مدار الساعة - كتب: فايز الفايز
كثيرا ما أتابع تسجيلات عن زيارات الملك الحسين رحمه الله إلى الولايات المتحدة في عقد الثمانينات، خصوصاً عندما يلقي الخطابات أمام المحافل التي تقرر للعالم ما يفعلونه، فأجد أن ربع الوقت الذي يقف الحسين على منصة الكلام يأخذه التصفيق بحرارة له، في ذلك الوقت لم تكن مؤسساتنا الديمقراطية مكتملة، ومع هذا كان الرؤساء الأميركان أمثال جيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش، يتهيبون منه رغم الأحداث الجسيمة التي أدارتها واشنطن في العالم العربي، فيما كان حول الحسين العديد من رجال التاريخ السياسي يستفيد من نصائحهم ورؤاهم.
في أول وصول للرئيس باراك أوباما كرئيس ديمقراطي متقدم لتغيير النهج الأميركي وفرض سلطة الديمقراطية في العالم، خصوصاً الشرق الأوسط، وبعد سنتين من حكمه بدات ملامح التغيير واضحة ضد زعماء عرب تسيدوا المشهد التاريخي خصوصاً في شمال القارة الأفريقية، وأولهم الرئيس الراحل حسني مبارك، الذي تدخل أوباما وفريقه في مجلس الأمن القومي لإقناعه مبكراً بالتنحي وترك المستقبل يأخذ مجراه للحفاظ على مصالحهم أولا وعلى استقرار مصر.
في كتابه "أرض الميعاد» يذكر أوباما الزعماء العرب، ويخص «مبارك» الذي عاند كثيراً رغم نصائحه المتكررة له، فيصفه بعد قرار التنحي قسراُ، ولجوئه إلى شرم الشيخ بالقول: «شعرت بالارتياح والأمل الحذر، ومع ذلك ما زلت أفكر أحياناً في «مبارك» الذي كان قبل بضعة أشهر فقط ضيفي في غرفة الطعام العائلية القديمة، وبدلاً من الفرار من بلاده استقر الزعيم القديم في منتجعه الخاص في شرم الشيخ. تخيلته هناك جالساً في غرفة فخمة، وضوء خافت يلقي بظلاله على وجهه وحيداً بأفكاره».
الحقيقة أن إدارة أوباما لم تكن في تلك السنين تدعم وجهة النظر الأردنية الرسمية بما يتعلق بسياستنا تجاه إسرائيل والحقوق الفلسطينية والتدخلات الفوضوية التي اعترف بها أوباما ضد دول عربية مستقرة، وكانت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون تعارض طلبات الأسلحة التي يحتاجها الجيش الأردني وسلاح الجو، رغم أن الملك عبدالله الثاني قد تجاوزهم لعلاقات رفيعة مع أعضاء بارزين في الكونغرس، وتحصّل الملك على ما أراده من دعم للجيش، ولكن أوباما في مذكراته يقر بأن الملك عبدالله كان من أكثر الإصلاحيين في العالم العربي.
أوباما وفي معرض حديثه عن الزعماء العرب العنيدين كالقذافي وابن علي والأسد وغيرهم، استثنى الأردن بقوله: «في ذلك الوقت حتى القادة الأصغر سناً والأكثر إصلاحاً في المنطقة بمن فيهم الملك عبد الله الثاني، يخشون من احتمال اندلاع الفوضى في بلدانهم، مستدركاً لقد كان ملك الأردن يرى فيما يريده من استقرار مستقبلي ويقوم بالتغيير كما يجب في أي وقت، بعكس العديد من الحكام العرب الذين كان درسهم الرئيس من مصر هو سحق المتظاهرين بلا رحمة.
الملك عبدالله الثاني الذي واجه أكبر تحد له مع إدارة دونالد ترمب لم يحن رأسه للعاصفة، وكل خطاب طليق له في أي منصة أجنبية يحصد التصفيق، يريد أن يرى التغيير الحقيقي من داخل المنظومة الرسمية، واليوم اقترب اجتماع مجلس الأمة وإطلاق الدورة النيابية لأربع سنوات قادمة، تقابلهم حكومة تحتاج الى استنهاض همتها أكثر لإصلاح الأضرار الفادحة التي سببها الوباء والسياسة الحكومية السابقة.
الملك عبدالله الثاني يحمل على عاتقه مستقبل الدولة، وهذا يستوجب على الحكومات والمسؤولين التنافس نحو مركز متقدم لدعم الإصلاحات كافة التي تبناها الملك دون نسيانها،وخلق الفرص المتتابعة لمستقبل أفضل، فالأردنيون الذين يؤمنون بالملك يريدون حكومة يؤمنون بها أيضاً، وغالبية الجياع الذين تقطعت بهم الأرزاق ينتظرون قرارات لا تحسبها بميزان الربح والخسارة، بل لوطن ومواطنين يدعمون استقراره ويؤمنون بدولتهم.
الرأي