مدار الساعة - يُغادر الأردن عام 2020، وقد واجه بشعبه واجهزته المختلفة وباءً فاقم بتحدياته الكبيرة، أزمات البلاد على الصُّعد كافة، غير أنَّه يمضي إلى عام جديد، متسلحًا بإرادة أكبر وعزيمة لا تلين وتجارب تجعل من الجائحة وتداعياتها دروسًا وعِبرًا ونهجًا؛ للتعامل مع الأزمات والشدائد وتخطيها مهما قَست.
7 آلاف و224 ساعة على مدار عام استثنائي، شكَّلت حربًا خاضها الأردنيون، كجزء من هذا العالم على وباء كورونا، فكانت الخطط والاجراءات التي أسهمت في تخفيف آثار وباء أصاب العالم بالشلل التَّام في أغلب القطاعات إن لم يكن جميعها.
وشكل العمل بقانون الدفاع لعام 1992، والمنصوص عليه في المادة 124 من الدستور وتمَّ تفعيله بإرادة ملكية منتصف شهر آذار الماضي، بداية التعامل مع تداعيات الجائحة لمواجهة فيروس مستتر هدَّد وما زال بقاء الإنسان وصحته، فصدر بموجبه 24 أمر دفاع، شكلت في مجملها خارطة طريق لعبور الاردن بكل قوة ومنعة نحو عام جديد ليتوج المئوية الاولى للدولة الاردنية بالمزيد من البناء والتطور والنماء.
وعملت أوامر الدفاع على امتداد مراحل الأزمة على تنظيم شؤون الدولة الأردنية، وإدارة أجهزتها ومؤسساتها، في جميع القطاعات الاقتصادية والصِّحية والتعليمية والاجتماعية والخدمية، رغم تسجيل نحو 290 الف اصابة بالفيروس، وما يزيد على 3778 وفاة.
وثبَّت الأردن، رغم شُح الموارد وصعوبة المرحلة، أركان نظامه الصحي باعتباره المحور الأهم والعمود الفقري لحربه على الوباء، فطور قدراته في التعامل معه واحتوائه ومنع انتشاره.
مستشفيات للعزل، وأخرى ميدانية، وفرق للتقصي الوبائي والفحص العشوائي للكشف عن الفيروس، واجراءات للحجر المنزلي واخرى للمؤسسي، وحملات توعوية وتثقيفية، وزيادة في الاسرة الطبية، وتطور في انتاج مستلزمات التعامل مع الوباء، وغيرها الكثير من الانجازات التي حققها الاردن ونظامه الصحي، توجت جميعها بآمال الأردنيين بوصول مطاعيم تم تطويرها عالميا للوقاية من الفيروس، في وقت قريب والبدء بحملات تطعيم مجانية للمواطنين.
وراقبت وزارة الصحة بالتنسيق، مع اللجنة الوطنية للأوبئة، تطورات الفيروس عبر مراحله المختلفة، وقدَّمت الأساس العلمي للتعامل معه، وكتبت توصياتها اولًا بأول للمسؤولين لاتخاذ قراراتهم بما يضمن مواجهة الوباء وتخفيف آثاره الكبيرة والمتنوعة على المواطنين، ليتوج هذا الجهد بإرادة ملكية سامية بإنشاء المركز الوطني لمكافحة الأوبئة، والذي بدأ أعماله مع نهاية العام 2020.
كما شهد العام 2020، تشكيل خلية الازمة لمواجهة فيروس كورونا كان مقرُّها الدَّائم المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، فكانت قرارات الخلية وتوصياتها تصدر بعد مشاورات على أعلى المستويات، لينتهي العام 2020 باستمرار العمل بقانون الدفاع و24 أمرًا صدرت بموجبه.
قطاع التعليم وأكثر من مليوني طالب في مختلف المراحل التعليمية، لم يكن بمعزل عن تداعيات الجائحة، التي دفعت إلى إغلاق المدارس وتعليق دوام الطلبة فيها اعتبارًا من 15 من شهر آذار الماضي حتى نهاية العام الدراسي 2020/2019، والاستمرار في التعليق بعد مرور شهر من الفصل الاول للعام الدراسي الحالي 2021/2020 .
واستطاع الاردن خلال تعليق دوام المدارس، التحول إلى نظام التعليم عن بعد، الذي اعتبر بموجب أمر الدِّفاع 7 دراسة فعلية منتظمة ومقبولة للغايات المنصوص عليها في التشريعات ذات العلاقة بالمؤسسات التعليمية وفقاً لأحكام قانون التربية والتعليم.
