مدار الساعة - الكربون المشع يقول إن عمره يرجع إلى أحد عشر ألف سنة قبل الميلاد، يقع في مدينة يُعتقد بأن ثلاثة من أنبياء الله عاشوا فيها يوماً، البعض يؤمن بأنه أقدم منشأة دينية عرفتها البشرية ويهدم الكثير من النظريات بشأن همجية الإنسان الحجري.
شانلي أورفا، مدينة تاريخية مميزة، تقع جنوب شرقي تركيا الحالية، يعتقد سكانها أنها كانت من أقدس البقاع في العالم القديم، حيث مرت عليها العديد من الحضارات التي يرجع عمرها لآلاف السنين.
يؤمن بعض علماء التاريخ، أن إبراهيم عليه السلام وُلد في هذه المدينة وواجه فيها النمرود، وأن أيوب عليه السلام عاش سنوات ابتلائه فيها، بالإضافة إلى نبي الله يعقوب الذي عاش وتزوج وأنجب فيها أبنائه.
ولكن في عام 1994، ونتيجة بدء بحث جديد حول تاريخ المكان، اكتُشفت العديد من النصب الضخمة، التي أظهرت أن تاريخ الموقع أقدم مما يمكن تخيله، حيث يرجع إلى العصر الحجري الوسيط!
عمليات المسح الجيوفيزيائية أظهرت أن الموقع يضم قرابة 200 نصب موزعة على 20 منشأة دائرية، حيث يأخذ كل نصب شكل حرف (T) ويبلغ ارتفاعه من 6 إلى 10 أمتار، فيما قد يصل وزن الواحد منها إلى 50 طناً.
ويُعتقد أن هذه النصب كانت نوعاً من التجريد لشكل الإنسان، حيث الرأس والجسد، خاصة وأن بعضها له يدين رسمت على الجانبين، كما تضمنت نقوشاً لأشكال حيوانية ورموزاً غامضة.
معاني وتأويلات هذه النصب وتلك المنحوتات من الحيوانات والرموز، لا تزال غامضة وغير مفهومة، فنحن لا نعرف حتى الآن إن كانت ذات دلالات عقائدية ودينية؟ أم اجتماعية؟ أم ربما كانت ذات غرض علمي بقصد استخدامها في دراسة الفلك؟ أم أن الأمر برمته مجرد أعمال فنية لا تحمل أي معنى خاص؟
فقد كشف تحليل أُجري بنظائر الكربون المشع على الموقع، أنه يرجع إلى فترة بعيدة للغاية في تاريخ البشرية، تصل إلى قرابة 11 ألف سنة قبل الميلاد! ولكن في هذا التاريخ البعيد، لم تكن البشرية قد عرفت الاستقرار بعد، فلم يعرف الإنسان الزراعة ويبدأ في تدجين الحيوانات إلا بعد هذا التاريخ بقرابة ألفي عام.
ومن المعروف أن البشرية لم تعرف المنشآت المعمارية إلا بعد استقرارها الزراعي الذي ساعد على ظهور تنظيم لأفراد المجتمع وضوابط تحكمهم وأهداف مشتركة.
لكن موقع "كوبيكلي تبه" يخالف كل هذه الافتراضات، فوجوده في هذا التاريخ المبكر يعني أن الإنسان الذي عاش في العصر الحجري، والذي كان يعتمد على الصيد والالتقاط، عرف قدراً كبيراً من التنظيم والاستقرار، ولم يكن بالهمجية التي يعتقدها البعض.
فبناء الموقع كان يفترض وجود 500 فرد منظمين على الأقل ليقوموا بقطع أحجار النصب التي تزن عشرات الأطنان، ونقلها من محيط الموقع لمسافة تصل إلى نصف كيلو متر، مع القدرة على توفير الغذاء المناسب لهذه الأعداد.
وقبل كل ذلك، يضعنا "كوبيكلي تبه" أمام افتراض بأن الإنسان الحجري، كانت له عقائد قديمة، تسبق هذا التاريخ بسنوات، استطاع تطويرها عبر مئات السنين، حتى وصل إلى مرحلة يؤمن فيها بوجوب بناء معبد لهذه العقائد يمارس فيها شعائر محددة عرفها من أجداده في عصور أقدم!
الاكتشافات المتوالية أظهرت أن موقع "كوبيكلي تبه" فقد مكانته بعد قرابة 3 آلاف عام على إنشائه، حيث بدأت دورة نمط حياة جديدة مع الزراعة والتدجين، وتم استخدام الموقع في أغراض أخرى غير الهدف الأساسي الذي بُني من أجله.
لكن المثير للحيرة، أن الموقع لم يُدفن بفعل عوامل الطبيعة ومرور السنين، وإنما تم ردمه عمدا منذ قرابة 8 آلاف عام قبل الميلاد! فمن ذا الذي يكبد نفسه مشقة ردم مئات الأمتار المكعبة من التراب على موقع حجري كهذا، في هذا التوقيت من عمر البشرية؟! سؤال دون جواب حتى الآن.