أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

عمّان التي لا تنام.. تغفو بهدوء في زمن كورونا

مدار الساعة,أخبار الأردن,اخبار الاردن,كورونا,نسبة البطالة,الضمان الاجتماعي,الاستهلاكية المدنية,أمانة عمان,الأمن العام,عيد الأم,مستشفى الإسراء,الجامعة الأردنية,مستشفى الملكة علياء,الدوريات الخارجية,الانتخابات النيابية,وسائل التواصل الاجتماعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - كتب: أحمد ذيبان

لم يخطر ببالي وغالبية المواطنين يوماً، أن تخضع عمّان وكافة أنحاء المملكة لحظر تجول إلزامي، وتنام العاصمة التي تضج بالحركة على مدار الساعة، وتنعم بهدوء نادر وتسترخي، على مدى ساعات النهار والليل.. إنه زمان كورونا اللي "مش عالبال والخاطر"..!

كتبت يوماً مقالاً بعنوان ".. عمان قبل السابعة"، حيث كنت مضطراً للنزول الى منطقة الأغوار في وقت مبكر لإنجاز معاملة، وانطلقت من المنزل بحدود الساعة والنصف صباحاً، قبل أن ينتشر الناس الى أعمالهم والطلبة الى مدارسهم، فشعرت بمتعة قيادة السيارة وهذه من الحالات النادرة، وسجلت في المقال مشاهداتي وانطباعاتي عن شوارع العاصمة، قبل أن تزدحم بالمركبات وتغرق بأزمات المرور.

لكننا هذه الأيام في واقع مختلف.. أنا شخصياً لم أشهد في حياتي "يوماً واحداً فرض فيه حظر التجول في الأردن، ولا في أي دولة أقمت فيها مثل العراق وقطر، أو تلك التي زرتها في شرق ووسط آسيا وأوروبا ومدينة اسطنبول التركية، التي تنقسم الى جزءين آسيوي وأوروبي.. بكل ما يعنيه حظر التجول من تقييد للحرية الشخصية.. وبلغ الأمر ذروته أن الحكومة الأردنية دخلت مجازفة غير مدروسة بقرار إدارة عملية توزيع الخبز، والمواد التموينية والأدوية والمشتقات النفطية وفق آليات خاصة، وكان يوم بدء التوزيع 24/3/2020 كارثي بامتياز، يمكن وصفه بـ"الثلاثاء الأسود" بل كان "أم المهازل"! حيث فشلت العملية منذ الساعات الأولى، وأشبعت نقداً وتعليقاً وتهكماً عبر وسائل التواصل الاجتماعي..

تزاحم للحصول على الخبز

وسط البلد

حظر تجول غير مسبوق

إنه زمن كورونا.. أعلنت الحكومة عصر الجمعة 20/3/ 2020، قراراً بفرض حظر التجول، بدءا من صباح اليوم التالي السبت 21 آذار، وكانت مصادفة غريبة أنه تزامن مع يوم "عيد الأم"، وذكرى معركة الكرامة مع العدو الصهيوني التي وقعت عام 1968، وعادة يتم الاحتفال بهاتين المناسبتين في ظروف مخلتفة..

وبضمن إجراءات حظر التجول، قررت الحكومة إصدار تصاريح خاصة لمن تتطلب طبيعة عملهم، الخروج الميداني وبضمن ذلك الصحفيون، ولأن قرار حظر التجول كان مفاجئاً حدثت حالة إرباك كبيرة، وبضمن ذلك مطالبة وسائل الاعلام ترشيح اثنين من العاملين في كل منها ، لتزويدهم بتصاريخ خلال وقت قصير ليلة الجمعة على السبت ، وأنا شخصيا حاولت ما استطعت الى ذلك سبيلاً، طيلة الليل وحتى ساعات الفجر دون جدوى، ولم أحصل على التصريح الا مساء الأحد 22/3 ، حيث تم تسليمي إياه على باب المنزل، لأن حظر التجول منعني من الوصول الى هيئة الاعلام لاستلام التصريح..