وحفاظا على حقِّ الطلبة في التعليم ورغم التحديات الفنية والتقنية، أطلقت وزارة التربية والتعليم منصة درسك للتعليم الالكتروني، وبدأت بث الدروس المتلفزة على قنوات درسك 1 ودرسك 2، في الوقت الذي حرصت فيه الوزارة على إجراء امتحان التوجيهي وفق برتوكول صحي والحفاظ على سمعة الامتحان الوطني وأهميته.
من جانبها، تحولت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بجامعاتها إلى التَّعليم عن بُعد، وأقرَّت إجراءات في الجامعات للطلبة الذين تتطلب دراستهم الامتحان في الحرم الجامعي، وفق معايير مشدَّدة في إجراءات السلامة العامة، وقدَّمت كذلك حلولًا لطلبة الدِّراسات العليا في الجامعات الخارجية بتخفيض شرط الإقامة لنحو ثلاثة أشهر وبموجب شروط محدَّدة.
117 يومًا خضع فيها الأردن لحظر شامل خلال العام 2020، وفُرضت قيود على الحركة طيلة 301 يومِ، نفذتها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لتخفيف آثار الفيروس، صدرت فيها تصاريح محدَّدة لإدامة عمل القطاعات الحيوية وسهلَّت الأمر على الكوادر الطبية وفرق التّقصي الوبائي، وضبطت مشهد التعامل مع الجائحة بكل مسؤولية.
القوات المسلحة - الجيش العربي، كانت جاهزة على المستويات كافة، أمَّنت الحماية والتطبيق لقانون الدفاع وأوامره، وقدَّمت خدماتها الطبية بمستشفياتها كافة، وتبرع منتسبوها بوحدات الدَّم عندما شحَّت على المرضى بسبب الفيروس، وأنشّأت المستشفيات الميدانية، واستمرت كوادرها بدورها في حماية الحدود رغم تحديات الوباء والإقليم الملتهب.
ورفد جهاز الامن العام على مدار العام بمديرياته، من درك ودفاع مدني جهود الدولة في مواجهة الوباء، وقدَّم كل خدماته على مدار السَّاعة، أغاث الملهوفين، ووقف بالمرصاد لمرتكبي الجريمة وتجار المخدرات والمحاولين عبثًا خرق قانون الدفاع ومخالفة أوامره التي كانت تسد الفُرج كي لا ينفذ الفيروس إلى ضعاف لا يستطيعون المقاومة، فتزداد الخسائر البشرية.
وزارة التنمية الاجتماعية من جانبها، واصلت تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية 2019- 2025، والهادفة إلى تمتع جميع الأردنيين بحياة كريمة، وبيئة عمل لائقة، وخدمات اجتماعية ممكنة، وحرصت خلال الجائحة على تعزيز دور الاستراتيجية بإنشاء لجنة الحماية الاجتماعية الحكومية، التي عملت بدورها على توفير الدعم النقدي والعيني للأسر المتأثرة من الجائحة.
أكثر من 105 الاف اسرة استفادت هذا العام من المعونات المالية المتكررة لصندوق المعونة الوطنية، بعد ان رفعت الحكومة مخصصاته المالية، بهدف توسيع شريحة المستفيدين من برامج الصندوق، فيما زاد عدد المستفيدين من برنامج المعونات المالية الفوري والعادي والمخصص للكوارث الطبيعية، والمعونات المالية الاضافية للأسر الأشد فقرًا، وبرامج التأمين الصحي لمنتفعي الصندوق.
وكان للزيارة الملكية للصندوق، أثرًا كبيرًا باستحداث برامج جديدة هدفت الى توسيع نطاق الحماية الاجتماعية؛ للوصول إلى الأسر المحتاجة، وتحسين الخدمات المقدمة للمستفيدين، فتم شمول أكثر من 25 ألف أسرة من برنامج الدعم التكميلي، ومساعدة ما يزيد على 260 الف من اسر عمال المياومة المتضررين من الجائحة من خلال برنامج تكافل 2، اضافة الى تسليم أكثر من مليون أسرة دعما نقديا من برنامج دعم الخبز.
