لقد جاء الإسلامُ وبعضُ الناس ينكرون إنسانية المرأة، وآخرون يرتابون فيها، وغيرُهم يعترف بإنسانيتها، ولكنّه يعتبرها مخلوقاً خُلِقَ لخدمة الرجل، فكان من فضل الإسلام أنه كرّمَ المرأة، وأكّد إنسانيتها، وأهليتها للتكليف والمسؤولية والجزاء ودخول الجنة، واعتبرها إنساناً كريماً له كل ما للرجل من حقوق إنسانية؛ لأنّهما فرعان من شجرة واحدة، وأخوان ولدهما أب واحد هو ادم، وأم واحدة هي حواء، فهما متساويان في أصل النشأة، متساويان في الخصائص الإنسانية العامة، متساويان في التكاليف والمسؤولية، متساويان في الجزاء والمصير، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
وإذا كان الناس ـ كل الناس ـ رجالاً ونساءً، خلقهم ربُّهم من نفس واحدة، وجعل من هذه النفس زوجاً تكملها وتكتمل بها، كما قال في آية أخرى: ﴿وجعل منها زوجها ليسكن إليها﴾ [الأعراف: 2]، وبث في هذه الأسرة الواحدة رجالاً كثيراً ونساءً، كلهم عبادٌ لربٍ واحد، وأولاد لأم واحدة وأب واحد، فالأخوة تجمعهم، ولهذا أمرتُ الآية الناسَ بتقوى الله، ورعاية الرحم الواشجة بينهم: ﴿واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام﴾ [النساء: 1].
والرجل ـ بهذا النص ـ أخ المرأة، والمرأة شقيقة الرجل، وفي هذا قال الرسول ﷺ: «إنما النساء شقائق الرجال».
ولم تنفرد حواء بالأكل من الشجرة ولا كانت البادئة، بل كان الخطأ منهما معاً، كما كان الندمُ والتوبةُ منهما جميعاً: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 83].
بل في بعض الآيات نسبةُ الخطأ إلى ادمَ بالذات وبالأصالة: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ﴾ [طه: 115]، ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَال يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى ﴾ [طه: 12]. وقال تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 121].
كما نسب إليه التوبة وحده أيضاً: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: 122]، ممّا يفيدُ أنّه الأصل في المعصيةِ وامرأتُه تبعٌ له.
ومهما يكن الأمر فإنَّ خطيئة حواء لا يحمل تبعتها إلا هي، وبناتها بريئات من إثمها، ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الزمر: 7] ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134].
ومن توجيهات القرآن الكريم أنّه وضع أمام المؤمنين والمؤمنات أمثلة وقدوة حسنة لأمهاتٍ صالحاتٍ، كان لهنَّ أثرٌ ومكانةٌ في تاريخ الإيمان.
• فأم موسى تستجيبُ إلى وحي الله وإلهامه، وتُلقي ولدها وفلذة كبدها في اليمّ، مطمئنة إلى وعد ربها، قال تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[القصص: 7].
• وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محرراً لله، خالصاً من كل شرك أو عبودية لغيره، داعية الله أن يتقبل منها نذرَها، قال تعالى: ﴿فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [آل عمران: 35]. فلما كان المولودُ أنثى على غير ما كانت تتوقع، لم يمنعها ذلك من الوفاء بنذرها، سائلة الله أن يحفظها من كل سوء، قال تعالى: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [آل عمران: 36].
• ومريم ابنة عمران أم المسيح عيسى، جعلها القرآن ايةً في الطهر، والقنوت لله، والتصديق بكلماته:
﴿وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ﴾ [التحريم: 12].
وكانت التقاليد المتوارثة عندهم تبيحُ للأب أن يئدَ ابنته ـ يدفنها حية ـ خشيةً من فقرٍ قد يقع، أو من عارٍ قد تجلبه على قومها حين تكبر، وفي ذلك يقول القرآن منكراً عليهم، ومقرّعاً لهم: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8 ـ 9].
ويصفُ حالَ الاباء عند ولادة البنات، قال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58 ـ 59].
وكانت بعضُ الشرائع القديمة تعطي الأبَ الحق في بيع ابنته إذا شاء، وبعضها الآخر ـ كشريعة حمورابي ـ تجيزُ له أن يسلمَها إلى رجلٍ اخرَ ليقتلها.
جاء الإسلامُ فاعتبر البنتَ كالابن ـ هبة من الله ونعمة ـ يهبها لمن يشاء من عباده، قال تعالى: ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾[الشورى: 49 ـ 50].
