مدار الساعة - “إلى الجيل الصاعد” كتاب جديد نُشر سنة 2019، عن “مركز تكوين للدراسات والأبحاث” لمؤلفه أحمد بن يوسف السيد، وهو كتاب يقع في 128 صفحة فقط، موجز بقدر واضح، لكنه يجذب الانتباه خاصة لمن ينتمي لهذا الجيل والذي حدد المؤلف أبناؤه بأنهم من ولدوا بعد عام (1417هـ/1997م) باعتبار أن مرحلة مراهقتهم كانت في بداية ثورة الاتصالات والأجهزة الالكترونية.
يعتبر هذا الكتاب من المؤلفات الحديثة للكاتب، قدم فيها الكثير من الرسائل إلى الجيل الصاعد، وجاءت فكرته من رسالة وصلت إلى المؤلف من شاب عرّف نفسه بأنه ينتمي إلى الجيل الصاعد، وبثّ فيها للمؤلف الكثير من القلق الفكري والمعرفي، مما دفع المؤلف إلى تقديم سلسلة نافعة بعنوان: إلى الجيل الصاعد، فتم جمعها في هذا الكتاب الجميل.
يبدأ الكتاب بعرض متن الرسالة التي وصلت للمؤلف، ثم بعد ذلك يتناول عددا من المحاور، مثل سؤال الهوية، وتحدي الإيمان والثبات، والتفكير بين النقد والشك، ومشكلة القدوات، والفوضى المعرفية وترتيب المنهجية العلمية، وتحدي الشهوة والحب والزواج، والخوف من الفشل، وإهمية إدراك السياق التاريخي الحديث وغير ذلك من المحاور الهام.
وقد جذب الكتاب شريحة كبيرة من أبناء المجتمع لكونه جمع بين أهمية الموضوع، والإيجاز في الطرح، وصغر الحجم، وجودة الطباعة، مع عدم القصور في الإثراء المعرفي التربوي له، كما أن من أهم أسباب نجاحه هو ما يعرفه القارئ عن الخلفية العلمية لمؤلفه الشيخ أحمد السيد، والذي عُرِف باهتمامه بالدروس العلمية حضورًا وتقديمًا، بالإضافة إلى عنايته بالقضايا الفكرية من جهة شرعية، حيث قدَّم عددًا من الحلقات التأصيلية في القضايا الفكرية ذات الجدل بين الشباب عبر برنامجه “كامل الصورة”، كما يدير أكاديمية صناعة المحاور لتأهيل الكوادر لمحاورة الملحدين والرد على الشبهات، ويشرف على مشاريع متنوعة، وله لقاءات تلفزيونية متعددة، ويبرز نشاطه الإعلامي في قناته على اليوتيوب ذات المشاهدات العالية، وله مؤلفات عدة منها هذا الكتاب.
يسهم في ترسيخ القيم الإسلامية من خلال: تكراره لأهمية تقوّي الإنسان بالله، والتوكل عليه والرجوع إليه، فلا قوة للإنسان ولا استقرار ولا انطلاق للمعالي إلا بالله، لذا فإن العبادة هي أولى الأولويات، كما قام بتخصيص رسالة كاملة عن الهوية الإسلامية، وتأكيده بأنْ لا هوية للإنسان إلا باتساقه مع فطرة العبودية لله والتي فطر الله الناس عليها، كما أشار إلى الآثار المترتبة على التمسك بالقيم الدينية كالصدق والتوازن والاعتدال والصبر والمحبة والوفاء والتناصح والتعاون على البر والتقوى وغيرها، ودور تلك القيم في تشكيل الشخصية المسلمة، وأثرها في تماسك المجتمع الإسلامي ووحدته واستقراره.
يسهم في تحقيق أهداف التربية الإسلامية المعاصرة وتوجيه أبناء المجتمع نحوها وذلك من خلال: تأكيده على العبودية الخالصة لله، ومناقشته لأعظم قضية وهي قضية العقيدة، وما يتعلق بها من التساؤلات الوجودية ومسبباتها، وطرق التنشئة العقدية الصحيحة لأبناء المجتمع، ثم تقديمه لتوصيات يرجو أن تنفع في تثبيت الإيمان وتعزيز اليقين في نفوس أبناء هذا الجيل، كما يظهر إسهامه في هذا المحور في تأكيده على التحلي بالأخلاق الحميدة كالصدق والإخلاص والوفاء وغيرها، بالإضافة إلى تنمية شعور الفرد المسلم بالانتماء لمجتمعه، والاهتمام بقضاياه وهمومه، وتطبيق منهاج المرسلين في الدعوة إلى الله، فالدعوة إلى الله حياة للداعي والمدعو، كما أكَّد على ضرورة فهم الواقع والإحساس به ومحاولة إدراك السياق الفكري والثقافي الذي تعيشه الأمة اليوم، والدعوة إلى تكوين الفرد المتزن نفسيًا وعاطفيًا “ويتضح هذا في فصل تحدي الشهوة والحب والزواج”، وصقل مهارات أبناء الجيل لتكوين الفرد المبدع المسهم في تقدم مجتمعه.
