الدكتور محمد عيد قرعان
يعد البحث التربوي متطلباً أساسياً لجميع حقول التربية و علم النفس، والعمود الفقري الذي يشكل الجسم التربوي برمته، وهو الذي يعطي الشرعية والفاعلية للنظريات والطرائق التدريسية و التربوية المختلفة من خلال نتائجه التي تحكم صحة تطبيقها في الميدان. ويمكن القول بأن نجاح التربية ومقاصدها التعليمية و الإدارية و النفسية و الإرشادية، محكومة بنجاح إجراءات تطبيق البحث السليمة و نتائجه الملموسة.
و البحث العلمي التربوي هو الجانب التطبيقي للدراسة التي يقوم بها الباحثون المتخصصون في ميدان التربية و العاملون في التعليم ، وفي ميادين المعرفة المختلفة، وذلك من أجل تحقيق الهدف المرجو. و هو طريقة تطبيقية منظمة، تتبع أسس علمية و منهجية فكرية تعتمد الموضوعية و الدقة، بعيدة عن العشوائية أو الميول الذاتية أو التحيز. ويذكر الباحث محمد العلاونه في كتابه مناهج البحث العلمي: أن البحث العلمي هو النشاط و الجهد المبذول لاكتشاف معرفة جديدة أو لتطوير عمليات أو منتجات جديدة، ومهمته التحقق من موضوع معين بصورة منتظمة و منهجية ، باتباع أسس علمية سليمة في جميع خطواته.
ويقاس مدى تقدم الشعوب ورقيها بمدى الاهتمام بالبحوث العلمية ومنها التربوية بصفتها الأساس لكل ميادين وحقول التقدم بمختلف المؤسسات. وما هذا التقدم العلمي و الازدهار المعرفي و التكنولوجي و الثورة المعرفية وما نتج عنها من قوة اقتصادية ضاربة في الأسواق العالمية للدول المتقدمة مثل اليابان و من سار على نهجها من الدول الصناعية المنتجة و المصدرة للمعرفة ، إلا بفضل الاهتمام بالبحوث العلمية، ببدل الجهد و الدراسات والنفقات المالية، وتدليل كل صعوبات البحث العلمي ، وتشجيع الباحثين و صناع القرار و المسؤولين على التأليف و تسليط الضوء عليه بمختلف الأشكال، ولا عجب أن الكثير من الباحثين والمختصين أسهموا في بناء صرح علمي شامخ يؤوي البحث العلمي و التربوي من أسسه وطريقته وعناصره و شروطه ، فكانت المكتبات التربوية العربية و العالمية تزخر بالكتب والمؤلفات الكثيرة و المتنوعة في هذا المجال. و الملاحظ أن هنالك اختلاف وتباين في قيمة المعرفة التي تحتويها الكتب، من حيث البساطة في تناول الأفكار، و التعقيد في طرح الموضوعات و المفردات، وصعوبة وسهولة المعنى و إيصال الفكرة.
و الرؤية التي نريدها من مؤلفات البحث العلمي في الأردن أن تقدم إضافة نوعية لا كمية فحسب، بأن تحتوي على أسلوب شيق، يُسهل على الطلبة سواءً في الدراسات الأولية أو الدراسات العليا في الجامعات و الكليات سلوك درب البحث التربوي و تطبيقه. و أن يجري تسليط الضوء بطريقة ميسرة و سهلة على بقعة البحث التربوي، فيستطيع القارئ أن يدخل معترك البحث التربوي بكل قوة، متسلحا بالمعرفة السليمة، والخطوات العلمية النيرة، فضلاً عن إفادة المختصين لما يحتويه من معلومات قيمة و عمق معرفي في مجال التطبيق العملي. و ما يمتاز به من الشمولية و الإحاطة بالموضوع من جوانبه المختلفة..
نسعى كتربويين أردنيين إلى أن نعد الكتاب المميز الذي يجسد الأسلوب العلمي للبحث، بقاعدة بحثية متكاملة متينة، تتميز بأسلوب مبسط من غير تعقيد ، ويرشد المختصين و الطلبة وغيرهم إلى تنمية قدراتهم البحثية من خلال المنهجية السليمة، و تشجيعهم على إجراء البحث العلمي، في مختلف المجالات ومنها التربوية ، ويكون ذلك من خلال تدليل الصعوبات أمام الباحثين، وتسهيل مهامهم و توفير المستلزمات المادية و غيرها ، و تكاتف الجهود بين المؤسسات الحكومية و الخاصة.
و على من يدرس مادة البحث العلمي في الجامعة و الكليات ان يكون ملما بطرائق تدريسها المناسبة و موظفا امكانياته و قدراته في استثارة الطلبة و ايجاد الدافعية و تسهيل إجراءات شرحه لاستخدام الجانب التطبيقي بشكل واسع ، معتمدا على المراجع الحديثة ولا سيما الاجنبية منها. و يجب ان يكون المدرس باحثا مميزا وله بحوث و مؤلفات متعددة ذات قيمة.
و الغريب اننا لا نجد ذكرا للبحث العلمي في المناهج الدراسية في المرحلة ما قبل الجامعية، وهذا ما يبرر الضعف الذي تشهده معظم الجامعات العربية و منها الاردن.
و السؤال المطروح ما هو حجم الدعم الذي توفره المؤسسات التعليمية الأردنية المختلفة، و ما هي القيمة الممنوحة للبحوث العلمية و التربوية المتميزة، وما هي الإجراءات التي من شأنها التحفيز على إجراء البحوث سواء للطلبة في الحصول على التميز و الإبداع، و المدرسين كشرط للترقية العلمية و التقدم على سلم الوظيفة، وهل هي بالمستوى المطلوب. ولماذا لا توجد مساحة في المناهج التعليمية للتحدث عن المنهج العلمي في البحوث .
وهذه دعوة للسياسات التربوية الاردنية ان تجيب عن هذه التساؤلات المطروحة .