مدار الساعة - هل يؤدي تولي جو بايدن الرئاسة إلى عودة أمريكا للاتفاق النووي الإيراني سريعاً وبنفس البنود الأصلية؟ أم قد يشترط إدخال تغييرات عليه؟ وما هي شروط إيران للعودة للاتفاق؟ وهل يدخل البلدان في أزمة بسبب الخلاف على شروط إحياء الاتفاق النووي؟
خلال الحملة الانتخابية قال بايدن إنه سينضم مجدداً إلى اتفاق 2015 مع إيران والقوى العالمية الأخرى، بشرط أساسي واحد: "إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستنضم إلى الاتفاقية كنقطة انطلاق للمتابعة". هكذا كتب بايدن في مقال لشبكة "سي إن إن" في سبتمبر/أيلول 2020 قبل فوزه بالانتخابات.
ولكن في الأيام القليلة الماضية فقط، تضاءلت الآمال في أن عودة أمريكا للاتفاق النووي الإيراني وشيكة.
إذ أوضح فريق الرئيس جو بايدن في ساعاته الأولى أن العودة السريعة للاتفاق النووي الإيراني أمر غير مرجح، مما قد يؤدي إلى إطالة أمد أزمة السياسة الخارجية التي كان الكثيرون في واشنطن يأملون في حلها بسرعة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي المعين أنتوني بلينكين عن مسألة عودة أمريكا للاتفاق النووي الإيراني متحدثاً في جلسة التأكيد التي عقدها يوم الثلاثاء الماضي في الكونغرس: "نحن بعيدون جداً عن هناك". "سيتعين علينا بعد ذلك تقييم ما إذا كانوا يفعلون جيداً بالفعل إذا قالوا إنهم سيعودون إلى الامتثال لالتزاماتهم، ثم نأخذها من هناك".
وخلال جلسة الاستماع يوم الثلاثاء الماضي لتعيينها كمديرة للاستخبارات الوطنية، أجابت أفريل هينز عن سؤال من السيناتور سوزان كولينز حول آراء هينز بشأن عودة أمريكا للاتفاق النووي الإيراني.
تبدو هذه أكبر مشكلة في مسألة عودة أمريكا للاتفاق النووي الأمريكي، صواريخ إيران الباليستية، وأنشطة الميليشيات الموالية لها في المنطقة.
ولكن من المتوقع أن ترفض إيران إدراج هذين الملفين ضمن شروط عودة أمريكا للاتفاق النووي الإيراني.
وهذا ما بدا في مقال لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف نُشر في مجلة Foreign Affairs الأمريكية.
إذ يقول إن العودة إلى طاولة المفاوضات قد تصبح عرضة للخطر إذا طالبت واشنطن أو حلفاؤها في الاتحاد الأوروبي بإضافة شروط جديدة للاتفاق الذي صِيغ بدقة خلال سنوات من المفاوضات.
وأضاف "لنكن واضحين في هذه النقطة: جميع الأطراف في الاتفاقية النووية (بما فيها الولايات المتحدة) وافقت على قصر نطاقها على القضايا النووية لأسباب عملية جداً".
وسترد طهران بسرعة أن برنامجها الصاروخي ضروري بالنظر إلى معاناتها من الصواريخ العراقية خلال الحرب العراقية الإيرانية، إضافة إلى البرنامج الصاروخي الإسرائيلي.
فخلال أول إحاطتها الإعلامية يوم الأربعاء الماضي، تحدثت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين بساكي عن عودة أمريكا للاتفاق النووي الإيراني، قائلة: "أوضح الرئيس أنه يعتقد أنه من خلال دبلوماسية المتابعة ينبغي على الولايات المتحدة أن تسعى إلى إطالة وتعزيز القيود النووية على إيران ومعالجة القضايا الأخرى ذات الأهمية". يجب أن تستأنف إيران الامتثال للقيود النووية الكبيرة بموجب الاتفاق من أجل المضي قدماً.
من الواضح أن مسؤولي بايدن على نفس الخط عندما يتعلق الأمر بإيران، وكلهم يشيرون إلى أن الفريق الجديد لا يدفع من أجل إعادة الدخول السريع في الاتفاق النووي.
