أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس مناسبات جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

مترجم: لماذا يحب اليمين البديل نيتشه وأفكاره؟

مدار الساعة,أخبار ثقافية,مجلس النواب
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - سلب نقد نيتشه للحداثة ألباب المُفكِّرين من اليمين واليسار على حد السواء. لكن إريك بيكر، طالب الدكتوراه في قسم تاريخ العلوم بجامعة هارفارد، يعتقد أنَّ الحداثة تنتمي في جوهرها إلى اليمين. وأوضح بيكر أنَّ اليسار يتوجَّب عليه السعي نحو حداثةٍ بديلة، وذلك في مقاله الذي نشرته مجلة «جاكوبين» الأمريكية حول كتاب «عقولٌ خَطِرَة: نيتشه، وهايدغر، وعودة اليمين المُتشدِّد – Dangerous Minds: Nietzsche, Heidegger, and the Return of the Far Right» للمُؤلِّف رونالد باينر.

رأى فريدريك نيتشه أنَّ هُناك طريقتين يُمكن من خلالهما الاستجابة لما أطلق عليه «العَودة الأبدية للأشياء»، بحسب بيكر. ووصف نيتشه هذه الفكرة في كتابه «العلم المرح – The Gay Science» قائلًا: «هذه الحياة التي تعيشها الآن؛ يجب عليك أن تعيشها مراتٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصى. وتستطيع أن تُحبِطَ نفسك وتصُكَّ أسنانك وتلعن الشيطان الذي تكلَّم بهذه الطريقة»، في حال كُنت بشريًا نموذجيًا ضعيفًا. ولكن هناك أرواحًا أعظم وأقوى من ذلك، إذ تستطيع تلك الأرواح التجلِّي فوق القطيع والتحديق في عيون الشيطان، ليقولوا: «أنت إله، ولم أستمع في حياتي إلى كلمات أكثر ألوهية من هذه الكلمات».

واحتاج رونالد باينر، المُنظِّر السياسي، إلى جرعةٍ من آلية «الرضا بالقدر» الخاصة بنيتشه من أجل إتمام المساعي التي اضطلع بها في كتابه الجديد: «عقولٌ خَطِرَة: نيتشه، وهايدغر، وعودة اليمين المُتشدِّد». ويدور موضوع الكتاب حول العلاقة بين نيتشه ومارتن هايدغر -الفيلسوف الألماني في القرن العشرين- من ناحية، والنازية من الناحية الأخرى بحسب بيكر. إذ تُعتبر النازية مسألة تجنيدٍ في أعقاب الوفاة بالنسبة لنيتشه، ومسألة إعجاب مُشترك ومُشتعل في حالة هايدغر.

ويرغب باينر في الكشف عن أنَّ سياسات اليمين المُتشدِّدة كانت جزءًا من مكوِّنات فلسفاتهم. ونتيجةً لذلك، نجد أنَّ كافة مُحاولات ما بعد الحداثة لصياغة «النيتشانية اليسارية» و«اليسار الهيدغاري» هي مُحاولاتٌ محكومٌ عليها بالفشل.

يُؤكِّد بيكر أنَّنا عايشنا هذا الجدل من قبل، وسنُضطَّر إلى مُعايشته مرةً أخرى، إلى ما لا نهاية. وتطرَّق الكثير من الفلاسفة ومُؤرِّخي الفِكر إلى هذه النقطة الحساسة، دون جدوى، ومنهم: جورج لوكاش، ويورغن هابرماس، وزيف ستيرنهيل، وريتشارد وولين، وغيرهم. وتطرَّق باينر إلى كلمات العديد من أسلافه في كتابه الجديد.

ولكن بيكر يرى أنَّ باينر ما تزال أمامه لمسةٌ إضافية، وعنصرٌ جديد يمنحه الأمل أن ينجح نقدُه في ما فَشِلَ فيه الآخرون. إذ أوضح أنَّ النُقَّاد السابقين ركَّزوا على السؤال عن الكيفية التي تصيغ بها آراء نيتشه وهايدغر اليمينية تقييمنا لأتباعهم اليساريين اليوم. لكن الإصرار في التركيز على «الراديكاليين الأكاديميين» يُظهِر تلك الانتقادات وكأنَّها تعني ضمنيًا أن نيتشانية/هيدغارية اليمين الواعي هي أمرٌ عفا عليه الزمن.

وربما فشلت المُجادلات السابقة لأنَّها تنازلت سهوًا عن النقاط الرئيسية لصالح خصومهم، بحسب بيكر. إذ نَجِدُ أنَّ المزاعم بوجود خلفيةٍ رجعية لفلسفتهم هو أمرٌ غير معقول، وذلك في حال اتَّفقنا على أنَّ القُرَّاء الاعتياديين لكتابات نيتشه وهايدغر اليوم هم اليساريون -وفي حال فسَّرنا آراء اليمين المُتشدِّد الشخصية للمُفكِّرين على أنَّها انحرافات ستخضع للتصحيح سريعًا وبشكلٍ دائم في وقتٍ مُبكِّر من تاريخها اللاحق.

