مدار الساعة - عدد ضحايا الحروب الأمريكية منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، يبدو صادماً حتى في تقديراته المتحفظة، ولكن الصادم أكثر هو موقف الأمريكيين، لاسيما ساستهم ومسؤوليهم جراء هذه الحروب.
ومع أن أمريكا لها تاريخ طويل من الحروب، ولكن موجة الحروب الأمريكية منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001، يبدو أنها غير مسبوقة وتستحق لفظ الحروب الأبدية، حسب وصف تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
دخلت الولايات المتحدة فترةً من الحرب الشاملة طيلة الوقت.
يقول كاتب التقرير إنه ربما يكون من الصعب على الأشخاص الذين وُلِدوا منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أن يتخيَّلوا مدى التغيير بعد سبتمبر/أيلول 2001. بحلول نهاية ذلك الشهر، كانت الولايات المتحدة قد شنَّت بالفعل حرباً على عدوٍّ أخبرنا وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دونالد رامسفيلد، أنه "لم يكن في أفغانستان فقط"، بل في "50 أو 60 دولة، ويجب ببساطة تصفيته".
لكن الأمريكيين سرعان ما اعتادوا أن تكون بلادهم في حالة حرب، في الأشهر القليلة الأولى.
غالباً ما واجَهَ المسافرون عبر الحافلات والقطارات بين الولايات (ولا يزالون يواجهون في المطارات) نوعاً جديداً وسخيفاً من "الإجراءات الأمنية". والإشارة هنا تعود إلى تلك الطوابير الطويلة المتعرِّجة التي تعلَّم فيها الناس لأول مرة نزع أحزمتهم ومعاطفهم، ثم فيما بعد قبعاتهم وأحذيتهم، حيث يُكشَف على الملابس باعتبار أنها أماكن مُحتَمَلة لإخفاء المتفجِّرات.
لقد استمرَّت الحروب الطويلة بتكلفةٍ كبيرة، ولكن مع تأثيرٍ ضئيلٍ واضح في هذا البلد. حتى إن هذه الحروب اكتسبت أسماء جديدة، مثل "الحرب الطويلة" (مثلما قال وزير دفاع دونالد ترامب، جيمس ماتيس، عام 2017)، أو "الحروب الأبدية"، وهي عبارة شائعة الآن إلى درجة أنها تظهر في كلِّ مكان.
ولكن بصرف النظر عن ابتلاع ما لا يقل عن 6.4 تريليون دولار حتى سبتمبر/أيلول 2020، تلك الأموال التي كان من الممكن استثمارها محلياً في الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية، أو معالجة الفقر وانعدام المساواة، وبصرف النظر عن إنشاء قوات شرطة محلية ذات طابع عسكري بشكلٍ متزايد ومُسلَّحة على يد البنتاغون بصورةٍ أكثر فتكاً لم يكن لهذه الحروب الأبدية تأثيرٌ واضح على حياة معظم الأمريكيين.
وهذا ليس إلا في العراق فقط، أما عدد ضحايا الحروب الأمريكية منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001 فهو أكبر بكثير
فقد "قُتِلَ 800 ألف شخص على الأقل بسبب أعمال عنف الحرب المباشرة في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وباكستان"، ووفقاً لمشروع تكاليف الحرب.
بالطبع أُصيبَ عددٌ أكبر من هؤلاء، أو تسببت الإصابات في إعاقتهم، وقد أدَّت حروب أمريكا بعد 11 سبتمبر/أيلول إلى نزوح ما يُقدَّر بنحو 37 مليون شخص من أوطانهم، ما تسبَّب في أكبر نزوحٍ بشري منذ الحرب العالمية الثانية.
كان كلُّ شخصٍ من بين الـ2977 الذين فقدوا أرواحهم في 11 سبتمبر/أيلول روحاً لا تُقدَّر بثمن. لكن ردَّ الولايات المتحدة كان غير متناسبٍ إلى حدٍّ كبير، وجاء أسوأ مِمَّا تخيَّله الجميع منذ سنواتٍ عديدة مضت.
وفي الواقع، اقتصرت لغة ذلك الإذن على العمل العسكري الرئاسي في الردِّ المباشر على هجمات 11 سبتمبر/أيلول، ومنع الهجمات المستقبلية من جانب نفس الجهات. وذَكَرَ الإذن أن الرئيس "مُخوَّل باستخدام كلِّ القوة اللازمة والمناسبة ضد تلك الدول أو المنظمات أو الأشخاص الذين يحدِّدهم بأنهم خطَّطوا أو سمحوا أو ارتكبوا أو ساعدوا في الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول… من أجل منع أيِّ أعمالٍ إرهابية دولية مستقبلية ضد الولايات المتحدة من قِبَلِ هذه الدول أو المنظمات أو الأشخاص".
ورغم النطاق المحدود لهذا الإذن فقد استخدمه الرؤساء المتعاقبون لتبرير العمل العسكري في 18 دولة على الأقل.
وفي عام 2002، في الفترة التي سبقت حرب العراق، أقرَّ الكونغرس قانون إدارة القوات المُسلَّحة الثاني، الذي سمح للرئيس باستخدام القوات المُسلَّحة بالصورة "الضرورية والمناسبة للدفاع عن الأمن القومي الأمريكي ضد التهديدات المستمرة التي يفرضها العراق".
وفي يناير/كانون الثاني 2020، استخدم دونالد ترامب هذا التفويض الثاني لتبرير اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني وتسعة أشخاص آخرين، باستخدام طائرةٍ مُسيَّرة.
وهذا بالطبع لا يعني أنه كان ينبغي أن يُتوقَّع السلام في أيِّ وقتٍ قريب. وكان ترامب أيضاً ملتزماً بإعادة بناء جيشٍ أمريكي يُفتَرَض أنه "مُستنزَف". وكما قال في مؤتمرٍ صحفي عام 2019:
عندما تولَّيت المنصب كانت الأمور تسودها الفوضى… جاء أحد جنرالاتنا لرؤيتي وقال: سيدي، ليس لدينا ذخيرة. فقلت: هذا شيءٌ فظيع. لقد قال إننا ليس لدينا ذخيرة، لكن الآن أصبح لدينا ذخيرةٌ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
من المُستبعَد للغاية ألا يتمكَّن الجيش الأمريكي من شراء ما يكفي من الذخيرة حين دخل ترامب المكتب البيضاوي، نظراً لأن تمويل الدفاع المُعتَرَف به علناً كان يبلغ 580 مليار دولار سنوياً. ومع ذلك فقد تمكَّن من رفع هذا الرقم إلى 713 مليار دولار بحلول السنة المالية 2020.
سيرث بايدن المسؤولية عن دولةٍ لها وجود عسكري في 150 دولة، وانتشار عمليات خاصة في 22 دولة إفريقية. سيُترَك للإشراف على الحروب التي لم تنته بعد وغير الناجحة إلى حدٍّ كبير، والتي لا نهاية لها في الأفق ضد الإرهاب في العراق وسوريا وأفغانستان واليمن والصومال. ومثلما ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية علناً، هناك 187 ألف جندي أمريكي متمركزين خارج الولايات المتحدة.
لا شيء في تاريخ بايدن يشير إلى أنه هو أو أيٍّ من الأشخاص الذين عيَّنهم بالفعل في فريق الأمن القومي لديه أدنى ميل لزعزعة استقرار ذلك الميثاق الإمبراطوري الديمقراطي-الجمهوري. لكن الإمبراطوريات لا تدعمها الميول وحدها، ولا تدوم إلى الأبد، إنها توسِّع نفسها وتتعفَّن من الداخل. عربي بوست