من الممكن أن يكون كل هذا بمثابة تكتيك تفاوضي، حيث يتم اتخاذ موقف متشدد في البداية من أجل بناء مساحة للمناورة لتقديم تنازلات لاحقاً. لكن من الممكن أيضاً أن يؤخر هذا الموقف- أو حتى يهلك- احتمالية العودة إلى المسار الدبلوماسي بين خصمين لدودين.
قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي إن لدى إيران الآن أكثر من 2440 كيلوغراماً، وهو ما يزيد عن ثمانية أضعاف الحد الذي حدده الاتفاق النووي لعام 2015. إن وقت "الاختراق" بالنسبة لإيران لصنع سلاح نووي- وهو طموح تنكره- أصبح الآن أقصر بكثير من عام.
وهو أمر تباهى به وزير الخارجية الإيراني في مقاله المنشور في مجلة Foreign Affairs.
إذ قال "ما حدث أن الضغط على إيران أدى مراراً وتكراراً- وسيؤدي دائماً- إلى عكس النتيجة المرجوة تماماً. إذ طالبت الولايات المتحدة وحلفاؤها، عام 2005، على سبيل المثال، إيران بالتخلي عن حقها في تخصيب اليورانيوم وفرضت عليها عقوبات جائرة من خلال مجلس الأمن الدولي. ورغم هذا الضغط الاقتصادي، بين عامي 2005 و2012 زادت إيران عدد أجهزة الطرد المركزي من 200 إلى 20 ألفاً، وأنتجت أكثر من 17 ألف رطل من اليورانيوم المخصب بتركيز 3.67% وأكثر من 440 رطلاً من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%. وبالمثل تزامنت حملة "أقصى قدر من الضغط" التي شنتها إدارة ترامب مع زيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب من 660 إلى 8800 رطل وتحديث أجهزة الطرد المركزي من طرازات IR-1 القديمة إلى طرازات IR-6 الأقوى.
ويقول ظريف "لقد عزز تجاهل ترامب لالتزامات الولايات المتحدة- لا تجاه الاتفاق النووي وحده بل وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي صادق على الاتفاق- الانطباع بأن الولايات المتحدة شريك لا يمكن الوثوق به".
ويقر ظريف بأن إيران زادت بشكل كبير من قدراتها النووية منذ مايو/أيار عام 2019، لكنها فعلت ذلك بما يتفق تماماً مع الفقرة 36 من الاتفاقية النووية، التي تسمح لإيران "بالتوقف عن تنفيذ التزاماتها" بموجب الاتفاق إذا توقف أحد الأطراف الموقعة الأخرى عن التزاماته. وإذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة تأمل في تغيير المسار الحالي، فعليها أن تغير اتجاهها في الحال".
وقال: "إذا عادت واشنطن إلى اتفاق إيران النووي لعام 2015، فسنحترم أيضاً التزاماتنا بموجب الاتفاق بالكامل". وقال إن الكرة "في ملعب الولايات المتحدة الآن".
ويقول وزير الخارجية الإيراني في مقاله "لا يزال بإمكان إدارة بايدن إنقاذ الاتفاق النووي، ولكن حال تمكنها من حشد الإرادة السياسية الحقيقية في واشنطن لإثبات أن الولايات المتحدة مستعدة لأن تكون شريكاً حقيقياً في جهود جماعية. وينبغي أن تبدأ الإدارة ذلك برفع جميع العقوبات المفروضة أو المعاد فرضها منذ تولي ترامب منصبه بالكامل. وإيران بدورها ستلغي جميع الإجراءات التصحيحية التي اتخذتها في أعقاب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. وبقية الدول الموقعة على الاتفاق ستقرر بعد ذلك إن كان ينبغي السماح للولايات المتحدة باستعادة مقعدها على الطاولة الذي تركته عام 2018. لكن الاتفاقات الدولية ليست أبواباً دوارة، والعودة إلى اتفاق تم التوصل إليه بعد مفاوضات- والتمتع بامتيازاته- ليس حقاً تلقائياً يتمتع به أحد الأطراف بعد مغادرته عشوائياً.