ويُرجِّح بيكر أنَّ استياء باينر من هذا الافتراض التاريخي يُفسِّر البند الأخير من عنوانه الفرعي: عودة اليمين المُتشدِّد. إذ يُريد باينر تغيير صورتك النمطية عن أتباع نيتشه وهايدغر. ويُدرِج أعمال إحياء الفاشية العالمية والمُتحدثين «شبه-المرموقين» باسمها، مثل ريتشارد سبنسر وألكسندر دوجين وحُلفائهما (قُرَّاء نيتشه وهايدغر المُتحمسون بالكامل).

وراهن باينر أنَّ الأكاديميين اليساريين لن يتفاءلوا باحتمالية إعادة تصنيف هايدغر ونيتشه، بحسب بيكر، في حال سيطرت تلك الأسماء على صور العصابات التي تحمل المشاعل في أحداثٍ مثل مسيرة «وحِّدوا اليمين» في شارلوتسفيل التي تظهر صورةٌ منها على غُلاف كتابه، بدلًا من غُرَف الندوات والمقاهي الباريسية.

فقط افعلها

يرى بيكر أنَّه من المُحبِط أنَّ باينر لم يتبع هذه الاستراتيجية الواعدة والمُبتكرة بعد تقديمها. إذ أنَّ الغالبية العُظمى من الكتاب ركَّزت على التفسير النصي لنيتشه وهايدغر. وتبيَّن أنَّ عناوين فصوله الطويلة «قراءةٌ لـ[نيتشه/هايدغر] في عصر الفاشية الصاعدة» هي عناوين حرفية بشكلٍ مُخيبٍ للآمال. إذ تُمثِّل تلك الفصول قراءات ولا تتعلَّق بالقراءة أو القارئ، من وجه نظر بيكر، ويُمكن أن تنطبق تلك القراءات على أي عصر -باستثناء بعض الجُمَل والفقرات.

والجانب الآخر هو أنَّ قراءات باينر واضحة ويسهل الوصول إليها والاقتناع بها، بحسب بيكر، وهي مفهومةٌ بالنسبة للقارئ الذي يقرأ عن نيتشه أو هايدغر للمرة الأولى، دون التضحية بالوفاء للنص الأصلي أو تكلُّفه. وتُقدِّم تلك الفصول حُجَّةً مُستدامة حول الأمور التي يعتبرها باينر الشاغل الرئيس والمُحفِّز لكل فيلسوف. وتُؤكِّد تلك التحليلات على حجم القواسم المُشتركة وما تعكسه حول سياساتهم اليمينية المُشتركة.

وأفاد بيكر أنَّ نيتشه وهايدغر تحوَّلا من منظور باينر إلى نُقَّادٍ ثقافيين رجعيين، أولًا وقبل كل شيء. وبدأ مشروعهم وسط عاصفة الفزع التي اجتاحت العالم الحديث، خاصةً في ما يتعلَّق بالمُثل العليا للـثورة الفرنسية. إذ تحوَّلت الحرية والمُساواة والإخاء إلى كارثة. وتحوَّلت الدعاية التحرُّرية إلى دعايةٍ تقتُل الروح. وأدَّى التأكيد على الديمقراطية والعقلانية الإنسانية الفطرية في عصر التنوير إلى ظهور ضحالةٍ مُتعجرفة. ويُبالغ الأشخاص الطبيعيون عادةً في تقدير قُدرتهم على وضع الأمور في نصابها الصحيح ومعرفة الأشياء واستخدام معرفتهم في جعل العالم مكانًا أفضل.

ويُعَدُّ المُجتمع الجماهيري، الذي تتساوى فيه الفوارق بين جميع الناس، مُجتمعًا فقد إحساسه بالمأساوية وبالعالم الذي يجب تقبُّله بدلًا من تغييره. نحن بحاجةٍ إلى سلطةٍ جديدة، وسلطة قادرة على إعادة إحياء ثقافتنا، واستعادة النظام الذي أدَّى غيابه إلى عرقلة الروح المُعاصرة. إذ أنَّ عليك تحمُّل الصعاب لتصل إلى هدفك.

وكتب باينر أنَّ أصل المشكلة، من وجهة نظر نيتشه، يكمُن في «انعدام أُفق» الحداثة. ويرى أصدقاء نيتشه وأعداؤه أنَّ نيتشه هو رسول زعزعة الاستقرار في كل اليقينيات الثابتة -القيم والأديان والحقائق وجوهور الحقيقة نفسه. وأظهر باينر أنَّ نيتشه كان أشبه برُسِلِ العهد القديم أكثر من المُتحدِّثين في مُؤتمرات «تيد توك». أو ربما أشبه بالرجل العجوز المُثير للريبة في أفلام الرعب، بحسب تعبير بيكر.

