بقلم: د. ابراهيم سليمان العجلوني *
تَذهب حُكومة وتأتي اُخرى، وتَشعر كأن الحكومة لم ترحل، قد تكون معادلة غير منطقية، ولكن عندما تَعرف أنك في الأردن فسيكون من السهل فك شيفرة المقولة، نعم تتغير الحكومات بالاشخاص ولكن الخطاب والنهج واحد، سَيلٌ من الوعود والالتزمات التي تَجعل المواطن الاردني لا يَهتم بِمن أتى وبِمن غادر، وهنا أتذكر طرفة لرجل عجوز ينتظر الاخبار على إحدى القنوات الإخبارية في القرن الماضي والجميع في حالة طوارئ لمكانة الأب في ذلك الزمان، ولا يستطيع أي فرد من العائلة الكلام ويُنصت الجميع لنشرة الاخبار على المذياع، وبعد أن يستمع العجوز للنشرة، يُخبر أبناءه بإغلاق المذياع او تغير الموجة ليستمع لاغنية، بتعبيره كله حكي، حُط بالخرج، نعم حُط بالخرج كله حكي.
لقد إستمتعت الحُكومات المتعاقبة بلغة الوعود والسوفَ والالتزام اللفظي بخطاباتها ولم تَعد تُفرق بين خِطاب هذه الحكومة والتي سبقتها بسنوات، نفس المواضيع ونفس الكلام اللهم بصياغة قد تكون رنانة أكثر من غيرها أو بِرصانة لغوية بليغة أكثر لان الخطاب تم مراجعته لغوياً، وفي التواصل الاجتماعي تجد الكثير من هذه المقارنات حول موضوع مثل الفساد الذي تكلم عنه ستة رؤساء وزرات سابقون، جميعهم ذكروا نفس الجملة بما يخص الفساد.. بالمقابل الفساد يزداد يوماً بعد يوم وبإعتراف الحكومة، حيث تُصرح الحكومة بأنها سوف (لاحظ التصريح فيه وعد وتسويف) تُحارب الفساد؛ إذن هو موجود فمن المستحيل أن تحارب الحكومة شيئاً غير موجود، إذن هو إعتراف بوجود الفساد، فأين النتائج؟
الأردن يَتغنى جميع مسؤوليه أنه بلد شاب من حيث التركيبة العمرية للسكان حيث نسبة الشباب هي الاعلى، وكذلك يتغنى الجميع بأن المتعلمين في الاردن وخاصة الجامعيين وحملة الشهادات العليا من أعلى النسب عالميا، ومع ذلك تُصر الحكومات على إستخدام لغة وخطاب أكل عليه الزمن وشرب، الشعب تغير في كل شيء إجتماعيا وسياسيا وديمغرافيأ، نعم أنه ليس الشعب السابق في القرن الماضي، والشيء بالشيء يذكر الادوات ليست هي نفس الادوات، في عالم تطور فيه كل شيء وخاصة التطور الكتنولوجي لشكل ونوع المعلومة وسرعة إنتقالها، فغدا التواصل هو الاساس واصبح الاعلام جزءاً أو فلسفة منه، تصر الحكومات على إستخدام الطريقة التقليدية بالاعلام وليس التواصل، كانك تعيش حالة بيانات إخبارية وليس نشرات إعلامية، مع فقدان الثقة التي يتحدث عنها الجميع، لذا فالواجب أن تنضج وتتطور الحكومات في الاردن لتواكب تطور شعبها وخاصة الفئات العمرية التي تختلف في كل شيء، وحتى في الحراك الاردني فإنه يتميز أنه حراك شاب، بخلاف الحراك في القرن الماضي.
الحكومة الارنية وهي تقترب من المائة (100) يوم لتشكيلها – وهي المدة التي عادة يتم تقييم الحكومة بها- لم تفعل أي شيء وأتت بخطاب روتيني كلاسيكي لنيل الثقة من مجلس النواب المنتخب حديثاً (مع كل ما ورد وقيل في المجلس بعيداً عن صحته أو عدمه)، الخطاب يتكلم عن كتاب التكليف السامي والقطاعات الاساسية في الموازنة وعن وعود، ولم تُعطي أي حل، نعم الاهتمام بالاردنيين، والاردني على سلم الاولويات ولكن كيف؟ لم تُعلن الحكومة في خطاب نيل الثقة عن أية إجراءات أو طرق سوف تقوم بها سوى أنها سوف تستقطب الاستثمار الاجنبي، وسوف تقلل البطالة، وسوف تقلل الدين وسوف تحارب الفساد وسوف... الى آخر سوف، فالرزاز تكلم أكثر من ذلك، وذهب بعد سنتين وزاد المديونية اربعة (4) مليارات وسلفه كذلك وسلف من قبله، الدول لا تدار بالتمني والوعود والتسويف، بل تُدار بالمفاهيم الادارية الحديثة القائمة أولا على الموارد البشرية الحقيقية المؤهلة، القادرة على الانجاز وليس التجريب.