على وجه التحديد يريد النظام من الولايات المتحدة أن ترفع العقوبات وتفك تجميد الأصول المالية الخارجية لإيران قبل أن توافق على التراجع عن التطورات الأخيرة في برنامجها النووي.
هذا تعقيد كبير محتمل، وسيستغرق الأمر قدراً معقولاً من التفاوض حتى يتفق الطرفان على سلسلة من الترتيبات مستساغة لكليهما. المشكلة أن إيران لديها انتخابات رئاسية قادمة هذا الصيف، وروحاني الذي كان رئيساً عندما تم توقيع الاتفاق النووي والذي راهن كثيراً على مستقبله السياسي على تحقيق الصفقة، سيترك منصبه بعد انتهاء فترته الثانية والأخيرة.
قد لا يكون الرئيس الإيراني القادم مستعداً لإنقاذ الاتفاقية النووية، مما يعني أن بايدن قد يكون أمامه بضعة أشهر فقط قبل إغلاق نافذة إعادة الدخول.
وصرح ناصر هاديان من جامعة طهران، المقرب من كبار الشخصيات في النظام، لصحيفة نيويوركر الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر بأن "توقعات حكومة روحاني هي عودة سريعة" إلى الصفقة.
وتوقع أنه إذا لم يتحرك بايدن، فإن كل الفصائل الإيرانية الرئيسية ستضغط من أجل إيران لزيادة جميع جوانب برنامجها النووي.
لكن حتى إذا أرادت الولايات المتحدة العودة إلى الصفقة وامتثلت إيران لشروطها، فسوف يستغرق الأمر بعض الوقت للتحقق بشكل كامل من أن طهران قد عكست في الواقع مسارها نحو سلاح نووي، كما يقول الخبراء. على سبيل المثال ستحتاج الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إلى الوصول إلى منشآت متعددة للتحقق من أن الجمهورية الإسلامية قد أوقفت تخصيب اليورانيوم. وهذا في حد ذاته يمكن أن يؤخر أي عودة إلى الصفقة.
تختلف وجهات النظر حول مدى وعورة الطريق إلى عودة أمريكا للاتفاق النووي الإيراني. يقول البعض، مثل بهنام بن طالبلو من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات "سيكون من الحكمة لإدارة بايدن الانتظار قبل الانضمام إلى الصفقة".
يعتقد آخرون، مثل مالوني من معهد بروكينغز، أن الولايات المتحدة ستنضم في النهاية إلى الصفقة الإيرانية الأصلية- وليست مجددة – لأن فريق بايدن يفضل التركيز على المشاكل العالمية الأخرى مثل الوباء أو الصين.
قد تعتمد كيفية عائدات الولايات المتحدة بشكل كبير قريباً على روبرت مالي، المسؤول السابق في إدارة أوباما والذي يقال إنه سيكون مبعوث بايدن إلى إيران. يقول الخبراء إنه من المحتمل أن يسعى إلى حل سريع لقضية الصفقة الإيرانية، مما قد يجعله على خلاف مع القادة الآخرين في فريق بايدن.
وهو ما يعني أن احتمال عودة أمريكا للاتفاق النووي الإيراني لم يتم تحديده، ويمكن تصور أن يتحول إلى نقطة خلافية داخل الإدارة.
إذ يقول ظريف "جرت مفاوضات جادة حول الجداول الزمنية للقيود التي فرضتها الاتفاقية، ووافقت إيران على التخلي عن العديد من الفوائد الاقتصادية الناتجة عن هذه الاتفاقية بسبب تلك الجداول الزمنية. ولم تكن سياسات إيران الدفاعية والإقليمية مطروحة للنقاش، لأن الغرب لم يكن مستعداً للتخلي عن تدخله في المنطقة الذي تسبب في هذه الاضطرابات لعقود من الزمن ولم تكن الولايات المتحدة- أو فرنسا أو المملكة المتحدة، في هذا الشأن- على استعداد للحد من مبيعات الأسلحة المربحة، التي أدت إلى تأجيج الصراع واستنزاف موارد المنطقة".
