مدار الساعة - يتعذر على مؤرخو العلوم تحديد بداية دقيقة لمحاولات حصر وتصنيف العلوم ضمن الحضارة العربية، تلك المحاولات التي افتتحها في القرن الرابع مؤلفون كانوا على صلة وثيقة بالثقافات العالمية كابن النديم والفارابي وأبو حيان التوحيدي، وفي السطور التالية أعرض لواحد من أوائل المصنفات الإسلامية وأكثرها أهمية في هذا الباب وهو كتاب مفاتيح العلوم للخوارزمي (387ه) .
ولم يصلنا من مصنفات الخوارزمي إلا كتابه هذا، ولا ندري أترك كتبا أخرى أم لا إذ لم يشر المؤرخون الأقدمون كالمقريزي وحاجي خليفة إلا إلى كتابه هذا الذي اشتهر وذاع صيته وأنزله العرب منزلة كبيرة؛ حيث وصفه المقريزي بقوله ” هو كتاب جليل القدر” ومرد ذلك أن الخوارزمي قام بتحديد العلوم الأساسية في عصره، ووضع تحت كل علم المصطلحات الفنية المعتمدة في كل علم، وهو لم يقتصر على المصطلحات العربية وإنما ضم إليها مصطلحات أجنبية فارسية ويونانية ولاتينية الأمر الذي يرجح إلمامه بلغات أخرى إضافة إلى العربية، ولعل هذا ما يكشف لنا عن ثقافة الإداريين والكتاب خلال ذلك العهد الذي بلغت فيه العلوم الإسلامية أوج نضجها.
أحصى الدكتور عبد الأمير الأعسم تسعة عشر بحثا قام بها مستشرقون -جلهم ألمان- تناولت جوانب مختلفة من الكتاب خلال الفترة منذ صدور نسخة فان فلوتن وحتى نهاية العقد السادس من القرن العشرين، وهذه الجوانب هي:
قسم الخوارزمي كتابه تقسيما منطقيا في قسمين رئيسيين أو مقالتين وفق تعبيره، المقالة الأولى ذكر فيها العلوم العربية وما يقترن بها من علوم اللغة، والمقالة الثانية أحصى فيها العلوم الأعجمية المستفادة من الأمم الأخرى.
وهذا التقسيم الثناني يخالف تقسيم الفارابي الذي أورده في كتابه (إحصاء العلوم) حيث قسمها تقسيما خماسيا هو علم اللسان وأجزاؤه، وعلم المنطق وأجزاؤه، وعلوم التعاليم أي الرياضيات، والعلوم الطبيعية والعلوم الإلهية (الميتافيزيقا)، ثم العلم المدني وأجزاؤه مضافا له علم الفقه والكلام، وكما يبدو فإن تقسيم الخوارزمي هو تقسيم أكثر إحكاما إذ يفصل بين العلوم الشرعية واللغوية وبين علوم الفلسفية والطبيعية[3].
واحتوت المقالة الثانية على تسعة أبواب فيها أحد وأربعون فصلا، وهي تتناول علوم: الفلسفة، والمنطق، والطب، وعلم العدد (الارتيماطيقي)، والهندسة، وعلم النجوم، وعلم الحيل [ وهو يتعلق بالالات والحركة ولعله علم الميكانيكا]، والكيمياء. وهذا القسم من الكتاب كان محط عناية الدارسين شرقيين وغربيين على السواء، وعلى الأخص أبواب الطب والفلك والحساب والهندسة ومرد ذلك أن الكتاب قدم معلومات وافية حول ماهية كل علم وفروعه، ولنضرب مثالا لذلك بعلم الطب الذي جاء في ثمانية فصول افتتحها بالتشريح كناية عن موقعه الحيوي بالنسبة لعلم الطب، وأتبع ذلك بالحديث عن أنواع المرض ثم الأغذية ثم أفرد الحديث عن الأدوية في أربعة فصول كاملة فذكر الأدوية المفردة ثم الأدوية المشتبهة الأسماء ثم الأدوية المركبة ثم أصناف الأدوية المعجونة.
خلاصة القول، أن كتاب مفاتيح العلوم يعد واحدا من أوائل المصنفات الموسوعية الإسلامية، وعلى أهميته لم يحظ باهتمام كافي من الدارسين العرب، ولعله من المناسب أن ينهض بعض طلاب الدراسات العليا ببحث مصطلحات الكتاب كل في مجاله على نحو يضمن استيفاء العلوم الواردة فيه بالدارسة.