ثلاثة أيام تفصلنا عن ذكرى إعدام الرئيس العراقي صدام حسين، يوم عيد الأضحى، فجر الثلاثين من كانون ثاني 2006، وبالمناسبة كانت التاريخ وساعة الفجر تلك هي ساعة وفاة والدي 2015، ورغم مرور ستة عشر عاماً على رحيل الرجل الأصلف والأعند بين القيادات العربية، فإن الروايات حوله لا تزال تتداول دون تدقيق ولا توثيق، إلا فيما ندر من تسجيلات مرئية أو وثائق استخبارية، ولكن القنبلة التي فجرها أمين عام جامعة الدول العربية السابق وزير الخارجية المصري الأسبق عمرو موسى فاقت التوقعات، إذ أكد مرة أخرى أنه صرخّ بوجه صدام حسين ولقنه درساً دبلوماسياً.
موسى يذكر عبر كتابه «سنوات الجامعة العربية» أنه طار إلى بغداد لينصح صدام قبيل الغزو الأميركي لوجوب السماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية مجدداً ولتلافي حرب أميركية عليه، وأن صدام رفض، فما كان من موسى إلا أن صرخ بوجه صدام قائلاً ما نصه «فقدت أثناء الحوار السيطرة على أعصابي وصرخت بوجهه: اسمع يا سيادة الرئيس، التنظير لن ينفع العراق ولن ينفعك بكل صراحة، أنا أقول لك العراق معرض لضربة قاصمة من الولايات المتحدة القوة الكبرى الأولى في العالم،هل أنت واع بأن بلدك معرض لهذا الخطر الداهم؟»، مؤكداً أنها أعنف صرخة لشخصية عربية في وجه صدام.
هل حدثت هذه الواقعة فعلاً؟ لا نعلم حقيقةً بعد تاريخ طويل من الرعب الذي كان يشكله صدام بشخصيته الاستثنائية وحضوره الطاغي وردود فعله السريعة والطبع العراقي في الأنفة التي اعتادوا عليها، ولكن مهما حصل فإن موسى كان يعلم تماماً أن الكارثة ستحل بالعراق كما كان يعلم رئيسه الراحل حسني مبارك أن عراق صدام حسين 1990 لن يكون ذلك العراق الذي كنا نعرفه من قبل، وأن رياح القطب الأوحد التي تمثلها الولايات المتحدة سيكون إعصاراً يقتلع أي قوة تشكل تهديداً واقعاً على المصالح الغربية في العالم العربي، ولكن فشلت كل المحاولات لإقناع صدام والنظام هناك بإحناء الرأس للعاصفة في سبيل النجاة.
إن اجترار التاريخ بعد رحيل الزعماء دون تسجيل فوري للأحداث، يعتبر مثلبة تطارد مؤرخيه السياسيين ولهذا فقد فند وزير خارجية صدام حسين آنذاك، ناجي صبري،ما وصفه بإدعاءات موسى غير الواقعية،حيث حضر صبري معظم لقاءات صدام حينها.
كان الملك الحسين أكثر زعيم عربي يمطر صدام بالنصائح لتغيير مواقفه لصالح العراق والعالم العربي، ومع ذلك لم يصدر عنه أنه تجاوز بروتوكولات وآداب النصح مع رئيس بحجم صدام، ولكنه غضب فعلاً عندما لجأ حسين كامل وعائلته هرباً من صدام، خصوصاً في زيارة عدي صدام لعمان لإعادة صهره لبغداد، حيث كان يمتشق مسدسه أسوة بحراسه الشخصيين، وهذا ما لم يوافق عليه أمنياً، نظراً للريبة التي مثلها الضيف، ورفض الحسين الطلب كونهم ضيوفاً.
كان في العالم العربي الذي يتحدث عنه موسى آنذاك قليل من الحكماء الذين استطاعوا تحييد دولهم عن الزلازل السياسة لخبرتهم بالتاريخ وتواضعهم مع الشعوب، ولو بقوا على ما نعتقد لما ضرب الربيع العربي تدميراً في دول لم نحسبها تنهار..
ROYAL430@HOTMAIL.COM
الرأي