ولا شك أنَّ نيتشه يعتقد أنَّ كافة تلك القناعات المُوجَّهة تفتقر إلى «الأُسس» -لكنه يرى أيضًا أنَّه من الضروري احتضان نوعٍ من «الأُفق» في جميع الأحوال. إذ لا نستطيع أن التصرُّف، أو التصرُّف بأسلوبٍ قوي و«يُؤكِّد الحياة» بالشكل الكافي وفقًا لبيكر.

ويفتقر أُفقنا إلى أُسس ما قبل الحداثة، من وجهة نظر بيكر. لكن المُشكلة تكمُن في عدم تأكيد أحد على أهمية حقبة الديانة الوثنية، والنظام الأبوي «البطريركي» الذي لا جدال فيه، والمسرح المأساوي. لكن العالم الحديث غيَّر كل ذلك، عن طريق زيادة التركيز على الانشغال الأفلاطوني/المسيحي بما وراء الطبيعة «الميتافيزيقيا». إذ بدأنا في إعادة تقييم أنفُسنا والبحث عن أسبابٍ لفعل شيء بدلًا من المُسارعة إلى القيام بها.

واقتبس باينر عن نيتشه وصفه للنتيجة قائلًا أنَّ الرجل المُعاصر «لم يَعُد قادرًا على تحرير نفسه من شبكة الحكمة والحقيقة الرقيقة، مُقابل فعلٍ بسيط من الإرادة والرغبة». وعلَّق نيتشه الأمل الذي سيُنقذ حياته على «الإنسان الأعلى» الشهير، وهُم الأفراد الذي يستطيعون إنقاذنا بمُقاومة «العدمية» الحديثة وممارسة القوة اللازمة لخلق آفاقهم الخاصة الجديدة -والتي يخضع لها القطيع الحديث عن طيب خاطر.

ويُصِرُّ باينر على أنَّه من الضروري منع ملاحظات هايدغر الشاملة والمُتضاربة عن نيتشه من الإلقاء بظلالها على مدى سعيه إلى رواية قصةٍ مُشابهةٍ للغاية حول الحداثة. وصحيحٌ أنَّ هايدغر خَلُص في النهاية إلى أنَّ نيتشه يُمثِّل «ذروة» الميتافيزيقيا ولا يُحاول التغلُّب عليها، بحسب بيكر. وصحيحٌ أنَّهما اختلفا حول إجابات العديد من الأسئلة المُحدَّدة -المُتعلِّقة بمدى صلاحية عصر النهضة مثلًا. وعارض نيتشه علنًا القومية الألمانية التي دافع عنها هايدغر.

لكن باينر أضاف أنَّ «أوجه الشبه بين نيتشه وهايدغر تُثير الدهشة» إجمالًا. إذ أفاد بيكر أنَّهما تشاركا تحديدًا في رؤيتهما للحداثة التي تجعل التجربة ضحلةً ومُبتذلة نتيجة الهيمنة الخانقة للميتافيزيقيا الأفلاطونية/المسيحية، والعقلانية، والعالمية.

إذ يرى هايدغر، ونيتشه، أنَّ الحداثة تعمي عن معالم وجودنا الأساسية بصفتنا فاعلين ولسنا عارفين. ويتَّفق هايدغر مع نيتشه في اعتقاده أنَّ هذا الأمر يُؤدِّي إلى الإفراط في الثقة وفقدانها في الوقت نفسه، بحسب بيكر. ويفتقر البشر إلى الثقة في الافتراضات المُسبقة المُسلَّم بها والتي تسمح لهم بممارسة حياتهم اليومية الطبيعية -إذ يُخضعونها للنقد العقلاني، ويفترضون أنَّها تحول دون فهمهم للعالم بصورةٍ صحيحة، رغم أنَّ هذه الصورة هي الصورة الوحيدة «المكشوفة» لهم.

وينتُج عن ذلك ثقةٌ مُفرطة في إدراكنا للعالم بناءً على أفكارنا العقلانية، وإيمانٌ مُتعصِّب بقُدرتنا على التخطيط والتحكُّم في أي شيء وكُل شيء من وجهة نظر بيكر. ويُفضِّل هايدغر أن نستجيب لانهيار قُدرتنا العملية بخوض تجربةٍ أكثر «أصالة» حول حدودنا و«عراقتنا»، ونتعجَّب من لُغز «الوجود» المُحيِّر -وهو لُغز عالمنا المُطلق.

