مدار الساعة - “سأعود بطريقة أو أخرى”، كانت كلمات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ترك المنصب يوم الأربعاء بعد أربع سنوات من الصخب السياسي الذي لم تشهده البلاد منذ الحرب الأهلية. ويوجد الحزب الجمهوري أمام تحديين، الأول وهو القبول باستمرار زعامة ترامب أو الاستعداد لانشقاق وتأسيس أنصار الرئيس حزبا سياسيا جديدا تبدو كل الظروف متوفرة له على شاكلة ما وقع في إيطاليا مع سيلفيو بيرلسكوني.
شروط لصالح ترامب
وعمليا، الرئيس الذي حاول الانقلاب على الإجراءات الديمقراطية للانتخابات بعرقلة تولي جو بايدن الرئاسة سواء بالتشكيك في الانتخابات أو تجييش عينة من المواطنين لاقتحام الكونغرس يوم 6 يناير الجاري، لن يتخلى عن حلم استعادة السلطة لاسيما في دولة تسمح بها القوانين. وتلعب عوامل لصالح عودة الرئيس ترامب إلى الرئاسة إذا ترشح مستقبلا وهي:
لا يمنع الدستور الأمريكي الرئيس الذي حكم لمدة ولاية واحدة وفشل في الثانية من الترشح للمرة الثالثة: وشهد تاريخ الولايات المتحدة حالة رئيس واحدة وهو كلوفر كليفلاند من الحزب الديمقراطي الذي تولى الرئاسة ما بين سنتي 1885 إلى 1889 وانهزم أمام الجمهوري بنجامين هاريسون، وعاد إلى البيت الأبيض سنة 1893 إلى 1897.
حصل ترامب على ثان أعلى نسبة من الأصوات في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية بـ74 مليون صوت بعد الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن بأكثر من 81 مليون صوت. ويستمر عدد من قادة الحزب الجمهوري في اعتباره زعيما ضروريا. وصرح عضو مجلس الشيوخ المعروف ليندسي غراهام لفوكس نيوز “أتمنى استمرار ترامب زعيما للحزب الجمهوري.. من كان يرغب في محو ترامب من الحزب فهو من سيتم محوه.. وسيحظى بدعم كبير إذا ترشح مرة أخرى للرئاسة سنة 2024”.
يتوفر ترامب على مبالغ مالية كبيرة من التبرعات لتنظيم حملته الانتخابية المقبلة، وتصطف إلى جانبه عدد من وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة التي أصبحت تنافس كبريات وسائل الإعلام في الولايات المتحدة.
لا يلوح في الأفق ظهور شخصية كاريزماتية في صفوف الجمهوريين قادرة على منافسة ترامب خلال الأربع سنوات الأخيرة، وكل شخصية ذات خطاب معتدل سيكون مآلها الفشل في ظل التطرف الذي أصبح من ميزات الكتلة الناخبة الجمهورية.
ويضع ترامب الحزب الجمهوري أمام تحديين، دعمه في حالة الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2024 أو سيتعرض للانقسام وظهور حركة سياسية جديدة. وإذا أيد الحزب الجمهوري ترامب مجددا فهذا سيعني أنه سيصبح حزبا عرقيا للبيض على شاكلة اليمين القومي المتطرف في أوروبا. وإذا لم يؤيده، سيخلق ترامب حركة جديدة ستنافس بدون شك الحزب الجمهوري في مخاطبة المحافظين في البلاد.
ونجح ترامب في ترسيخ فكرة “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” ومكملها “أمريكا أولا” وهو شعار يتناسب وغالبية البيض الذي يعتقدون في التفوق العرقي وفي فضلهم في بناء الولايات المتحدة، والتي ترغب حاليا في “حمايتها من المهاجرين المسلمين واللاتينيين ومن الزحف الصيني”. وجزء هام من 74 مليون الذين صوتوا لترامب فعلوا ذلك من أجل الرئيس وليس من أجل الحزب الجمهوري.
وبسبب رهانه على مشاعر الأمريكيين البيض، لا يستغرب المحللون كيف تستمر القاعدة الانتخابية الجمهورية متشبثة بترامب بل وسيفرض الرئيس السابق أنصاره في الانتخابات المقبلة، أي سيدفع الحزب الجمهوري نحو مزيد من التطرف. فبعد اقتحام أنصاره الكونغرس، تراجعت شعبيته بسبع نقاط فقط وسط ناخبي الحزب من 84% إلى 77%، والأخطر هو مصادقة 64% من الجمهوريين على سياسة ترامب بعد عملية الاقتحام، وفق استطلاع للرأي نشرته إكسيوس-إبسوس.
ترامب أو بيرلسكوني الأمريكي
وتفيد كل المؤشرات أن ترامب بدأ يتحول إلى بيرلسكوني السياسة الأمريكية، فقد واجه الإيطالي فضائح مالية وجنسية وعلاقة بالمافيا، ولكنه فرض نفسه ما بين منتصف التسعينات إلى نهاية العقد الأول من القرن الحالي على اليمين المحافظ الإيطالي خاصة بعدما أسس حزب “فورسا إيطاليا” متجاوزا الأحزاب التقليدية اليمينية. وبدون شك سيميل ترامب إلى تأسيس حزب جديد إذا وجد عراقيل في الحزب الجمهوري، ولن تعترضه الفضائح الجنسية ولا التحقيقات القضائية.
وكان الناخب الأمريكي يضع الأخلاق في مرتبة عليا، وتقدم أكثر من مرشح للانتخابات باستقالته بعدما ظهرت أخبار حول علاقاته الغرامية، لكن ترامب ورغم فضائحه الجنسية صوت عليه الأمريكيون، وهذا هو المنعطف الذي شهدته الانتخابات الأمريكية.