ويضيف "في إطار المفاوضات على الأسلحة النووية، وافقت إيران على قيود تستمر لخمس وثماني سنوات على مشتريات الدفاع والصواريخ على التوالي. وهذه الصفقات- وبالتأكيد التضحيات- لتأمين الاتفاقية لا يمكن التراجع عنها؛ لا الآن ولا في أي وقت".
بموجب مثل هذا الاتفاق، تتراجع إيران عن جزء ذي مغزى من التطورات التي وصلها إليها برنامجها النووي حالياً مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، لا سيما منح إيران القدرة على الوصول إلى بعض عائداتها النفطية المجمدة الآن في حسابات مصرفية خارجية.
قد ترحب إيران بمثل هذا الترتيب المؤقت إذا أعطى الاقتصاد دفعة سريعة، خاصة قبل انتخابات الرئاسة الإيرانية المقررة في منتصف يوليو/تموز 2021.
ولكن يقول دبلوماسيون إن إيران ليست معنية بالتجميد المؤقت ولن تتوقف في الوقت نفسه عن تخصيب اليورانيوم أو تقليص مخزونها الضخم، وقالوا إن إيران ستعود إلى الامتثال الكامل للاتفاق عندما تفعل الولايات المتحدة ذلك.
ويرى مراقبون أن إيران لن تطالب فقط بإزالة العقوبات المتعلقة بالمجال النووي، ولكن أيضاً تلك المفروضة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وتطوير الصواريخ الباليستية ودعم الجماعات الإرهابية، وهو الأمر الذي قد تجد إدارة بايدن صعوبة في القيام به سياسياً وفنياً.
وأشاروا في الوقت نفسه إلى أن خصوم روحاني سوف يتطلعون إلى التشويش على جهده للتفاوض مع الإيرانيين، كما أن الجمهوريين سيحاولون التشويش على بايدن.
ولذا يمكن لبايدن أن يرفع بسرعة عدداً من العقوبات المرتبطة بالأنشطة النووية الإيرانية، بما في ذلك الموافقة على المزيد من الإعفاءات التي تسمح لإيران ببيع النفط. ويمكنه تخفيف القيود المفروضة على سفر المواطنين الإيرانيين، وزيادة التجارة الإنسانية من خلال تخفيف العوائق المصرفية ورفع العقوبات عن بعض المسؤولين الرئيسيين، مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف، المفاوض النووي الرئيسي.
لكن العقوبات المفروضة ضمن فئة مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، مثل تلك المفروضة على الحرس الثوري، سيكون من الصعب إلغاؤها، خاصة أن العديد من الديمقراطيين يدعمونها أيضاً.
لكن يعتقد أن إيران ستصر على أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على البنك المركزي الإيراني، المتهم بتمويل جماعات إرهابية محددة، حتى تتمكن من استخدام النظام المصرفي العالمي مرة أخرى.
في المقابل يقول جواد ظريف في مقاله بمجلة Foreign Affairs "لا يمكن أن تحدث إعادة للمفاوضات بأي شكل. ولا يمكن أن تواصل الولايات المتحدة تمسكها بمبدأ (ما يخصني يخصني وما يخصك قابل للتفاوض) وتتوقع أن تنجح مع إيران".
وفيما بدا أنه رسالة تهديد إيرانية يقول ظريف في مقاله "هذه النافذة التي تمثل فرصة للإدارة الأمريكية الجديدة لن تظل مفتوحة إلى الأبد. فزمام المبادرة في يد واشنطن مباشرة. والخطوة الأولى لإدارة بايدن ينبغي أن تكون السعي إلى إصلاح- وليس محاولة استغلال- إرث ترامب الخطير الذي فشل فشلاً ذريعاً. وبإمكانها أن تبدأ برفع جميع العقوبات المفروضة منذ تولى ترامب منصبه والسعي للعودة إلى الاتفاق النووي الذي أُبرم عام 2015 والالتزام به دون تغيير شروطه التي تم التفاوض عليها بشق الأنفس. ومن شأن ذلك أن يفتح أبواباً جديدة للسلام والاستقرار في المنطقة.