بقلم: شحاده أبو بقر
منذ الأزل تعارفت البشرية على أن لغة الإدارة الحكومية للدول وشعوبها، هي لغة سياسية بامتياز.
ومهما كانت نوعية القرار وموضوع الساعة والنقاش، فلا بد ولكي ينال تفاعل الأغلبية أو الكافة، من أن يقدم بلغة سياسية.
ولكي أشرح هدفي وببساطة، أستذكر مع الجميع جملة مفيدة واحدة قالها في بداية أزمة كورونا وزير المالية عندما سئل عن الكلفة التي يتحملها الأردن جراء القرارات التي إتخذتها الحكومة آنذاك.
السؤال مالي وإقتصادي، لكن الوزير أجاب بذكاء وبلغة سياسية عاطفية ذات طابع وطني إذ قال ما مضمونه.. الكلفة هي إصابة 56 مواطنا بالجائحة نسأل الله لهم الشفاء العاجل.
تلك الجملة رفعت من أسهم الوزير إياه في عيون الناس وقالت لهم إن الحكومة لا تهمها أية كلف مادية بقدر ما يهمها سلامة مواطنيها.
أكرر، السؤال مالي لكن الجواب كان سياسيا ذكيا أحدث أثرا في نفوس الشعب الذي تفاعل كثيرا مع قرارات الحكومة وإجراءاتها الحنونة جدا على شعبها، وأذكر أنني كتبت مقالا بهذا الخصوص في حينه بعنوان حنان حكومي متميز.
سقت ذلك المثال عن جملة قالها وزير حاكم بلغة سياسية كي أدلل على وجاهة وأهمية ما أذهب إليه في هذا المقال.
هيئة الحكم صانعة القرارات، لا مناص ولكي تنجح وتستقطب ثقة الجمهور وتفاعله معها ومع قراراتها، من أن تدرك وتقتنع أنها مهما فعلت ومهما أخذت من قرارات ترى فيها خيرا لشعبها، لن تفلح في تفاعل الشعب معها، إن لم يكن خطابها سياسيا في سائر الشؤون، إقتصاديا ماليا تجاريا تعليميا صحيا زراعيا فنيا وفي أي شأن كان.
أسوق مثالا لواقعة ثانية، فقبل عدة سنوات كان رئيس وزراء أسبق جالسا في مكتبه بمجلس النواب يراجع خطابا مطولا قبيل بدء الجلسة يدافع فيه عن نفسه في مسألة ما ذات طابع غير سياسي، وفي الساحة المقابلة لمكتبه إلتقيت أحد وزرائه المقربين منه ونصحته بالتالي.. قل لصاحبك بلاش يقرأ على مجلس النواب خطابا مكتوبا وبالأرقام والمعلومات المطولة، قل له أن يتحدث إرتجاليا فهذا أفضل وبلغة سياسية فقط.
قال الوزير وهو حي يرزق أمد الله بعمره، نعم صحيح لقد قلت له ما تقوله لكنه يرفض، فأدخل إليه أنت وأنصحه ربما يقبل منك.
إعتذرت طبعا لأن الرئيس إياه كان قد ظلمني حسب إعتقادي، لكن وبسبب ما أدعي أنه وطنية أو غلباوية ربما، كتبت على ورقة صغيرة جملتين وطلبت من مدير مكتب الرئيس إدخال الورقة إليه لعله يأخذ بما فيها وهما جملتان سياسيتان تختصران الموقف كله.
بدأت الجلسة وإسترسل الرئيس المشار إليه في خطاب مطول جدا، وقبل أن يختم خطابه. قال إرتجاليا الجملتين اللتين أرسلتهما إليه.
طبعا لا أدعي أنهما هما من غيرتا المشهد، لكنني أؤكد أن مختلف وسائل الصحافة والإعلام المحلية والعربية،إستشهدت بهما كعناوين لأخبارها عن خطابه، بما في ذلك إحدى أشهر الفضائيات العربيات التي إكتفت بهما فقط كخبر عن ذلك الخطاب المطول.
لا علينا فالأجر على الله لا على أحد سواه، وما يهمني هنا هو العودة لتأكيد أن لغة الحكم سياسية بإمتياز، من قاربها بإبداع دخل قلوب الناس وإكتسب ثقتهم وتفاعلهم ورضاهم حتى لو كانت ذات صلة بقرارات قاسية، ومن ابتعد عنها تعب وواجه الصدود حتى لو أحيا البحر الميت. أستغفر الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، هو سبحانه من وراء قصدي.