وأفاد بيكر أنَّ طموح هايدغر الكبير، لاستعادة العراقة الروحانية داخل ألمانيا، تمثَّل في الحركة النازية بالطبع. ووصف هايدغر قُدرة الحكم النازي على توجيه الألمان للعودة إلى «الوجود» مُستقبلًا بـ«الحقيقة والعظمة الداخلية النازية». وجمع باينر عددًا هائلًا من الأدلة التي خرجت إلى النور حول مدى ولاء هايدغر للحزب النازي، وإعجابه الشخصي بهتلر، ليُقارنها مع إصرار جيلٍ من المُدافعين عن النازية، ومُعاداة السامية المُتجذِّرة في شخصيته.

وأوضح تحليل باينر المنطق الكامن وراء مُعاداة هايدغر للسامية، بطريقةٍ فشل النُقاد السابقون في إيضاحها عادةً بحسب بيكر. وتوافق تحليل باينر مع شخصية هايدغر، في ما يتعلَّق بإعادة تقييم «جوانب» فلسفته أو مُواجهة «أخلاقيات» تقدير أعمال شخصية مُروِّعة لهذه الدرجة. وكشف باينر أنَّ فلسفة هايدغر بأكملها مبنيةٌ على قصةٍ تدور حول الكوزموبوليتانية مُنعدمة الجذور، والتي أدَّت إلى تطوُّرات سياسية مُزعجة داخل الاتحاد السوفيتي والولايات المُتحدة، فضلًا عن تنفير الأمَّة الألمانية من التجربة الأصلة. ويتساءل بيكر حول أسباب صعوبة رؤية هايدغر على حقيقته.

لا بديل

لكن باينر يطرح سؤالًا يختلف عن سؤال بيكر. إذ أنَّه مُهتمٌ أكثر بسبب انجذاب نيتشه وهايدغر لوجهات نظرهما في المقام الأول. واقترح أنَّنا «يجب أن نقرأ لكبار المُنظرين المُناهضين لليبرالية، حتى نتوصّل إلى فهمٍ أعمق حول أسباب تجاهلهم لليبرالية البرجوازية تحديدًا، وما يترتَّب على ذلك من ميل المُواطنين للتفكير بالطريقة نفسها».

وتكمُن المُشكلة في أنَّ باينر يعتمد بشكلٍ أساسي على قيمتهم الصورية حين يفترض قدرته على الوصول إلى تفسيرٍ لذلك داخل كتاباتهم. ويميل بذلك إلى علم الاجتماع المبني على ردود الأفعال الحادثة وفق شروط الرجعيين.

ونتيجةً لذلك، يرى بيكر أنَّ باينر عدل في نهاية المطاف عن إصراره على أنَّ منطق رؤية نيتشه-هايدغر العالمية سيُؤدِّي إلى كارثةٍ سياسية. وأعلن الآن أنَّ سبب انجذاب العديد من الناس إلى تشخيصهما للحداثة هو أنَّه تشخيصٌ صحيح. وأكَّد وجود «فراغٍ روحاني كبير في قلب الحداثة». وتكمُن مهمة الديمقراطي الليبرالي في الدفاع عن الحداثة رغم الأدلة الدامغة على «فراغها الروحاني والثقافي».

وذكر بيكر أنَّ يورغن هابرماس يختلف مع باينر في مُذكِّرته التي تقول بأنَّ الحداثة ما تزال «مشروعًا غير مُكتمل»، ويتطلَّب استكماله ظروفًا ماديةً بعينها. ويُخالفه الرأي أيضًا تشارلز ميلز الذي أصرَّ على أنَّ قيم عصر التنوير حول المساواة والحرية يُمكن تحقيقها فعليًا، عن طريق مُواجهة الأساليب التي مكَّنت التفوُّق الأبيض من هيكلة الفكر التنويري منذ نشأته.

واعتمد باينر في حُجَّته الختامية على عبارة مارجريت ثاتشر التي تقول: «لا يوجد بديل». وتابع قائلًا إنَّ «الإدارة الليبرالية الوسطية هي إدارةٌ غير مُرضية. وليست مُلهمةً بما فيه الكفاية. إذ لا تُحرِّك الروح. بل هي إدارةٌ مُبتذلة وتعتمد على السياسة حتى النفس الأخير. حسنًا، ما هي الخطوات التي شرعنا في تنفيذها لاستبدال تلك الإدارة؟». وواصل باينر حديثه وكأنَّ الحداثة تُختزل بالكامل في الإدارة الليبرالية الوسطية، بحسب بيكر.