يسهم في تشكيل الشخصية الإسلامية وذلك من خلال: تناوله لمقوِّمات الشخصية الإسلامية الناجحة في رسالته الأولى “لا تخشَ الفشل” وتأكيده على الانفكاك عن المفهوم الضيق والمختزل للنجاح، وإعادة تعريفه ليتوافق مع التصور الإسلامي للحياة، كما يتبين أيضًا في عرضه لصفات قدوات للجيل الصاعد، وتحذيره من متابعة التافهين ذوي الشهرة بلا محتوى، وتوصياته التي تُعين على تقوية وتثبيت الإيمان في النفوس، وتأكيده على أهمية العلم والتعلم والبناء الشرعي لسد الثغور العلمية التي يفتحها الأعداء في بنيان الإسلام، وحرصه على تكوين الفرد المتزن نفسيًا وعاطفيًا، قادرًا على التغلب على شهواته، والتحكم بها بلا انفلات وقد خصص لهذا فصلًا كاملًا.
يسهم في بلورة رؤية فكرية للإصلاح في العالم الإسلامي وذلك من خلال: إشارته بأن إصلاح العالم يبدأ من إصلاح الفرد نفسه، وذلك بالاهتمام ببناء هذا الفرد بناءً شرعيًا علميًا تأصيليًا، بناءً يؤهله ليصبح فردًا مهتمًا بأمر المسلمين، مجتهدًا في معرفة أحوالهم، مدركًا لما يحتاجه واقع المسلمين من إصلاح، ودعاه للتسجيل في برامج تبني العقل الشرعي، وتثبت الأصول والقواعد الشرعية، والذي هو بمثابة الحصن الفكري للفرد من كل ما يرد إليه من شبهات أو ثقافات تخالف عقيدته، مجاهدًا بالحجة والبيان والبرهان لنصرة دينه ومجتمعه.
يسهم في بلورة مشروعٍ للنهوض الحضاري للمجتمعات الإسلامية وذلك من خلال: دعوته لرعاية المشاريع النافعة التي تصب في تعزيز هوية المسلم وتأصيل الثوابت لديه، مما يُنْتج فردًا معتزًا بدينه ومجتمعه، يشعر بقوة الانتماء إليه، مدافعًا عنه، وساعيًا لبذل ما بوسعه من أجل تقدمه والنهضة به، كما أكد على أهمية الدعوة إلى الله وعدم التهاون بها فهي بالإضافة لكونها واجب إسلامي فهي صلاح وتقدم للمجتمع نفسه، تنقيه من شبه الفساد إلى هدايات الصلاح والإصلاح، كما اعتنى بالقراءة النافعة وأبرز أثرها في النهوض الحضاري والثقافي والفكري لأبناء المجتمع الإسلامي، وقدَّم مقترحات لكيفية القراءة الصحيحة، وعرض مراحل القراءة، والنصح بالتوسع في القراءة الذاتية في مختلف الفنون الشرعية والفكرية، مع اقتراح مجموعة كبيرة من الكتب في مختلف التخصصات.
يسهم في إعادة صياغة المنظومة التربوية وذلك من خلال: إشارته إلى أن الأمة اليوم ينقصها الإنسان الفاعل الذي يمتلك رؤية حضارية واضحة ويقوم تفكيره وفعله على منهج واضح لتحقيق الصلاح والتحضر، وهؤلاء هم النخبة المتميزون، ولا تميّز بلا تخطيط جيد، فالأمة اليوم بحاجة إلى علم متميز مبني على منهجية صحيحة، مع جدٍ في التحصيل ومواظبة على البناء، وسبيل التميز في العلم الجمع بين ثلاثة أمور: المنهجية، والحفظ، والفهم؛ مع صلاح النية وصدق المقصد، مع التركيز على أهمية البناء الشرعي التأصيلي والذي يُنْتج مفكرين تربويين أصوليين يتميزون بقوة الحجة والبيان، كذلك من خلال إشعار أبناء الجيل بأهمية تحصيل المعرفة والاستثمار فيها، وأهمية الملاحظة والتفكير ثم الاستنتاج، كما أكد المؤلف على ضرورة بناء الفرد الصالح من خلال ثقافة تربوية يسودها التعاون والألفة، ليصبح فردًا منتجًا متعلمًا مدى الحياة، ذا هوية عربية إسلامية، وصولًا إلى بناء المجتمع المعرفي الإسلامي القادر على النهوض والتقدم.
