مدار الساعة - كتب: (أ.د. احمد ملاعبة - خبير الجيولوجيا والبيئة والتغيرات المناخية)
-- هل سيحصد ثوران اللهيب المستعر للبراكين ما عجز عنه الكوفيد-١٩؟
-- مواجهات الإنسان والبيئة ضد تهديد التغيرات المناخية والتحالف غير المعلن بين الطاعون وثوران البراكين؟
في الوقت الذي تقف البشرية متوجسة وخائفة من هجمات طاعون فايروس كورونا المستبد (جائحة كوفيد-١٩) والذي يبدو أنه مقيم ليس في أقسام الإنعاش الطبية بل في جميع أقسام المستشفيات وخصوصا التنفسية والباطنية ويدور حولنا خارج المشافي ليجد ضحايا بالملايين ليسرق منا فرحة تجمعنا مع اهلنا واحبائنا وأصدقائنا..
كل يوم تقع ملايين الإصابات أو تزهق أرواح تحت طائلة الموت المجنح بالفزع والهلع.. وبشريعة غير موثقة يهدد هذا اللعين أن إقامته قد تطول لأكثر من عام ونيف وهذا ما أشرنا إليه منذ بداية الطاعون.ورغم تزاحم طروح اللقاحات الطبية لكن يبدو أن الفايروس اشرس منها وقد ينتصر عليها.
في هذه الظروف القاسية وبلا رحمة بدأ باطن الأرض وبدون سابق إنذار بالتلويح بتهديد البشرية بانفجارات بركانية كارثية قبل انتهاء عام الحيرة ٢٠٢٠ وكانه يشكل حزبا كارثيا مع الكورونا لغزو البشرية ومكونات البيئة.
ولعله من الجدير التأكيد عليه وتوضيحه انه في اللحظة التي يجلس فيها القارىء (سواء كان في حظر أو حجر أو في منزله او الفضاء الأرضي) .. فإنه وفي كافة أرجاء الأرض حوالي ألف بركان نشط منها ٢٥٠ بركان ثائر بمقذوفات هائلة وقاتله.
ففي هذا الشهر الأخير من "عام الحيرة-عام كوفيد" ثارت أكثر من ١٠ انفجارات بركانية كانت في طي الخمود والنسيان وكأنها تهدد وبشكل مباشر او غير مباشر بالتلميح الى كارثة بيئية.
إن اهم هذه البراكين في اندونيسيا (المكونة من ١٨ ألف جزيرة بركانية) حيث ان معظم البراكين في إندونيسيا هي جزء من قوس سوندا (Sunda arc) ، وهو خط طوله 3000 كم من البراكين تمتد من شمال جزيرة سومطرة إلى بحر باندا.
لقد ثارت ٣ براكين ضخمة خلال هذا الشهر مثل ثوران بركان ميرابي وبركان سينابونج في إقليم سومطرة الشمالية، ويعد ثوران سينابونج هذا ثالث ثوران للبركان خلال اسبوع، عندما أطلق عمود رماد وصل ارتفاعه إلى 4460 مترا، وأدى ثوران البركان من جديد إلى اندفاع سحابة من الرماد والدخان بارتفاع 7500 متر في الغلاف الجوي.
ثورة البراكين العالمية انتشرت من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب الجغرافي في رقعة المرسومة الارضية حيث ثار بركان بريكاتوين في المكسيك وإنتا في ايطاليا و ميرابي وكاراكاتوا في اندونيسيا.
وثمة أمور اهم من سرد عدد ونوع وتوزيع البراكين الثائرة حاليا ويقف في مقدمتها ما هو الأثر الذي ستتركه ملايين الاطنان من الرماد العالق على ارتفاع أكثر من ٧ كيلومترات رغم أن بعض البراكين تخترق حاجز ال ٥٠ كيلومترا ارتفاعا في الغلاف الجوي ومنها نموذج بركان سورتسين الايسلندي .. وأيضا آثار أطنان الرماد المتطاير حيث هناك ملايين الاطنان المكعبة من الغازات الخطيرة والتي تصل إلى ٨٠ نوع أهمها الغازات الدفيئة والذي يسيطر بخار الماء على ٩٠ % من إجمالي حجم الغازات ويتبعه ثاني واول أكسيد الكربون السامين والقاتلين ويعتبران أساس التغيرات المناخية.
وتزداد المسألة سوءا مع تحذيرات العلماء من إمكانية حدوث كارثة كبرى بانفجار بركان "هيكلا" قريبا في آيسلندا الملقب بـ "بوابة الجحيم" في أي لحظة بعد أن كان خامدا على مدى 16 عاما .. كما حصل عند ثوران بركان Eyjafjallajökull (جزيرة جبال الجليد) في آيسلندا عام 2010.
صحيح أن طاعون كورونا لم يعطِ المناخ فرصة ليتعافى مما حل به من دمار بشري منذ عام ١٧٥٠م حيث بعد الثورة الصناعية وتقلبات المناخ لكن خوف البشرية من الانهيار الاقتصادي ورغبة فطرة الإنسان من التحرر من الخطر والخوف أعادت المصائب إلى المناخ وعادت تراكيز الغازات والملوثات البيئية إلى أعلى مما كانت عليه خلال حجر الكوفيد-١٩ بعد عودة توغل غازات وفضلات الرواسي والطائرات والآليات العملاقة في المحيطات واليابسة والجو.
واخيرا لم ترض البراكين إلا أن تحالف الطاعون وتعيدنا إلى وضع أسوأ مما كنا فيه وبدأت تبث سمومها الغازية والصلبة حولنا. حيث أصبح العالم اليوم كما كان عليه في الخمس سنوات الأخيرة أمام تحدي المخاطر البركانية الكثيرة (مثل كارثة بركان جزيرة بالي عام ٢٠١٧) والتي تعيق الحياة وخصوصا حركة الطائرات والنقل والأمطار الحامضية والتغيرات المناخية من إحترار و برودة تصل حد الجليد.