خرجت من باب المنزل بحدود الساعة الحادية عشرة والربع ،قبل ظهر الاثنين 23/3 ودخلت الى السيارة، وكانت مصادفة غريبة أنه في هذه الأثناء مرت دورية أمنية ، وقفت عندي وسألني أحد أفرادها: الى أين ذاهب؟ فأبرزت التصريح وتأكد من هويتي وقال بلطف تفضل، وانطلقت بغرض الاطلاع على أحوال عمان في ظل حظر التجول وهي فرصة نادرة، فأنت تستطيع تخيل حالة المدينة في مثل هذا الظرف، لكن المشاهدة المباشرة والتحرك بالشوارع ،لها طعم ومذاق مختلف .. وخطرت في ذهني ملاحظة ذات بعد سيكولوجي، يدخل في عمق طبيعة النفس البشرية، وهي مذاق الإحساس بالسلطة وهذا ليس محصوراً، بتولي المناصب العليا وإدارة شؤون البشر، بل أن كل ما يميز المرء عن الآخرين، يوفر له سلطة ولو من الناحية النفسية، وكلما توقفت عن نقطة أمن وطلبت مني التصريح ، للتأكد من مشروعية التنقل وتعاملني بلطف واحترام، كان يراودني هذا الاحساس، وبالإمكان تخيل ما يشعر به كبار المسؤولين والساسة والنواب، الذين يتمتعون بامتيازات ورواتب ومكافآت عالية وسيارات مميزة في لوحاتها وسائقين، وخدم وحشم ومحاطون بالمصفقين والمنافقين، بل أصبح الكثير منهم وجهاء يتصدرون جاهات خطبة العرايس!

باتجاه العبدلي

شارع ياجوز

بكل يسر وسهولة وهدوء قطعت نحو خمسة عشر كيومتراً، خلال أقل من سبعة دقائق ، تجاوزت خلالها ست إشارات ضوئية كانت تشكو من قلة "الزبائن" ! كان آخرها الاشارة التي تبعد مئة متر عن " سيفوي الجبيهة"، وبجانبه سوق للمؤسسة الاستهلاكية المدنية ، كانا مغلقان طبعا مثل كافة المتاجر والأفران والصيدليات وكل من يبيع ويشتري، وتجاوزت لوحدي إشارة الدوريات الخارجية ، التي تضج عادة بالحركة والتزاحم المروري باتجاهات متعددة، ودخلت الى صويلح الواقعة غرب عمان وكان عند الدوار الرئيسي فيها نقطة أمنية ، طلبوا مني التصريح وعاملوني باحترام ، ثم دخلت شارع التسوق الرئيسي الذي أعرفه جيدا ، فكلما أنزل الى منطقة الأغوار أضطر مكرها الى عبوره، وأشعر بضيق شديد بسبب الاختناق المروري ، ودائما يكون مزدحما بالمتسوقين والسيارات المتوقفة على الرصيف أو بشكل مزدوج.. لكن حظر التجول أفقده هذه الميزة وكان خاليا من الحياة.

شارع الجامعة

كاتب التحقيق أمام مطعم هاشم

كاتب التحقيق امام حلويات حبيبة وسط البلد بجانب كشك ابو علي

وكي لا أفوت الفرصة المسائية خرجت عند الساعة السابعة باتجاه طبربور، ثم دوار المشاغل وحتى دوار المدينة الرياضية ..كان الهدوء والصمت سيد الموقف، التقطت بعض الصور وعدت..

"الثلاثاء الأسود"..

أما في يوم "الثلاثاء الأسود " 24/3 /2020... يوم الخبز التاريخي ! فغيرت الاتجاه وصلت الى صويلح باتجاه الأغوار، لاستطلاع كيفة تنفيذ قرار توزيع الخبز ضمن الآلية التي قررتها الحكومة.. قطعت نصف المسافة في الشارع التجاري الرئيسي وكان فارغاً، وعندما وصلت موقع أحد المخابز، فوجئت بطوابير طويلة وتزاحم ودورية شرطة، تحاول تنظيم الدور وضبط إيقاع عملية التوزيع، ونزلت من السيارة لالتقاط بعض الصور وكان المشهد يدعو للأسى لم أشهد مثله، وربما يفوق ما يحدث في مخيمات البؤس للاجئين العرب الذين تشردوا وينتظرون الإغاثة، وكأن البلد في حالة مجاعة !..

الناس يتنظرون ساعات في صفوف متراصة بعيدة عن الشروط الصحية، التي تطلبت اتخاذ مثل هذا القرار القاسي، وهي ارتداء الكمامة وعدم التقارب الجسدي للوقاية من انتشار الفيروس، البعض حالفه الحظ وحصل على كيس خبز بشق الأنفس وبطريقة مهينة ، والبعض الآخر كان حظهم عاثراً..