يسهم في تحديد البعد الفلسفي لمناهج التعليم وذلك من خلال: إرشاده للمربين والمعلمين وكل ذوي الاختصاص في تقديم مناهج تتناغم مع التحديات المعرفية التي تواجه أبناء الجيل اليوم وتفوق قدراتهم وسبل التعامل معها بشكل إيجابي، والحد من تأثيراتها على شخصيتهم الإسلامية، كما يجب أن تكون تلك المناهج تتناغم مع حاجات الأمة بشكل عام، وما تواجهه من تحديات على المستوى الثقافي والحضاري بما يحافظ على ثقافة الأمة ومنظوماتها الاجتماعية وميراثها الإنساني، للحصول على فرد يرفض التخلف بشتى وجوهه، ويملك إرادة للتعبير ويصمم على مواجهة التحديات التي تواجه بلاده، ويربط حياته بمستقبل أمته.
يسهم في بناء المنهجية العلمية والبناء المعرفي وذلك من خلال: رفضه للفوضى المعرفية والوقوع في وحل الجهل المركب، ودعوته للترتيب المنهجي في البناء المعرفي، وبيان ثمرة تنظيم المعرفة وإحكام بنيانها لدى الفرد المسلم والمتمثلة في احترام العلم، وتقدير العالم، وسمو النقد، والرقي بالمجالس والحوارات، ومن ثم صناعة حالة معرفية عامة متسقة محكمة، تكون مساهمة في إدارة عجلة الرقي بالأمة ونهضتها.
يسهم في بناء منهجية التفكير النقدي وذلك من خلال: حرصه على امتلاك الشاب المسلم لعقلية ناقدة “الساعية للوصول إلى المعرفة اليقينية الصحيحة عن طريق النظر والموازنة بين الأوجه المختلفة للأمور” لكي تفحص كل ما تستقبل من معلومات وما تتلقى من أفكار، خشية ضياعه بين الأخبار المتضاربة، والآراء المتعارضة، والدعايات المتنوعة، والعقائد المختلفة، ثم قدَّم سمات التفكير النقدي أو المفكر الناقد وطرق تحصيله، وحثِّه على امتلاك الأدوات البحثية والنقدية القوية والتي تُمكنه من التعامل مع المصادر المعرفية الكبرى بطرق علمية محكمة.
يسهم في إحياء التراث الفكري التربوي الإسلامي وذلك من خلال: تخصيص رسالة كاملة عن أهمية إدراك الجيل الصاعد للسياق التاريخي الحديث، ودعوته للمعرفة الواعية بالتاريخ الحديث من الناحية السياسية والفكرية وأثرها في إدراك الواقع، مستدلًا بمقولة العلماء عن التاريخ القديم “إنَّ من لا يقرأ التاريخ لا يفهم الواقع”، وهذه المعرفة تتطلب من أبناء هذا الجيل جهدًا كبيرًا، وجلدًا على القراءة والمطالعة ومشاهدة الإنتاجات التاريخية المعتبرة، وأشار للقراءة لعدة مصلحين فكريين إسلاميين كجمال الدين الأفغاني، وتلميذه محمد بن عبده، وغيرهم، كما عرض عناصر تساعد أبناء هذا الجيل في ترتيب الخارطة المعرفية المجملة للقرنين الماضيين.
نص الرسالة التي نتج عنها مشروع الجيل الصاعد: عرض فيها المؤلف نص الرسالة التي وردت إليه من أحد شباب الجيل الصاعد، وتكمن أهمية هذا الفصل في مساعدته للقارئ على إدراك المغزى الأساسي من تأليف الكتاب، حيث حدد المرسِل أهم التحديات التي تواجهه وتواجه الكثير من أبناء جيله، وختمها بتساؤلات عدة، والتي جاء الكتاب كجوابٍ وتبيانٍ لها، وقدَّم معالجاتٍ لأسس المشكلات التي تضمنتها تلك الرسالة.
ما بين الجيل الصاعد والجيل السابق والجيل العائر: أبرز المؤلف في هذا الفصل معالم الاختلاف بين الأجيال المختلفة والمعاصرة حاليًا، وحدد الفئة المستهدفة من تأليف هذا الكتاب سواء من أبناء الجيل الصاعد أو المهتمين بتوجيههم وتربيتهم، وتكمن أهمية هذا الفصل في كونه يُعد تمهيدًا لما بعده من الفصول والتي تناولت رسائل هذا الكتاب وبلغ مجموعها (١٠) رسائل.
لا تخش الفشل: يُعد هذا الفصل الرسالة الأولى من رسائل الكتاب، وتتضح أهميته في كونه تناول قضيةً هامة من القضايا التربوية التي يعاني منها أبناء الجيل الصاعد وهي “الابتعاد عن طرق المعالي بسبب الخوف من الفشل”، ثم قدَّم المؤلف خطواتٍ تُعين على تجاوز بعض إشكالات هذه القضية.
