختصار، محطة التعديل الأولى للحكومة ستكشف جزءا مهما من حركة «ماكينة» السياسة في المرحلة القادمة، كما أنها ستبعث بانطباعات عامة للناس حول قدرة الحكومة على مواجهة تداعيات العام الماضي بما حصل به من مشكلات بسبب الجائحة، وفي تقديري أن أفضل ما يمكن أن يفعله الرئيس هو استثمار هذا «التعديل» وذلك لتدشين المئوية الثانية للدولة بمشروع وطني يحظى بتوافق الأردنيين ويستعيد ثقتهم بدولتهم ومؤسساتهم ويطمئنهم على مستقبلهم أيضا.
الدستور