ويرى بيكر أنَّ خطأ نيتشه-هايدغر القاتل لم يَعُد كامنًا في رد فعلهم الكاره للمنطق والمُساواة والديمقراطية، وفقًا للصفحات الأخيرة من الكتاب. بل يكمُن ذلك الخطأ في افتراضهم المجنون بأنَّهم قادرون على تصحيح مُشكلات تلك القِيَم التي حدَّدوها بشكلٍ صحيح. وكتب باينر أنَّ «الخطورة تكمُن في أملهم/غطرستهم» -إلى جانب خيانتهم لالتزامهم تُجاه المأساة والرضا بالقدر في اللحظات الأخيرة.

واختتم باينر حديثه بالتساؤل التالي: «من سبق أن منحنا ضمانةً بأن مُشكلة الحالة الإنسانية تعترف بحل؟». ويحتضن باينر مبادئ النيتشانية أو الهيدغارية بالكامل: أي يعتنق هذيان الإنسان الأعلى والاشتراكية الوطنية، أو يختار الرضوخ للنظام السياسي إلى الأبد دون تغيير.

ولا يُقِرُّ باينر صراحةً بحقيقة أنَّه انتهى إلى الترويج للوسطية النيتشانية، أو بمدى تراجعه عن الأجندة التي حدَّدها في مُقدِّمته. ويُسلِّط الضوء كذلك على القرابة الفكرية بين نيتشه وماكس فيبر، والذي مثَّل نموذجًا يُحتذى به في الليبرالية المأساوية بالنسبة له. ولا يبذل جهدًا كبيرًا لإخفاء النخبوية النيتشانية في رؤيته السياسية، بحسب بيكر.

وأفاد بيكر أنَّ هذه هي عقيدة الحقيقة-المُزدوجة الكلاسيكية. إذ يسهُل على الليبراليين المُلتزمين والمُستنيرين إدراك الأمور التي كشفها نيتشه وهايدغر حول الحداثة بطريقةٍ آمنةٍ وصحية. لكن «الخطر» المزعوم يحدث حين تتكشَّف حقيقتهم المُزعجة «في سياقٍ لا يكون الالتزام خلاله آمنًا تمامًا، أو يكون الالتزام خلاله مُعرضًا للخطر فعليًا». ويُمكن مُناقشة الأمر على عُجالة وبعيدًا عن أسماع «الغوغاء السوقيين»، الذين يصفهم باينر بالـ«القمامة البيضاء» -وهو وصفٌ مُقتبسٌ عن أحد النازيين الجُدد المُحبطين.

لكن طموح باينر الأساسي لم يغب عن ناظريه أبدًا، من وجهة نظر بيكر. إذ يُواصل الحديث وكأنَّه يسعى لتحقيق مشروعٍ فكري تحرُّري، وهو المشروع الذي يُمكن تحديد معالمه بدقة عن طريق الإدراك الكامل لمنطق نقيضه الرجعي غير المُكافئ في فسلسفات نيتشه وهايدغر. ولكن المشكلة هنا هي أنَّ إدراكه للتحرُّر يبدو أشبه بتفانٍ عجيب تُجاه الوضع الراهن بحلول نهاية الكتاب.

وتظهر الكثير من التساؤلات حول مُكوِّنات اليسارية من وجهة نظر باينر، وذلك حين يُدرج اسم كارل ماركس على قائمة «المُنظِّرين المُناهضين لليبرالية»، والذين يرى باينر أنَّنا لا يجب أن نُحاول «توفيقهم … مع المشاريع الفكرية الليبرالية أو اليسارية».

الليبرالية غير الليبرالية

يرى بيكر أنَّ الأمر الذي يبعث على الإحباط وسط هذا المستنقع هو أنَّ باينر اصطدم في واقع الأمر بشيءٍ بالغ الأهمية. وباينر مُحِقٌ تمامًا في أنَّه من الممكن تقديم دفاعٍ نيتشانيٍ مُتماسك حول الرأسمالية الليبرالية، وفيبر هو خير مثالٍ على ذلك.

يشير باينر إلى ليبرالية وسطية يُمكن تمييزها عن اليمينية المُتشدِّدة عن طريق القرارات الُمتعلِّقة بالقِيَم، وليس الاختلافات في الرؤية الضمنية للعالم. وهو أمرٌ لا يُزعج باينر كثيرًا لأنَّه يبدو واثقًا في أنَّ الأشخاص الجيدين يستطيعون التمسُّك، إلى أجلٍ غير مُسمى، بالتزامهم غير العقلاني البسيط الذي يفصلهم عن الأشخاص السيئين. وهذا هو أفضل آمالنا على أقل تقدير من وجهة نظر بيكر.

سياسة

منذ 4 سنوات
هل تعود أوروبا إلى عصور الاضطهاد والعنصرية بعد النمو السريع لأحزاب اليمين المتطرف؟

تزامن انتشار العنف والعنصرية ضد الأجانب في أوروبا مع نمو أحزاب اليمين المتطرف

ويعتقد بيكر أنَّنا سنفقد إيماننا في حال قررنا أن نفعل ما طلبه باينر في المقدمة -وألقينا نظرةً فاحصة على تاريخ النيتشانية والهيدغارية القائم بالفعل. وسنجد صعوبةً عملية بالغة حين نُحاول فصل القمح الليبرالي عن القشر اليميني المُتشدِّد.