سؤال الهوية: يُعد هذا الفصل الرسالة الثانية من رسائل الكتاب، وتبرز أهميته في تناوله قضية هامة من القضايا التربوية الإسلامية ألا وهي “قلق الهوية”، وقد قدَّم فيه المؤلف بعض الإشارات المُعِينة على الجواب عن الأسئلة الكبرى للهوية لا الصغرى والجزئية.
تحدي الإيمان والثبات: يُعد هذا الفصل الرسالة الثالثة من رسائل الكتاب، ويمكن إدراك أهميته في تركيزه على قضية هامة من القضايا التربوية الإسلامية وهي “تحدي الإيمان والثبات على الدين”، والتي أطلق المؤلف مسمَّاها كأنسب لقب للمرحلة الزمنية القادمة التي ستواجه الجيل الناشئ.
التفكير بين النقد والشك: يُعد هذا الفصل الرسالة الرابعة من رسائل الكتاب، وتكمن أهميته في مناقشته لقضية هامة من القضايا التربوية الإسلامية وهي “تكوين العقلية الناقدة من وجهة نظر إسلامية”، وبيان أهميتها في فحص ما يستقبله أبناء الجيل الصاعد من معلومات وما يتلقاه من أفكار قبل أن يقع في التيه بين الآراء المتعارضة والعقائد المختلفة.
مشكلة القدوات: يُعد هذا الفصل الرسالة الخامسة من رسائل الكتاب، ويمكن بروز أهميته في طرحه لقضية هامة من القضايا التربوية الإسلامية وهي “القدوة”، وقد عَرَض فيه المؤلف بيانًا للأزمة التي يعيشها أبناء الجيل الصاعد في قدرة أي شخص بأنْ يكون متصدِّرًا في توجيه الناس ورسم أفكارهم وسلوكهم في فضاءات الشبكة المفتوحة.
رباعية التميز للنخبة: يُعد هذا الفصل الرسالة السادسة من رسائل الكتاب، وتتضح أهميته فيه اقتصاره على عرضٍ بالتفصيل لأربعة أمور تؤدي إلى التميز لهذه النخبة، وهي: (العلم، والعبادة، والتفكير، والدعوة).
الفوضى المعرفية وترتيب المنهجية العلمية: يُعد هذا الفصل الرسالة السابعة من رسائل الكتاب، وتتحقق أهميته في تقديمه علاجًا لإشكالية الفوضوية والشتات التي يُعاني منها المهتمين بالقراءة، وذلك بتقديم قواعد منظمة للقراءة والبناء المعرفي.
أهمية إدراك الجيل الصاعد للسياق التاريخي الحديث: يُعد هذا الفصل الرسالة الثامنة من رسائل الكتاب، وتبرز أهميته في تحديده لعناصر وموضوعات يجب البحث فيها والتي يمكن أن تُرتب للجيل الخارطة المعرفية المجملة للقرنين الماضيين.
تحدي الشهوة والحب والزواج: يُعد هذا الفصل الرسالة التاسعة من رسائل الكتاب، وتتضح أهميته في كونه ناقش قضيةً تخص جميع أبناء الجيل الصاعد وتجذب اهتمامهم كونها تحاكي غريزةً فطرية في دواخلهم وهي قضية تحدي الشهوة والحب والزواج وقد عرضها المؤلف عبر ثلاث مراحل (ما قبل الزواج، وفي الطريق إلى الزواج، ما بعد الزواج).
الهداية والاستقامة: يُعد هذا الفصل الرسالة العاشرة والأخيرة من رسائل الكتاب، ويمكن تحديد أهمية هذا الفصل في مناقشة المؤلف لمسألةٍ تشد انتباه كل من يقرأ هذا الكتاب على اختلاف توجهه وعمره وهي مسألة اختلاف العلماء وقد عرضها المؤلف من ناحية “التوفيق الإلهي الذي يقود الإنسان ويهديه إلى الصواب في محال الاختلاف”.
خاتمة: قدم فيها المؤلف شكره لله تعالى ثم لكل من ساهم في إتمام العمل، ووجَّه كلمته للقُراء من أبناء الجيل الصاعد “لا يستهيننَّ أحدٌ منكم بنفسه، ولا يتركنَّ حمل مسؤولية الأمة لغيره، وابدؤوا من اليوم بالعناية بأنفسكم، فالأيام تمضي، والمستقبل قريب، والعمر قصير، والأمة تنتظركم”. وتكمن أهمية الخاتمة في غلقها لموضوع الكتاب مع تقديم كلمات وداعية تشد القارئ وتعطيه خلاصة ما قرأ.