في بلدنا الكثير من القضايا والمشاكل السياسية والإقتصادية التي نستطيع مناقشتها دون كلل ولا حل أهل الحكومات والسياسات والصالونات والمشاريع الفاشلة والمشاريع الإجتماعية القابلة للتدوير حسب رؤية الطبّاخين ومدى إتساع القِدر لسلق اللحوم المستهدفة،ولكن قضية واحدة لا يريد أحد أن يمد يده الى جحورها لإخراج أفراخ الثعابين المختبئة في ظلامها،وهي تعاظم معايير الكراهية وارتفاع مناسيب الغضب الجامح في المجتمع على امتداد الخارطة الأردنية، لسبب ودون سبب، لضيق العيش أحيانا ولضيق الأفق والتخلف الفكري والأخلاقي أحيانا أخرى،وهذا ما نشاهد نتائجه عندما تقع جريمة فردية وتتحول الى حرب عشائرية.
قبل أسبوع مضى، تعطلت مركبة مواطن من عائلة محترمة في محافظة إربد، أمام منزل مواطن آخر من عائلة محترمة أخرى في ذات البلدة الصريحية، فطلب صاحب المنزل من المتعطل أن يبعد مركبته، فحدث تلاسن تحول الى شجار،وما هي إلا ساعة حتى إحترقت البلدة بأكملها،وجرح العديد من الأشخاص نتيجة الضرب والرصاص، وفي المستشفى الذي يلجأ له الناس لإنقاذ حياتهم قـُتل دكتور لا ذنب له سوى أنه هرع ليطمئن على شقيقه، فانظروا كيف تحول» لسان» رجل واحد الى عود ثقاب أحرق البلد، وسفك الدماء،وروّع الآمنين،وهدد الأبرياء، وحرّك رتلا من قوى الدرك، ولم يمنع أحد كارثة حلت بالسلم الأهلي.
في شوارعنا يقوم شاب أرعن «بالتشحيط» بسيارة لا يعرف قيمتها، فتطارده دوريات الشرطة أو تحجزه، ويحوّل الى القضاء و تحجز المركبة إسبوعين، وهذا إجراء حق وصحيح ومحترم، ويجب أن يعلمه الجميع، ولكن على مرآى الجميع يقوم شاب أو أكثر، يحمل لقب بروفسور في التخلف والعنجهية والسذاجة بالتحريض على قتل كل أفراد « العشيرة الأخرى»، وينشر ذلك عبر الفيسبوك والرسائل النصية، ويشتمون ويتوعدون جيرانهم بالويل وغدر الليل ولا أحد يعتقله ويلجمه، بدعوى «فورة الدم»،فأي دم هذا يا أنتم في عمان القرار ورجالكم في المحافظات الذين لا يخرجون من مكاتبهم.
ما يجري بين الحين والآخر في بعض بلداتنا وأحيائنا أمر مخز،خصوصا في المجتمعات العائلية المنغلقة والمتجانسة، من مشاجرات تافهة و ملاسنات غير مؤدبة تتحول خلال ساعات الى صراع مسلح يشترك فيه كثير من المشجعين الذين لا يعرفون حتى ما هو سبب المشكلة، ولو عدنا الى الجذور لوجدنا أن السبب يعود الى الإنتخابات النيابية أو البلدية قبل سنوات،أو التنافس المتخلف، والتحريض من قبل بعض الخبثاء، و تتحمل الحكومة المسؤولية لعدم إتخاذ الإجراءات الحازمة ضد جميع الأطراف دون تهاون ولا مجاملة، ولا نفاق لغايات واسترضاءات تزيد الشحناء بين المواطنين.
ما نشاهده يؤسس لمرحلة البلطجة الإجتماعية،ورفض القانون بل وضرب القانون وأهله عرض الحائط، وأخذ الحق باليد وغير الحق بقوة العضلات والسلاح، وهذا نتاج الإنفلات الذي لايريد أحد مواجهته،حتى وصل الأمر بقوات الدرك أن تركز مهماتها لحماية الجار من جاره، والعم من إبن عمه،واللاعب من الجمهور في الملعب،فهل يعقل أن بلدة في محافظة وسطية لا تزال قوات الدرك منذ أشهر تحرس بيوت عائلات كاملة تم ترحيلها بناء على قرار «الجلوة» المتخلف، وبقيت منازلهم فارغة، بسبب جريمة قتل ارتكبها ولد أخرق عاق؟
الحرب الأهلية لا تحتاج الى معجزة، بل إن أي سبب تافه يمكنه أن يشعل حربا أهلية تشبه الحرب الروسية أو السودانية أو اللبنانية لا قدر الله، وما سوريا عنا ببعيدة، فعامة الناس أصبحوا مهيئين نفسيا واقتصاديا وعقليا لارتكاب أي جريمة دون سابق إنذار، فالوضع الإقتصادي أرهق المواطنين، وتسبب بإنحلال العديد من الشباب العاق لسلطة الأب العاقل، وهذا مؤشر خطير، فكيف ببلدة يحمل غالبية أبنائها شهادات عليا وشخصيات رفيعة تحترق ولا أحد يقمع هذا الشجار الذي سيؤسس لمرحلة أحقاد لن تنتهي لأربعة أجيال قادمة.
على الدولة أن تقوم بمسؤولياتها تجاه العنف الإجتماعي والضرب بيد حديدية على يد كل مشارك ومطاردته بتهمة تهديد الأمن الوطني، وأن تضع سياسات واستراتيجيات لوقف هذا الإنهيار الإقتصادي والأخلاقي والتعليمي بالمزيد من العدالة والتوعية و تحصين المجتمع ضد القيادات المتخلفة، والحد من تسلط «الأي أم أف» الذي سيؤدي بنا الى الهلاك، وإلا سنجد مجتمعنا متشرذما متنافرا،وشبابنا محبطا يشعر بالإستهداف من قبل العجائز العجزة، فالحرب بين أيدينا إما نصنعها أو نمنعها، فاختاروا يا عشيرة الدولة.
Royal430@hotmail.com
الرأي