وضرب بيكر مثالًا بماكس فيبر الذي انتهى به المطاف على غرار بطل فيلم «Dangerous Minds» القادر على رؤية «القفص الحديدي» للحداثة بنفس وضوح نيتشه وهايدغر و«التأكِّيد» عليه على أيَّة حال. وامتدحه باينر قائلًا: «لا تعتمد تسلية الخيالات على تفوِّق الحداثة. إذ أنَّ فلسفة فيبر هي أكثر نُبلًا من فلسفة نيتشه».

وجرت دماء القومية الألمانية المُتحمسة في عروق أعمال هذا «الليبرالي شديد التشاؤم»، مثل الخيوط السوداء والحمراء المُتداخلة. وحين نُناقِض الآراء السائدة، نجد أنَّ عمل فيبر يُظهِرُ عزيمةً أقل ثباتًا في مواجهة حتمية الحداثة، وإرهابًا أكبر في تداعيه من ناحية تجسيد الإمبراطوري الألماني على الأقل.

وذكر بيكر أنَّ «القفص الحديدي» عاش تحت تهديد الأخطار غير الألمانية دائمًا، بالنسبة لفيبر. ومثَّل المُزارعون البولنديون واحدًا من تلك الأخطار، إذ تطرَّق فيبر إليهم في محاضرته الافتتاحية داخل جامعة فرايبورج عام 1895 (حيث أصبح هايدغر رئيسًا لتلك الجامعة لاحقًا في ظل الحُكم النازي).

وهاجر أولئك المُزارعون إلى بروسيا الشرقية مُهدِّدين سبُل حياة العُمَّال الألمان المحليين، نتيجة استعداد عرقهم الثابت للعمل في ظل ظروفٍ أكثر تدهورًا. واقترح فيبر في عام 1893 «إقصاء العُمَّال الروس-البولنديين من الشرق الألماني بالكامل».

وتمثَّل التهديد، خلال الأيام الأخيرة من حياته، في القوات المُتدنِّية عرقيًا التي تُقاتل ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. وحذَّر جمهوره في عام 1917 من أنَّ «ألمانيا تُحارب من أجل حياتها، ضد جيوشٍ تضُمُّ الزنوج وجنود الجورخا وكافة أطياف البرابرة الذين خرجوا من جحورهم في مُختلف أنحاء العالم، واجتمعوا الآن على حدود ألمانيا، استعدادًا لإلقاء نفاياتهم داخل بلادنا».

وطوَّر فيبر في تلك الفترة روايةً نظرية مُفصَّلة حول «التقارب الاختياري» بين الحداثة الرأسمالية والسمات الثقافية الفريدة لدى الأوروبيين، بحسب بيكر. إذ لم يقتصر تطوُّر الرأسمالية على أوروبا وحدها، بل وُلِدَ من رحم قدرة الأوروبيين الثقافية-الدينية المُميزة على الانضباط والعقلانية العملية، مُقارنةً بما وصفه فيبر بـ«جشع الآسيويين اللانهائي». وزعم باينر أنَّ إيمان فيبر بـ«القدر» التاريخي العالمي للدولة الألمانية لا يُمثِّل انحرافًا عن فلسفته، بل امتدادًا منطقيًا لجوهر فكره.

ويُعَدُّ فيبر هو «الليبرالي» النيتشاني الوحيد الذي غازل اليمين الاستبدادي أو القومي بطريقٍ مُستدام، وفقًا لبيكر. ولاحظ الباحثون مسارًا مُشابهًا في المدرسة النمساوية للاقتصاد، التي تُمثِّل حجر الزاوية الفكري للحركة النيوليبرالية في القرن العشرين.

وأثار كوري روبين، المُنظِّر السياسي، عاصفةً من الجدل بين الكُتَّاب الليبرتاريين في عام 2013. إذ كتب روبين مقالًا يُسلِّط الضوء على أوجه الشبه بين نيتشه والنمساويين. لكن بعض أوجه الشبه كانت واضحةً وضوح الشمس، وخاصةً في ما يتعلَّق بنيتشه شخصيًا، والتقاليد النيتشانية لاحقًا.

