مدار الساعة - قال رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو في مؤتمر صحفي عام 2018 حول البرنامج النووي الإيراني" تذكروا هذا الاسم فخري زاده". في ذلك الوقت لم يكن رئيس برنامج الأسلحة النووية في إيران معروفاً حتى بالنسبة لمعظم الإيرانيين. وبعد اغتياله خارج طهران أمس الجمعة أصبح فخري زاده اسماً على كل لسان.
وما زالت تفاصيل الاغتيال غير واضحة، فقد ذكر التلفزيون الإيراني الرسمي أن سيارة العالم الإيراني تعرضت للهجوم على يد" عناصر إرهابية مسلحة"، وأنه تم نقله لأحد المستشفيات، حيث لم يستطع الأطباء إنعاشه. وألمحت بعض التقارير إلى أن السيارة تعرضت في بادئ الأمر للاصطدام بمركبة محملة بعبوات ناسفة بدائية الصنع، وبعد ذلك قام مسلحون بإطلاق النار عليه.
ويقول المحلل الأمريكي من أصل هندي بوبي جوش في عرض رؤيته للحدث، والذي نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إنه من المحتم أن يوجه النظام الإيراني اصبع الاتهام إلى إسرائيل. وقال وزير الخارجية جواد ظريف إن هناك "دلائل جدية على أن هناك دور لإسرائيل". ومن المؤكد أن الاغتيال يحمل بعض السمات المميزة لحملة اغتيالات تعرض لها علماء نوويون إيرانيون، نسبت لإسرائيل: فقد قتل أربعة منهم ما بين 2010 و2012.
ولم يعترف الاحتلال على الإطلاق بالاغتيالات، لكن يبدو أنها أنهت حملة الاغتيالات بعد ضغط عليها من جانب الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان يتفاوض مع طهران بشأن ما أصبح اتفاقاً نووياً في 2015، يعرف بخطة العمل المشتركة الشاملة.
وكان نتانياهو على الدوام معارضاً للاتفاق، وما زال مقتنعاً أن إيران تواصل سراً برنامجاً لإنتاج الأسلحة النووية. وكان فخري زاده قد قاد ذلك البرنامج حتى 2003 على الأقل، عندما توصل تقرير للمخابرات الأمريكية إلى أن البرنامج توقف. ولكن بعد فترة صمت لسنوات قليلة، بدأ العمل في منشأة أبحاث في طهران، مع الكثير من العلماء الذين كانوا جزءاً من برنامج الأسلحة.
ويضيف جوش أنه يتم وصف فخري زاده أحياناً بأنه مثل روبرت اوبينهايمر، العالم الأمريكي الذي كان العقل المدبر لمشروع الأسلحة النووية الرائد في أربعينيات القرن الماضي. ولكن ليس من المحتمل أن يكون لاغتيال فخري زاده تأثير مادي على البرنامج النووي الإيراني، الذي يعتقد أنه يضم مئات العلماء والمعرفة المؤسساتية الكافية لاستمرار العمل بدون فخري زاده.
ويتمثل الخوف الرئيسي في أن الاغتيال سيطلق سلسلة من ردود الفعل داخل النظام الإيراني، حيث سيزداد الضغط للانتقام، سواء ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة. وبالفعل توعد بالانتقام حسين دهقان، وهو أحد القادة السابقين للحرس الثوري الإيراني، ومرشح بارز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر أن تجرى في الصيف المقبل.
وأحد الأمور التي تؤدي للتذكير بالخطر، قيام إيران في مطلع الاسبوع الماضي بإطلاق سراح باحثة استرالية مقابل الإفراج عن ثلاثة إيرانيين كانوا محتجزين في تايلاند بعد قيامهم بمحاولة انتقام رداً على الاغتيالات التي جرت في الفترة ما بين 2010 و2012. وكان قد تم ارسالهم لقتل دبلوماسيين إسرائيليين، وبطريق الخطأ فجروا العبوات الناسفة داخل الفيلا التي كانوا يقيمون فيها.
وقال جوش إن توقيت اغتيال فخري زاده محرج بوجه خاص للقيادة الإيرانية، السياسية والعسكرية على السواء. فنهاية فترة الحداد- وهي عادة 40 يوماً- ستتزامن مع الذكرى الأولى لاغتيال قاسم سليماني الذي كان قائداً لفيلق القدس الإيراني، وذلك في ضربة جوية أمريكية باستخدام طائرة مسيّرة.
وبالنسبة للمتشددين في النظام، سيكون هذا الأمر بمثابة تذكير محرج بأنهم فشلوا في تنفيذ الانتقام الذي وعدوا به منذ عام. ومما يزيد الأمر سوءاً هو أن أهمية فخري زاده بالنسبة للبرنامج النووي يتم تشبيهها بالفعل بنفوذ سليماني بالنسبة للشبكة الدولية الإيرانية للمليشيات التي تعمل لحساب إيران. وسوف تكون حقيقة عدم قدرة النظام الإيراني على حماية كبار علمائه، في أرض الوطن، أمرا ينطوي على إذلال بشكل خاص.
وفي الوقت نفسه، يدرك الإيرانيون تماماً أنهم لو استطاعوا ضبط النفس خلال الأسابيع الأخيرة من ولاية ترامب، قد يحصلون على رد فعل أفضل من الرئيس المنتخب جو بايدن. وأي انتقام عنيف لمقتل فخري زاده سيجعل من الصعب على الرئيس الجديد تقديم التنازلات التي تأمل طهران في الحصول عليها.
ويختتم جوش رؤيته بأنه من الناحية السياسية حينئذ قد يكون من المناسب للنظام الإيراني إذا ما تصرف الجميع على عكس ما ألمح إليه نتانياهو، ونسوا اسم العالم المغتال. ولكن حملة الانتخابات التي يتوقع أن تكون الهيمنة فيها للمتشددين، تجعل ذلك أمراً مستحيلاً تماماً. إذ لن يكون من الممكن بأي حال من الأحوال نسيان فخري زاده.