انتخابات نقابة الصحفيين التي جرت يوم الجمعة الماضي بمن حضر، بعد أن تم تأجيل الانتخابات لمدة أسبوع تنفيذاً لأحكام القانون، بسبب عدم اكتمال نصاب الهيئة العامة للنقابة لأول مرة في تاريخ اجتماعاتها التي تعقد لانتخاب النقيب ومجلس النقابة، هذه الانتخابات تستحق بل يجب أن تكون مناسبة لوقفة تأمل ومراجعة وتقييم، لمعرفة الأسباب التي وصلت فيها نقابة الصحفيين إلى هذه الدرجة من التراجع، بل والغياب عن المشهد الوطني العام والمشهد المهني على وجه الخصوص، وهو الغياب الذي كان محل إجماع كل الأحاديث التي جرت قبل الانتخابات، بالإضافة إلى الحديث عن تقطع الوشائج بين النقابة وهيئتها العامة، إلى الدرجة التي عزفت فيها الكثير من الأسماء المحترمة من أعضاء النقابة عن خوض الانتخابات ترشحاً وتصويتاً، مثلما عزفت الأغلبية الساحقة من أعضاء الهيئة العامة حتى عن مجرد الحضور إلى قاعة الاجتماع للمشاركة في الانتخابات، مما تسبب في تأجيل الانتخابات لعدم اكتمال النصاب في ممارسة غير مسبوقة من أعضاء الهيئة العامة للنقابة، فمن المعروف تاريخياً أن انتخابات نقابة الصحفيين كانت حدثاً مهماً، ليس على مستوى أعضاء النقابة فقط، بل على مستوى الدولة بمكوناتها الرسمية والأهلية، وكانت تحرك الكثير من الكوامن والتيارات والمطالبات في الجسم الصحفي، وهو ما لم نلمسه في الانتخابات الأخيرة الأمر الذي يستحق دراسته دراسة علمية مهنية محايدة لمعرفة الأسباب ومعالجتها.
لقد عاصرت انتخابات نقابة الصحفيين لأكثر من أربعين عاماً عندما كنت أصغر أعضائها سناً وكانت انتخاباتها تجمع أعلام المهنة من أمثال جمعة حماد ورجا العيسى وعرفات حجازي وابراهيم سكجها، ومحمود الكايد، وسليمان عرار وحسن التل رحمهم الله جميعاً وأطال الله عمر من ظل من ذلك الرعيل على قيد الحياة. ولعل هذه الأسماء التي كانت تؤمن بالصحافة كرسالة ودور قبل أن تكون مهنة هي التي أعطت للنقابة وللمهنة ثقلهما اللذين نبحث عنهما الآن.
لقد كانت الانتخابات في غالبية هذه العقود التي عاصرت فيها انتخابات نقابة الصحفيين والتي كانت تجري كل عام تشعل الحياة السياسية والهموم المهنية، وأجزم بأن بعض الصحفيين لم يكونوا يأوون إلى النوم، في مواسم الانتخابات إلا مع تباشير الفجر الأولى، في كثير من ليالي هذه المواسم، وكانت القضايا المهنية المهمة والحساسة هي محور العملية الانتخابية، من ذلك على سبيل المثال. حصة نقابة الصحفيين من إعلانات الصحف، الأمر الذي تمخض عن فرض نسبة 1% من كل إعلان منشور لصالح النقابة، مما أمن مصدراً مهماً،بل لعله المصدر الرئيسي من مصادر تمويل النقابة.
ومن القضايا التي كانت محور الكثير من الدورات الانتخابية قضية العلاقة بين مكونات الجسم الصحفي، فيما كان يعرف بالمحررين والمالكين، والعلاقة بينهما، هذا يوم كان للصحافة ملاك ينتمون إليها، ويعرفون همومها ويهتمون بنجاحها، ويمتلكون أسباب التنافس بين الصحف على الخبر والمقال والإعلان والتوزيع، وقبل ذلك على استقطاب الكفاءات المهنية إلى صحفهم، قبل أن تتحول غالبية الصحف إلى ملكية عامة ومال «سايب» بالنسبة للبعض، وحقل تجارب بالنسبة لبعض المسؤولين، ولعل هذا من أسباب ما وصلت إليه المهنة في بلدنا، وما وصلت إليه النقابة في علاقتها مع أعضاء هيئتها العامة، ومن ثم بحضورها في المشهد المهني والمشهد الوطني العام. بعد أن جرت في نهرها أجسام غريبة، لا تمت إلى المهنة بصلة، وهو ما يعرف الآن في أوساط الصحفيين بمشكلة «الجدول» وضرورة تنقيته.
كثيرة هي الشجون التي أثارتها انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة، وما جرى خلال الحملة الانتخابية من أحاديث حول واقع النقابة، وضرورة إنقاذها ووضعها على الطريق الصحيح، الذي يعيد إليها ألقها، ويعيدها مظلة للعاملين في مهنة المتاعب وبلاط صاحبة الجلالة، وهي مهمة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا أمنا جميعاً بأن النقابة ليست هي المبنى، لكنها الناس القادرون على إعطاء هذا المبنى قيمته، والقادرون على إعادة الحياة إلى أوصاله، بالانتماء إليه وبالانخراط في نشاطاته، وفي ابتكار هذه النشاطات وتجويدها.
ومثلما أن النقابة ليست هي المبنى فإنها كذلك ليست نقيباً ومجلس نقابة، فالأهم منهم الهيئة العامة الناشطة والفاعلة الداعمة لمجلس النقابة والرقيب على إدائة في الوقت نفسه.
خلاصة القول في هذه القضية: أن ما أفرزته صناديق الاقتراع في انتخابات نقابة الصحفيين الأردنيين مع تباشير فجر يوم السبت الماضي يجب أن لا يكون نهاية المطاف، كما تعودنا في سنوات سابقة، بل لابد من أن يكون هو البداية لاستعادة نقابتنا والعودة إلى حضنها ليعود معنا إلقها، وهذا هو التحدي الحقيقي أمام الجميع وليس أمام الفائزين بالانتخابات.
الرأي