وبيّنَ القرآن الكريم في قصصه أنَّ بعض البنات قد تكونُ أعظمَ أثراً، وأخلد ذكراً، من كثيرٍ من الأبناء الذكور، كما في قصة مريم ابنة عمران التي اصطفاها الله وطهرها، واصطفاها على نساء العالمين، وقد كانت أمها عندما حملت بها تتمنّى أن تكون ذكراً يخدِمُ الهيكل، ويكون من الصالحين، قال تعالى:
﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَناً﴾ [آل عمران: 35 ـ 37].
وجعل رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الجنةَ جزاءَ كلِّ أبٍ يُحْسِنُ صحبةَ بناته، ويحرص على تربيتهن وحسن تأديبهن، ورعايةِ حقّ الله فيهن، حتى يبلُغْنَ، أو يموت عنهن، وجعل منزلته بجواره صلى الله عليه وسلم في دار النعيم المقيم، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كانَ له ثلاثُ بناتٍ، فصبر على لأوائهنَّ وضرّائهنَّ وسرّائهنَّ، أدخله الله الجنة برحمتِهِ إيّاهنّ»، فقال رجل: واثنتان يا رسول الله؟ قال: «واثنتان». قال رجل: يا رسول الله، وواحدة؟ قال: «وواحدة».
لم تعدْ ولادةُ البنتِ عبئاً يُخاف منه، وطالعُ نحس يُتطيّر به، بل نعمةٌ تُشْكَرُ ورحمةٌ تُرجى، وتُطلب لما وراءها من فضل الله تعالى، وجزيل مثوبته، وبهذا أبطل الإسلام عادة الوأدِ إلى الأبد، وأصبحَ للبنتِ في قلب أبيها مكان عظيم.
وقرّرَ الإسلام للزوجة حقوقاً على زوجها، ولم يجعلْها مجّرَد حبر على ورق، بل جعل عليها أكثرَ من حافظٍ ورقيبٍ، من إيمان المسلم وتقواه أولاً، ومن ضمير المجتمع ويقظته ثانياً، ومن حكم الشرع وإلزامه ثالثاً.
وأول هذه الحقوق: الصداق: الذي أوجبه الله للمرأة على الرجل إشعاراً منه برغبته فيها، وإرادته لها، قال تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4].
فأينَ هذا من المرأةِ التي نجدُها في مدنيات أخرى، فتدفع هي للرجل بعض مالها، مع أنَّ فطرة الله جعلت المرأةَ مطلوبةً لا طالبة؟
وثاني هذه الحقوق: النفقة، فالرجل مكلّفٌ بتوفير المأكل والملبس والمسكن بالمعروف، والمعروف: هو ما يتعارف عليه أهل الدين والفضل من الناس بلا إسراف ولا تقتير، قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7].
وثالث الحقوق: المعاشرة بالمعروف، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]. وهو حق جامع يتضمن إحسان المعاملة في كلِّ علاقة بين المرء وزوجه، من حسن الخلق، ولين الجانب، وطيب الكلام، وبشاشة الوجه، وتطييب نفسها بالممازحة، والترفيه عنها.
وفي مقابل هذه الحقوق أوجبَ عليها طاعةَ الزوج في غير معصيةٍ، والمحافظة على ماله، فلا تنفِقُ منه إلا بإذنه، وعلى بيته، فلا تدخِلُ فيه أحداً إلا برضاه، ولو كان من أهلها.
وهذه الواجبات ليست كثيرةً ولا ظالمةً في مقابل ما على الرجل من حقوق، فمن المقرر أنَّ كل حق يقـابـلـه واجب، ومن عدل الإسلام أنـه لم يـجعل الواجبـات على المرأة وحدَها، ولا على الرجل وحده، بل قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]. فللنساء من الحقوق مثل ما عليهنّ من الواجبـات.
ومن جميل ما يروى أنّ ابن عباس رضي الله عنه وقف أمام المراة يصلِحُ هيئته، ويُعَدِّلُ من زينته، فلما سئل في ذلك قال: أتزيّنُ لامرأتي كما تتزيّنُ لي، ثم تلا الاية الكريمة: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 228]. وهذا من عميق فقه الصحابة للقرآن الكريم.
ولم يهدر الإسلامُ شخصية المرأة بزوجها، ولم يذبها في شخصية زوجها، كما هو الشأن في التقاليد الغربية التي تجعل المرأة تابعة للرجل، فلا تُعرف باسمها ونسبها ولقبها العائلي، بل بأنها زوجة فلان.