وذهبت للسلام على والدتي التي لم يصلها خبز ، لكنها كانت متحوطة من يوم الجمعة ، بالحصول على ثلاثة كيلوغرامات، وسألتها عن رأيها بما يحدث ؟ فأجابت بأنه لأول مرة في حياتها ، وهي على أبواب التسعين "الله يحفظها"، تشهد حظر تجول حتى خلال الحروب، وفي أقسى الظروف لم يحدث ذلك..ووجهت نقدا قاسيا للحكومة ووصفتها بكلمة لا أريد ذكرها..

ومن مفارقة يوم"الثلاثاء الأسود" ،أنني حملت معي من الغور بعض الخبز، وكميات محدودة من الخضار والمواد الغذائية، إلى عائلات في السلط وعين الباشا، تقطعت بها السبل ولم يصلهم "العيش"..

المتنمرون والمستهترون..

ولأن لكل أزمة ارتدادات وكل منها "تلد" تداعيات، كانت "أم المهازل" ضربة موجعة لخطة الحكومة، وانفجر غضب الناس في وجهها، من خلال سيل هائل من الانتقادات والسخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فاستدركت الأمر واضطرت لاتخاذ قرار مفاجيء بفتح المخابز ومحلات التجزئة يوم الاربعاء، لاتاحة المجال للمواطنين للتسوق، مشيا على الاقدام داخل الأحياء السكنية..وكان قراراً صائباً.

وبغرض رصد المستجدات الميدانية ،خرجت قبل ظهر الاربعاء وهو اليوم الخامس لتطبيق حظر التجول، وأكثر ما لفتني كثرة عدد المركبات التي تجول في الشوارع، ليس في الشوارع الداخلية للأحياء السكنية فقط، وقدرت أن كثافة السير ارتفعت بنسبة "20 الى 30 "بالمئة عن الأيام السابقة، في الشوارع الرئيسية في العاصمة عمان وضواحيها.. واستبعدت بأن كل هؤلاء لديهم تصاريح ..!

تنقلت من شفا بدران، الى الجبيهة الى صويلح ثم الى منطقة السرو على طريق السلط، ومن هناك نزلت باتجاه عين الباشا، وعرجت على صافوط ،وعدت الى دوار صويلح ثم توجهت الى الجبيهة مرة أخرى، وذهبت الى طبربور - طارق، ولاحظت في كل هذه المناطق طوابير المواطنين أمام المخابز، ومتاجر التجزئة التي فتحت أبوابها، لكن كان هناك انتظام في الطوابير وتباعد المسافات بين المتسوقين، والعديد منهم يرتدي كمامات وكان هذا تطوراً ايجابياً.

وتوجهت بعد ذلك الى شارع صرح الشهيد باتجاه المدينة الرياضية.. كنت أبحث عن مخبز لشراء كيلو خبز بدون زحمة فلم أجد، عدت وسلكت شارع الاردن مروراً بدوار مستشفى الملكة علياء، ورجعت الى الجبيهة، وأخيراً اضطررت الى الانتظام في طابور أمام مخبز مقابل سيفوي الجبيهة، لمدة تقارب نصف ساعة..

طابور امام مخبز في شارع الشهيد

وعندما قرأت خبر تصريح الأمن العام، بأنه تم يوم الأربعاء حجز "1134" مركبة لمخالفتها أوامر حظر التنقل.. وجدت تفسيراً للكثافة المرورية.. فبعض المستهترين حاولوا التنمر.. وهم يستحقون العقوبة..

ضاقت الناس بحظر التجول وما يسببه من تداعيات اقتصادية واجتماعية كارثية ، فاضطرت الحكومة الى الاستجابة لمطالبات المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فاستبدلت الحظر الشامل بحظر جزئي وحظر شامل أيام الجمع ، ومنع التجمعات في المناسبات التي تتطلب الاختلاط ، مثل الأيام التي أعقبت إجراء الانتخابات النيابية.

اللعنة عليك يا "كورونا".. فيروس مجهري زلزل العالم..!

فيديو خلال قيادة السيارة أثناء حظر التجول

مدار الساعة ـ