أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

لماذا أُنزل القرآن في ثلاث وعشرين سنةً، ولم ينزلْ دَفعةً واحدة؟

مدار الساعة,شؤون دينية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

فالرَّدُّ يتضمّن أن الهدف من نزول الوحي على فترات، طِوال الثلاث والعشرين سنةً هو طمأنة الرسول ـ عليه السلام ـ على دعوته وعلى المؤمنين برسالته في صدق إيمانهم بها؛ إذ دعوة الإسلام هي دعوة لتحويل الإنسان المادِّي أو الأنانيّ.. إلى إنسان يَعِي روابطه مع الآخرين على أساس من القِيَم العليا في حياة الإنسان.. أي على أساس من الأُخوّة والتعاون والمشاركة الوجدانيّة في السَّراء والضَّرّاء ومعاونة القويِّ للضعيف والترابط على أساس هذه القيم وهو ما يُسمِّيه الله في كتابه “بحبل الله” في قوله ـ تعالى ـ: (واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولاَ تَفَرَّقُوا) (آل عمران : 103).

وهذا التحول عملية نفسيَّة تقِف في طريقها عقَبات نفسية كثيرة وأخصُّها العادات والتقاليد المادِّيّة أو الجاهلية السابقة لا يُذلِّلها إلا استمرار الدعوة والانتقال بنفوس المسلمين في تدرُّج من وضع سيِّئٍ إلى وضع أقلَّ سوءًا ثمَّ إلى وضْع حَسَنٍ فأحسنَ، حتى يتِمَّ التحول وهذا التحول إذن يحتاج إلى زمن وإلى تدرُّج في السَّير نحو هدف هذه الرسالة.

ونُلاحظ هذا التدرُّج في أسلوب القرآن في الدعوة إذ يُبَغِّض أولاً في عادات المادِّيين كما يُبَغِّض في الرِّبا في قول الله ـ تعالى ـ: (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا ويُرْبِي الصَّدَقَاتِ واللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ). (البقرة: 276). ثُمَّ ينتهي عن اتّباعها كما يَنهَى عن الرِّبا بعد ذلك في قوله: (يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ). (البقرة: 278). ثُمَّ يرغِّب في العادات الإنسانية المقابلة، كما يرغِّب في الإنفاق في سبيل الله، بمثل قوله ـ تعالى ـ: (ومَثَلُ الذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ “مطر” فآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإْنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ واللهُ بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيرٌ). (البقرة: 265) ثُمَّ أخيرًا يأمر بالعادات المرغوب فيها فهنا مثلاً يُبغض في الرِّبا، ثُمَّ ينهى عنه ثم يُرغِّب في الإنفاق في أوجه الخير ثم يأمر بالزكاة. وبينما فرض الزكاة كان في آخر سورة في الوحي وهي سورة التوبة، أي في السَّنة الثامنة في الهجرة، كان التبغيض في عادات جاهليّة في سوء استغلال المال مبكِّرًا في سورة الفجر، وهي السورة العاشرة في الوحي المكِّي قبل الهجرة، في قوله ـ تعالى ـ: (وتَأْكُلونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا وتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا). (الفجر 20:19) فالتحوُّل هنا في الموقف من المال هو من الحرص الشديد على المال في جمعه والشُّحّ به ولو كان عن طريق أكل حقوق الآخرين الضعفاء كالنِّساء والأولاد في مِيراثهم.. إلى إنفاق المال على الآخرين في غير مُقابل مادِّيٍّ مِن أحد، سوى القُرْبَى لله.

والتحوُّل هنا هو إذن مِن الضِّدِّ إلى الضِّدِّ تمامًا. وهذا التحول النفسيُّ يحتاج إلى تُؤَدة ووقت، كما يقع في مراحل وتطوّر. ومِن هنا كان الزمن الذي أخذه التحوُّل للمؤمنين على عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو زمن الوحيِّ كلّه، وهو ثلاث وعشرون سنة.

وكانت المراحل في الانتقال بأحكامها المختلِفة. وهي مراحل عديدة، اقتضتْ تكوين جيل مؤمن.

مدار الساعة ـ