وأورد بيكر أنَّ فيبر مثلًا كان واحدًا من مُحاوري لودفيج فون ميزس، زعيم المدرسة أوائل القرن العشرين، وواحدًا من مُلهمي شباب المدرسة مثل ألفريد شوتز وجوزيف شومبيتر. وأصدر فريدريش هايك، أهم الاقتصاديين النمساويين في القرن العشرين، إدانات للـ«عقلانية» بقوة إدانات نيتشه وهايدغر. ووُصِفَ مايكل أوكشوت، المُنظِّر السياسي الذي يُقارن بهايك مُقارنةً عادلة في كثيرٍ من الأحيان، بـ«هايدغر الإنجليزي».

وظهر أيضًا دون لافوي في الآونة الأخيرة، وهو مُرشدٌ للكثير من أتباع المدرسة النمساوية الأمريكية في عالم الاقتصاد وكان يشغل إبان وفاته منصب أستاذ الاقتصاد بمنحة تشارلز كوك في جامعة جورج ميسن. وأفنى لافوي حياته المهنية في الجدال من أجل التقريب بين منهجية المدرسة النمساوية من ناحية، بحسب بيكر، وفلسفة هايدغر «التأويلية» وتابعه هانز جورج جادامير من ناحيةٍ أُخرى.

وتكمُن أقوى نقاط الاتصال بين العديد من الليبراليين النمساويين من جهة، والنيتشانيين مثل هايدغر من جهةٍ أخرى، في القناعة المُشتركة بأنَّ الاستبداد السياسي يُصبح مقبولًا -وربما ضروريًا- في مواجهة التقدُّم اليساري. وتكشف «الدفاتر السوداء Black Notebooks» التي نُشِرَت مُؤخرًا من تأليف هايدغر عن مدى تأييده للنازية، وعلاقة ذلك التأييد بذعره من زحف «البلشفية» التي رأى أنَّها مدعومةٌ من يهود العالم بالطبع.

ذكر بيكر أنَّ هذه الاعتبارات -باستثناء مُعاداة السامية- دفعت بلودفيج فون ميزس إلى إصدار إعلانه الشهير عام 1927، وهو الإعلان الذي نصَّ على أنَّ الفاشية «نجحت في إنقاذ الحضارة الأوروبية حاليًا» عن طريق قمع الانتفاضات الشيوعية داخل إيطاليا. وقال إنَّ «الجدارة التي حصدتها الفاشية ستعيش في ذاكرة التاريخ إلى الأبد».

وتطرَّق بيكر إلى المُؤرخ كوين سلوبوديان الذي أوضح أنَّ هذا المنطق واصل تحديد شكل الدعم النيوليبرالي للأنظمة الاستبدادية داخل جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري «أبارتايد»، وداخل تشيلي تحت حُكم أوغوستو بينوشيه. وأثبت التقليد النمساوي استعداده للتصالح مع فكرة «الديكتاتور الليبرالي»، على حد وصف هايك لبينوشيه في إحدى المناسبات، سواءً كان الدافع هو ذُعر الاقتصادي فيلهيلم روبكي من احتمال حُكم الأغلبية المُتمثلة في ذوي البشرة السمراء الجنوب أفريقيين من «آكلي لحوم البشر»، أو الخوف من الدعم الشعبي الذي تمتَّع به سلفادور أليندي، الرئيس الماركسي المُنتخب ديمقراطيًا في تشيلي.

ومما لا يُثير الدهشة أن لودفيج فون ميزس انضم إلى نيتشه وهايدغر في معبد آلهة اليمين البديل المُعاصر، بحسب بيكر. وأوصى ريتشارد سبنسر أتباعه بقراءة ما كتبه فون ميزس وموراي روثبورد، تلميذه الأمريكي. ووافقه الرأي كورتيس يارفين، المُنظِّر الأمريكي الشهير بـ«منسيوس مولدبوغ» والذي يُفضِّله أبرز زعماء الفاشية الجديدة الزائفين، إذ كتب: «ميزس جبَّار وروثبورد عملاق».

ويترأس لو روكويل «معهد لودفيج فون ميزس» في مدينة أوبورن بولاية ألاباما. وروكويل هو الشخص الذي كتب الكثير من النشرات الإخبارية العنصرية الخاصة برون بول، النائب الجمهوري في مجلس النواب، في الخفاء. ويُعَدُّ هانز هيرمان هوبه، الاقتصادي الألماني الأمريكي، واحدًا من أشهر المُنتسبين إلى «معهد لودفيج فون ميزس».

كما تحوَّل كتابه «الديمقراطية: الإله الذي فشل Democracy: The God That Failed» إلى ما يُشبه الإنجيل في أوساط حركة اليمين البديل. ويزحف الليبراليون الرأسماليون عائدين إلى الفاشية، في حين يُعاني الفاشيون صعوبةً كبرى في الابتعاد عن «الليبرالية» الرأسمالية أيضًا.

