في هذه الأيام تستنفر الحكومة جهودها – وهذا من حقها - لتحصل على ثقة «وازنة» من مجلس النواب، فثمة وزراء يتحركون لإقناع النواب بمنح الثقة، وثمة مشاورات مع الكتل البرلمانية التي تشكلت على عجل لاستمالتها تجاه التصويت بالثقة، ومن خبرتنا المتواضعة في تجارب معظم مجالسنا النيابية مع الحكومات نطمئنها بأنها ستكسب الثقة ونبارك لها سلفا بهذا الانجاز.
لكن لا بد أن نصارح الحكومة بأن الأهم من ثقة النواب هو ثقة الناس الذين ارتفعت أصواتهم مطالبين بتحسين أوضاعهم، وقبل ذلك مطالبين بالعدالة والحرية والإصلاح، هذا هو الاختبار الحقيقي للحكومة التي وعدت بالعمل على «إنقاذنا» من أزماتنا السياسية والاقتصادية، وبتصحيح مساراتنا العامة، وبالإسراع في فتح الملفات المغلقة والمعلقة وبمعالجة الأمراض الطارئة والمزمنة التي أصابت بلدنا في السنوات الماضية، قبل ان تداهمنا «كورونا» وبعدها أيضا.
لا مجال –بالطبع- لعقد صفقات سياسية مع الناس طالما أن «الإصلاح الحقيقي» هو هدفهم، ولا مجال أيضا للاحتماء بالأغلبية الصامتة ما دام أن أصوات الناس أصبحت مسموعة أكثر مما نتصور، لتذكرنا بأن الإصلاح قد تأخر وبأن التأخير فيه خيار سيئ ومكلف، وما دام أن كورونا كشفت أخطاءنا وحملتنا أكثر مما نحتمل، وما دام دورة العنف الاجتماعي استعادت دورانها وما كانت لتفعل ذلك لو نجحنا في إشغال الناس بمشروع حقيقي يستوعب طاقاتهم، ويعيد إليهم الأمل بمستقبلهم ويجمعهم على أرضية البناء لا الهدم، والعمل لا الفراغ، والثقة بالمؤسسات والمقررات والخيارات لا اليأس من ذلك كله.
معيار النواب لمنح الثقة للحكومة او حجبها؛ هو البيان الوزاري وما يجري على هامشه من مناورات ومقايضات، ومعيار الناس لهذه الثقة ؛هو الانجاز على الأرض، وإذا كان بوسعنا أن نقدم «جردة» حسابات عن ما أنجزناه –في ظل الحكومات السابقة - وهي– للأسف - متواضعة جدا، فان ما يدهشنا حقا هو إصرار البعض على التعامل مع مطالب الناس بمنطق الاستهتار؛ وكأن «ثقتهم» في الجيب، او تحصيل حاصل او كأننا لم نتعلم من تجارب الآخرين الذين «فهموا» بعد فوات الأوان او استيقظوا من «الأحلام» على كوابيس مفزعة لم يخرجوا منها حتى الآن.
نظرة واحدة على ما جرى في عالمنا العربي تكفي؛ لكي نسأل أنفسنا: لماذا لم نخرج من دوامة الحديث عن الإصلاح والجدل حول «أولوياته» ومواصفاته إلى ميادين الإصلاح الفعلي التي تمشي فيها البرامج على قدمين؟ لماذا نغطي على «ملفات الفساد» الكبرى ونخشى من كشف «الفاسدين» الذين سرقوا أموالنا وأعمارنا؟ لماذا نصر على العمل تحت ضغط الوقت وبمنطق «الجرعات» بدل أن ندفع الناس إلى المشاركة من البوابات المشروعة التي تفتحها «الديمقراطية» الحقيقية؟
إذا أرادت الحكومة ان تجتاز امتحان ثقة النواب –وهو امتحان سهل- الى امتحان ثقة الناس – وهو الأصعب - فالمطلوب منها ان تتحرك بلا إبطاء لمواجهة أسئلة هؤلاء التي أصبحت معروفة للجميع، وأخشى ما أخشاه ان نتصور بان ما نقدمه من إجابات «مبهمة» او مغشوشة سيقنع أبناءنا الذين كسروا حاجز الخوف والتردد، لأننا إذا تصورنا ذلك- للأسف - سنقع في المحظور الذي طالما دعونا غيرنا الى تجنبه وسنكتشف بأننا أخطأنا في العنوان.. لكن بعد فوات الأوان .
دعونا نصلي من اجل الا يحصل لبلدنا اي مكروه.
الدستور