وتعاملت وزارتا العمل والتنمية الاجتماعية ومؤسسة الضَّمان الاجتماعي، خلال العام 2020، مع أكثر القطاعات تضررًا والفئات التي أصابها الضَّعف وعانت من الإغلاقات الشَّاملة والتعطل، فكانت برامج الدَّعم الموجه لهذه الفئات ومساعدتها، ليتم انشاء صندوق همة وطن، واطلاق برنامج استدامة وبرنامج مساند.
ولم تمنع الجائحة الاردن من اجراء الاستحقاق الدستوري بانتخاب مجلس النواب التاسع عشر تكريسا للنهج الديمقراطي، وتعزيزا للحياة السياسية الاردنية، لينعقد المجلس وتبدأ مرحلة دستورية جديدة من عمر الدولة الاردنية بافتتاح جلالة الملك عبدالله الثاني اعمال الدورة العادية لمجلس الامة في العاشر من الشهر الحالي بخطاب العرش السامي.
كما شهد عام 2020، ورغم ظروف الجائحة، استكمال العديد من المشاريع الحيوية استمرارا لعجلة التنمية، فاستمر العمل وقارب على الانتهاء في مشروع الطريق الصحراوي الذي انتظره الاردنيون طويلا، فيما استمر العمل في مشاريع اخرى تنفذها وزارة الاشغال العامة والاسكان، كمشروع تقاطعي الارسال، ومرج الحمام، ومشروع تأهيل وحماية جسور البحر الميت ومشروع التردد السريع بين عمان والزرقاء.
كما واصلت أمانة عمَّان الكبرى خلال العام الحالي، العمل بمشروع الباص السَّريع وفق الخطة الزمنية التي وضعتها لاستكماله، فاستكملت العمل في عدد من مراحله المختلفة في العاصمة عمان، بما يشكل نقلة نوعية لقطاع النقل في الأردن مع دخوله المئوية الثانية.
وعلى ذات الصعيد، اتحدت جهود المجلس القضائي ووزارة العدل من أجل إدامة مرافق العدالة وعدم توقفها، وبدأ العمل بشكل كبير بالمحاكمة عن بُعد، واللجوء للخدمات الالكترونية تخفيفًا على المراجعين، ومراعاة للسلامة العامة.
وقدمت وزارة العدل أكثر من 40 خدمة الكترونية، سهلت العمل في ظل الوباء، فيما قدَّم مركز الخدمات الشَّامل آلاف الخدمات في مكان واحد قرب قصر العدل، وتمّ الإفراج عن عدد من الموقوفين تخفيفًا للاكتظاظ في مراكز الإصلاح والتأهيل.
ولم تنقطع المياه في ظروف الجائحة عن الأردنيين، إلا ما كان لظرف طارئ أو خلل لم يستمر طويلًا، فواصلت وزارة المياه والري تقديم خدماتها للمواطنين على مدار السّاعة.
إلى ذلك، كانت خدمات الاتصالات والانترنت مستمرة وبرزت الحاجة الكبيرة اليها في ظل الجائحة، فقامت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بكل ما يلزم وبما لديها من قدرات، وفتحت عددًا كبيرًا من المنصات للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الخدمات الالكترونية التي سهلت على المواطنين واسهمت في دعم الجهود المبذولة لمكافحة الفيروس.
من جهتها، تعاملت وزارة الأوقاف مع تداعيات الجائحة التي اضطرتها الى اغلاق المساجد بين حين واخر في مشهد لم يعتد عليه الاردنيون، فيما عملت على تنظيم الصلوات وصلاة الجمعة وفق بروتوكول يحافظ على سلامة المصلين وصحتهم.
وانفتح النَّاطق الإعلامي باسم الحكومة طيلة العام على وسائل الإعلام كافة، وقدم الى جانب الوزراء والمسؤولين عبر إيجازات ومؤتمرات صحفية في رئاسة الوزراء، آلاف الرَّسائل الإعلامية اليومية والاسبوعية لضمان تدفق المعلومات لجمهور المتلقين أولا بأول، ما قطع الطَّريق على الإشاعات والمحبطين والمشككين.
مرَّت سنة 2020 ثقيلة على الأردن وساكنيه، أظهر خلالها الاردنيون، ارادتهم وعشقهم لتراب وطنهم وقدرتهم على تحمل الصعاب، غير انهم يتطلعون، بكل أمل وثقة الى عام جديد اكثر سلاما وطمأنينة وهم يتفيؤون ظلال الالفية الثانية من عمر دولة احتضنتهم وقدمت لهم الكثير وما زالت.
بترا