القفص الساخر

ذكر بيكر أنَّ باينر افترض أنَّ المُعضلة المركزية للسياسات المُعاصرة هي التساؤل حول ما إذا كانت تلك السياسات «تخدم مصالح» الحداثة الليبرالية أم «تُناهضها». لكنَّ باينر لفت أنظارنا إلى تاريخٍ يُوضِّح أنَّ الاختيار ليس بهذه البساطة، على صفحات كتابه الجديد. إذ تبيَّن أنَّ أنصار ومُعارضي الحداثة يستطيعون العثور على الكثير من الأراضي الفكرية والبرنامجية المُشتركة. لكن الخط الفاصل بين الوسطية الليبرالية واليمينية الفاشية يبدو مُتقلِّبًا لدرجةٍ مُقلقة في الممارسة العملية.

أرجع بيكر سبب ذلك لأنَّ الحداثة مُتقلِّبةٌ في حدِّ ذاتها، وفيبر مُخطئ. إذ أنَّ الحداثة لا تُمثِّل قفصًا حديديًا يتنامى بلا هوادة ليُصبح أكثر تجانسًا وتوقُّعًا، والأمر مُعقَّدٌ ومُتناقض، ويتضمَّن عوامل وفيرة. وكتب ماركس: «لا تمنحك الأشياء الحديثة شعورًا بالرضا، إذ تحوي حركةً لا تهدأ في قلبها».

تُلقي الحداثة بوعودٍ حول الديمقراطية والحرية والمُساواة، ولكنها تُرسِّخ نظامًا سياسيًا اقتصاديًا غير قادر على الوفاء بتلك الوعود من الناحية الهيكلية. وتُقدِّم الحداثة رؤيةً مُثيرةً للعالم المُوجَّه جماعيًا إلى تلبية احتياجات الإنسان، في ظل العمل على المدى القريب من أجل تكثيف الاستغلال على نطاقٍ غير مسبوق.

وأفاد بيكر أنَّ ماركس هو أول من شرح أنَّ الرأسمالية المُعاصرة تخلق الظروف المُواتية لتميُّزها، حتى في حال ثبوت أنَّ استغلال تلك الظروف أصعب من توقُّعات ماركس. لدرجة أنَّ القصور الذاتي في الوضع الراهن لا يُبقيه في حالةٍ مُستقرة، بل ينقله إلى حالة التحوُّل الثوري. ولهذا وجد المُدافعون عن الوضع الراهن عادةً أنَّه من الضروري العودة إلى موارد السلطة الاستبدادية «السابقة للحداثة» من أجل التغلُّب على المُطالبات غير المُستساغة بإحلال الديمقراطية والحرية والمساواة.

ولا يرى بيكر مُصادفةً في تمتُّع نيتشه وهايدغر بقاعدة قراءٍ مُتشدِّدةٍ ونَهِمة خلال منتصف وأواخر القرن العشرين، حين بدا المشروع اليساري التقليدي أشبه بحُلم بعيد المنال قُدِّرت له النهاية نتيجة التشويه الستاليني أو الهزيمة الثاتشرية.

ويُمكن تفهُّم أسباب جاذبية الدعاوى المُناهضة للحداثة، بحسب بيكر، في حال كُنت ترى أنَّ البديل الوحيد هو الخضوع القسري لرأسمالية السبعينيات والثمانينيات.

لكن تظهر الحاجة إلى إعادة تقييم الأفكار بعقلانية في حال دفعتك تلك الغريزة لاستعادة الحماسة من أجل نيوليبرالية جاري بيكر وغيره، كما حدث مع مايكل فوكو. وهذا هو نفس الخيار الذي نُواجهه اليوم من وجهة نظر باينر. إذ يرى أنّ تصفية الحسابات مع «عودة اليمين المُتشدِّد» ستُمِدُّنا بالعزيمة اللازمة من أجل اتِّخاذ القرار غير المُلهم في صالح الوضع الراهن.

وأورد بيكر أنَّ هُناك بديلًا آخر يكمُن في النظر إلى حال اليمين المُتشدِّد في وقتنا الحالي باعتباره دليلًا على أنَّ الوضع الراهن لا يتطابق مع ذاته، وأنَّه يحوي بذور تدميره الشخصي في السراء والضراء.

ويُمكن أن نتعامل مع إعادة إحياء اليمين المُتشدِّد من حقبة ما بعد نيتشه بوصفه دليلًا على أنَّ مناهضة-الحداثة الرجعية ستكتب نهايةً سعيدة للرأسمالية على حد تعبير ماركس، بدلًا من التعامل مع الأمر بوصفه مرحلةً أُخرى في عجلة العود الأبدي. ويُمكن طرح تقسيم مُختلف للأمور كالتالي: اشتراكية أو بربرية. واختتم بيكر المقال بعبارة ويليام بتلر ييتس، الفاشي العظيم، الذي قال إنَّ الوسط لا يُمكنه الصمود.

مدار الساعة ـ