التخطيط هو الاساس، ولكن التخطيط الفاشل هو تخطيط للفشل، فيجب أن نخطط تخطيطاً قائماً على العلم والتجربة وأن يكون متكيفاً مع إمكانياتنا البشرية والمالية، تخطيطاً قائماً على العدالة في التوزيع بين القطاعات وخاصة المتشابكة، تخطيط متوازٍ، مرتبط بجدول زمني مدروس في كل شيء، ومن أبجدياته أن تستقطب الحكومة شخوصاً حقيقيين قادرين، والحكومات الاردنية محظوظة لتوفر هؤلاء في أبناء الاردن، ولا أعرف لماذا تُصر على استثنائهم وفقط التركيز على الشخوص الخطأ من المحظوظين والمدلليين (بعيداً عن المعايير والحالات التي تم تعينها سابقا وقريباً).
لِنَعد للشعب، الشعب الذي أغلبه من الفئات الشبابية المتعلمة المقهورة، نعم المقهورة، حيث يصنفون الى ثلاثة أصناف (هنا اتكلم عن الشباب الاردني الوطني الحقيقي وليس المحظوظين والمدلليين، من يركبوا الصواريخ ولهم الحظوة في كل شيء)، الصنف الاول مازال يدرس وليس لديه أمل بعد إكماله الدراسة، الصنف الثاني أكمل دراسته وجالس بدون هدف، أما الصنف الثالث الذي أنهى تعليمه أو تدريبه ودخل سوق العمل (طبعاً بعد أن تفضل عليه البعض بوظيفه متدنية) ودخله لن يكفيه لسد حاجته الاساسية، يَلتقي الثلاث أصناف بشيء واحد وهو القهر، نعم القهر للخامات الشبابية، فأصبح الحلم الوحيد لهؤلاء الشباب الغربة، (لاتهاجر يا قتيبة، فأين قائلها)، السؤال الان: لن يستطيع الجميع أن يهاجر لاسباب كثيرة، منها أن الاسواق الاقليمية اصبحت شبه مكتفية بأبنائها، ولكن الاهم ماذا سيفل هؤلاء إن بقي الامر على ما هو عليه؟ سؤال يحتاج للاجابة والتحليل.
لقد آن الآوان أن تكون الحكومات مواكبة للشعب في كل شيء، فالزمن قد تغير، فلا يمكن أن تُدار الامور كما السابق، خاصة وأننا في ظرف إستثنائي طالما تغنت الحكومة أنها قادرة على المضي وتتخطى هذا الظرف (حسب تصريح رئيسها، بعيداً عن تصريحات بعض أعضائها الذين يطلبون وضعاً طبيعياً للعمل)، الوقت لن يَمهل أحداً، فالأردن في وسط جميع خطط المنطقة ودولها، فلابد من الاستفادة من هذه الفرصة بطريقة وطنية، نعم إنها فرصة إن تم إستغلالها، أو لاسمح الله مصيبة أن لم نكن على قدر المرحلة، والبداية من المصارحة والمشاركة بين الجميع (الحلول أصبحت متداولة، وقد ذكرها كثيرون، كنت قد ذكرت بعضها في مقالات سابقة)، وهذا يبدأ من الحكومة ورئيسها لانه هو صاحب الولاية، لا أعتقد أن يطول صبر المكون الشبابي في الاردن، فليس لديهم مكان للاستماع للكلمات كسلفهم لانهم يعانون يومياً، ووصلوا لمرحلة تكسرت سُفنهم على صخر الشاطئ الذي أبحروا منه، فهل سنجد من عقل الدولة سيناريو وطنياً يقابل هذه الخامات الشبابية التي تقطعت بها السبل واصبحت مستعدة أن تذهب بأي اتجاه، خاصة وأننا نواجه تمدداً إقتصادياً قادماً قد يُسيطر على الشباب بتحقيق حلم بسيط لهم وهو العمل، الامر بِحاجة لسرعة معالجة وعدم إبقاء الامر كما هو والتشبث بآراء شخصية بالية، لا تتمشى مع تطور الزمن والشعب والادوات، حفظظ الله الاردن منيعاً وشعبه العظيم الذي يعاني، وقيادته الشرعية.
* إستشاري وباحث إدارة مشاريع / كاتب إردني