أما الإسلام فقد أبقى للمرأة شخصيتها المستقلة المتميزة، ولهذا عرفنا زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائهنّ وأنسابهنّ، فخديجة بنت خويلد، وعائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وميمونة بنت الحارث، وصفية بنت حُيَي، وكان أبوها يهودياً محارباً للرسول صلى الله عليه وسلم.
كما أنّ شخصيتها المدنية لا تنقص بالزواج، ولا تفقد أهليتها للعقود والمعاملات وسائر التصرفات، فلها أن تبيع وتشتري، وتؤجر أملاكها، وتستأجر، وتهب من مالها وتتصدق وتوكل وتخاصم.
وهذا أمرٌ لم تصل إليه المرأة الغربية إلاّ حديثاً، ولازالت في بعضِ البلاد مقيَّدةً إلى حدٍّ ما بإرادة الزوج.
كما أنّه حرّم عليها كل ما يجافي هذه الأنوثة، من التشبه بالرجال في الزي والحركة والسلوك وغيرها، فنهى أن تلبَسَ المرأةُ لبسة الرجل، كما نهى الرجل أن يلبَسَ لبسة المرأة، ولعن المتشبّهات من النساء بالرجال، مثلما لعَن المتشبهين من الرجال بالنساء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة، ولا ينظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المترجلةُ، والدّيوثُ».
والإسلام يحمي هذه الأنوثة، ويرعي ضعفها، فيجعلها أبداً في ظلِّ رجل مكفولةَ النفقات، مكفيةَ الحاجات، فهي في كنف أبيها أو زوجها أو أولادها أو إخوتها يجب عليهم نفقتها، وفق شريعة الإسلام، فلا تضطرها الحاجة إلى الخوض في لجج الحياة وصراعها، ومزاحمة الرجال بالمناكب.
والإسلامُ يحافِظُ على خُلُقها وحيائها، ويحرص على سمعتها وكرامتها، ويصون عفافها من خواطر السوء، وألسنة السوء؛ فضلاً عن أيدي السوء أن تمتدَّ إليها: ولهذا يوجِبُ الإسلام عليها:
أ ـ الغضُّ من بصرها والمحافظة على عفتها ونظافتها:
قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: 31].
ب ـ الاحتشام والتستر في لباسها وزينتها دون إعناتٍ لها، ولا تضييقٍ عليها:
قال تعالى: ﴿ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن﴾ [النور: 31].
ج ـ ألا تبدي زينتها الخفية ـ كالشعر والعنق والنحر والذراعين والساقين ـ إلا لزوجها ومحارمها الذين يشقُّ عليها أن تستر منهم استتارها من الأجانب:
قال تعالى: ﴿ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: 31].
د ـ أن تتوقر في مشيها وكلامها: قال تعالى: ﴿وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: 31]. وقال: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32] فليست ممنوعة من الكلام، وليس صوتها عورة، بل هي مأمورةٌ، أن تقول قولاً معروفاً.
هـ أن تتجنب كل ما يجذب الانتباه إليها، ويغري بها، من تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
فهذا ليس من خلق المرأة العفيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امرأةٍ استعطرتْ، ثم خرجتْ من بيتِهَا ليشمَّ الناسُ ريحها فهي زانية».
و ـ أن تمتنع عن الخلوة بأي رجلٍ ليس زوجها ولا محرْماً لها:
صوناً لنفسها ونفسه من هواجس الإثم، ولسمعتها من ألسنة السوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم».
ز ـ ألا تختلط بمجتمع الرجال الأجانب إلا لحاجة داعية، ومصلحة معتبرة، وبالقدر اللازم:
كالصلاة في المسجد، وطلب العلم، والتعاون على البر والتقوى، بحيث لا تُحْرَمُ المرأةُ من المشاركة في خدمة مجتمعها، ولا تنسى الحدود الشرعية في لقاء الرجال.
إنَّ الإسلامَ بهذه الأحكام يحمي أنوثةَ المرأة من أنياب المفترسين من ناحية، ويحفظ عليها حياءها وعفافها بالبعد عن عوامل الانحراف والتضليل من ناحية ثانية، ويصونُ عرضها من ألسنة المفترين والمرجفين من ناحية ثالثة، وهو ـ مع هذا كله ـ يحافِظُ على نفسها وأعصابها من التوتر والقلق، ومن الهزّات والاضطرابات، نتيجة لجموح الخيال، وانشغال القلب، وتوزع عواطفه بين شتى المثيرات والمهيّجات وهو أيضاً ـ بهذا الأحكام والتشريعات ـ يحمي الرجل من عوامل الانحراف والقلق، ويحمي المجتمع كلّه من عوامل السقوط والانحلال.